ميشلين حبيب: أكتب لأصدم الفكر والروح

نشر في 20-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 20-08-2014 | 00:01
عينت «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً» الأديبة اللبنانية ميشلين حبيب مندوبة لها في لبنان، ذلك أنها الوحيدة في لبنان التي تكتب هذا النوع الأدبي الصعب وغير المعروف، ولها في هذا المجال مجموعة قصصية بعنوان «لأننا على قيد الحياة» (2013).

كاتبة ومترجمة وتربوية وصحافية لبنانية، تهتم ميشلين حبيب بأدب الأطفال أيضاً، وصدرت لها سلسلة تعليمية باللغة الإنكليزية بعنوان

 The Little Sounds Series. كذلك عملت مع وزارتي التربية والثقافة الإماراتية على المناهج وطرق التعليم وتدريس اللغة الإنكليزية، ونظمت ورش عمل كجزء من تدريب معلمي اللغة الإنكليزية، وورش عمل أدبية وتربوية وثقافية في وزارة الثقافة وغيرها.

حول القصة القصيرة جداً وتقنيتها، وأهداف «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً» وكيفية تعاملها مع أدب الأطفال، كان الحوار التالي معها.

كيف انبثقت لديك تقنية القصة القصيرة جداً؟

في الحقيقة لم تنبثق عن تصميم أو تخطيط. لكنها نبعت من حبي للاختصار العميق والقوي والمكثّف. أحب أن أقول كلمتي وأمشي، ومن له أذنان تسمعان فليسمع. والاختصار يصل إلى ذهن الشخص بسرعة كبيرة، ويجبره على التأمل والتفكير؛ لذلك فإن اختصار فكرة كبيرة أو فلسفة معينة أو الوصول إلى هدف معين بكلمات قليلة ليس سهلاً أبداً، وهو أمر يستهويني جداً.

وعلى عكس ما هو معروف، فإن كتابة القصة القصيرة هي أصعب بكثير من كتابة الرواية، وأهم المفكرين والأدباء في العالم، وأذكر منهم خورخي لويس بورخيس الذي يعتبر من أهم مفكري وأدباء القرن العشرين، كانت أغلب أعماله قصصاً قصيرة، وهي لكثرة كثافتها تتخم العقل والفكر وتصلح لروايات طويلة، لكنه اختار كتابتها تحت شكل القصة القصيرة، لما في هذا الجنس الأدبي من تكثيف وقوة، ولا يمكن أن يفعل ذلك إلا فكر قوي. فكم بالحري قصة قصيرة جداً، فإن التكثيف فيها أكبر وأصعب.

تتمحور قصصك حول ثلاثية الموت والحياة والحب، فكيف يمكن التعبير عن فلسفتها بكلمات هي التي خُصّصت لها كتب ولا تزال؟

برأيي ذلك ممكن وغير ممكن. لا يمكن التعبير عنها بكلمات إذ إنها محور الوجود؛ كما يمكن التعبير عنها بكلمات لأن الأخيرة تختصر الوجود أحياناً كثيرة. من هنا أقول عن الموت: ولدنا لنموت؛ الحياة: نموت لنحياها؛ الحب: نولد ونموت ليحيا الحب. وقصصي تنبع من الحياة من حولي والحياة تتمحور حول الحب والموت، وهكذا فقد انعكس كل ذلك في نصوصي.

 الربط بين الماضي والحاضر والأساطير، هل تقصدين به تعميق اللحظة الحاضرة المعبّر عنها بكلمات؟

استخدمتُ الأسطورة في واحدة من القصص والتي هي «فينوس والصدفة» لأني رأيت فيها ما يخدم فكرتي للقصة، ويمكن أن أفعل ذلك بأساطير أخرى إذا ما رأيت أنها تخدم فكرتي الأساسية التي تبنى عليها قصتي. ولا ننسى أن الأساطير أثرّت في الأدب والفن عبر العصور.

ما تأثير كثرة وسائط التواصل وما تحمل من كلمات لا تنتهي على اختيارك هذه التقنية القصصية؟

لم أفكر أبداً بوسائط التواصل الاجتماعي ولا بكلماتها ولا بها كميدان لترويج هذا النوع من الأدب إن كان هذا ما قصدت. لكن لا يمكن أن ننكر أن الناس، بشكل عام، يفضّلون الاختصار على الإسهاب. والقصة القصيرة جداً نوع أدبي مكثّف يعبّر عن العصر السريع الذي نعيشه، ويعكس مشاكله وصراع الإنسان فيه، وقصصي تحتوي على ذلك كله بالإضافة إلى السخرية، وهي عنصر مهم يخدم التكثيف والصدمة الموجودين في قصصي بشكل كبير.

هل تقصدين الصدمة والإدهاش أم الحيرة والغموض؟

أقصد الاثنين أو الأربعة معاً. إحدى ركائز القصة القصيرة جداً الأساسية هي المفارقة، إذاً يجب أن تتضمّن القصة القصيرة جداً الدهشة والصدمة حتى تستوفي إحدى أسس هذا النوع الأدبي، فضلاً عن أني شخصياً أحب هذه التقنية وهي قريبة جداً من تفكيري وطريقة كتابتي. فأنا أكتب لأصدم وأوقظ وأشعل الفكر والروح.

أما وجود الحيرة والغموض فهو ليس بقصد الحيرة والغموض لمجرد الحيرة والغموض، وإنما لترك مساحة عند القارئ للتفكير والتحليل والإبداع، وأيضاً للاستمتاع بالنص الأدبي بين يديه. ولأن قصصي تنبع من الحياة من حولي والمجتمع الإنساني بشكل عام، لا بدّ من الغموض والحيرة لجعل القارئ يفكر أبعد من النص، ويقف عند المواقف الحياتية والإنسانية التي يعيشها أو يتأثر بها.

عُينتِ مندوبة عن «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً» في لبنان كيف تمّ ذلك؟

دُعيت من الرابطة إلى تمثيل لبنان في المؤتمر الذي يُقام سنوياً في المغرب ومن ثم تمّ تعييني مندوبة لها في لبنان. وأتمنى أن ألتقي بكتّاب ونقّاد للقصة القصيرة جداً في لبنان. ورئيس الرابطة بصدد وضع كتاب عن القصة العربية القصيرة جداً وسيتضمّن دراسة عن كتابي «لأننا على قيد الحياة».  

ما الهدف من تأسيس «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً»؟

الهدف الأبرز بحسب، رئيس «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً» الناقد والقاص الدكتور جميل حمداوي، تجميع المبدعين والنقاد ومهتمي القصة القصيرة جداً في مؤسسة ثقافية راعية، تضمن حقوق هؤلاء الكتاب والمبدعين والأدباء والنقاد، وتسهر على حمايتهم معنوياً وحقوقياً، مع تنظيم ورشات تكوينية متعددة في مجال القصة القصيرة جداً، والعمل على تبادل الخبرات والمعارف والأفكار حول هذا الجنس الأدبي الجديد في ساحتنا الثقافية العربي.

ومن الأهداف الأخرى للرابطة التي يحددها حمداوي، تنمية الروح الإبداعية لدى كتاب القصة القصيرة جداً، من خلال النشرات والوسائط الإعلامية المتعددة، مساعدة الأدباء في التعريف بهذا الإنتاج شرقاً وغرباً، التضامن مع كل كتاب القصة في الوطن العربي، الوقوف إلى جانبهم في القضايا الحقوقية أو الأدبية، تنظيم دورات وورشات تدريبية، سواء في المغرب أم في الدول العربية. إنشاء مؤسسة عربية ثقافية متميزة على غرار مؤسسة اتحاد كتاب العرب، تُحدد الإدارة أولا، فالفروع الإقليمية ثانياً.

فعلا، تأسست الإدارة المركزية في المغرب بتعيين الدكتور جميل حمداوي رئيساً، والدكتور جمال الدين الخضيري نائباً للرئيس.

كيف ترين مستقبل القصة القصيرة جداً؟

أشاطر الدكتور جميل حمداوي ثقته بمستقبل القصة القصيرة جداً، وتفاؤله بالغد المشرق لهذا الفن الجديد الواعد، وقوله إن هذا الجنس الأدبي سيكون محظوظاً ضمن خانة السرديات، بعدما تربعت الرواية والقصة القصيرة على كرسي الأدب لأكثر من قرن

ما التقنية التي تعتمدينها في قصص الأطفال؟

البساطة والمفاجأة والانتباه إلى التفاصيل كلها، إذ إن الكتابة للطفل مسؤولية كبيرة، فالطفل في طور التعرف إلى العالم من حوله، لذلك هو يخزّن كل شيء يصادفه، ومن المهمّ جداً أن نوفّر له مادة صحيحة ودقيقة لهذا المخزون. وأترك له مساحة ليستنتج ويضيف ويحاور ويبتكر قصة خاصة به، وأيضاً مساحة للدراما أي تمثيل القصة. أحب أن أحافظ على البراءة والذكاء معاً بالإضافة إلى حس الفكاهة.

بحسب خبرتك، هل بات اليوم من الصعب لفت انتباه الطفل إلى الكتاب وإرضاؤه؟

لا أعتقد ذلك، إن تكلمنا عن الطفل بحد ذاته بعيداً عن محيطه الذي يفرض عليه أموراً غريبة عنه لا يعرفها، وإنما يتعرّف إليها من خلال هذا المحيط الذي هو بالدرجة الأولى والديه وعائلته. ما يجعل الطفل يكبر وينمو هو الخيال أو الإبداع الموجود في داخلنا، والذي يولد معنا ويكون في أقوى حالاته عندما نكون أطفالاً. من هنا، فإن الطفل يعشق الكتب لأنها تعبق بالألوان والخيال والقصص وهو يتفاعل جداً مع هذا.

لا أوافق على القول الذي يتداوله الجميع حالياً: لا يمكننا أن نعود بالأطفال إلى الوراء في عصر التكنولوجيا. من قال إننا نعيدهم إلى الوراء، نحن نضع بين أيديهم شكلا آخر للتكنولوجيا وإنما الورقية، ثم لا يعجبني ولا أوافق أبداً على قولهم “الطفل أصبح ذكياً ولا يمكننا أن نمنحه أشياء بسيطة”. أولاً الأطفال كانوا دائماً أذكياء لكنهم الآن أصبحوا متفوقين على طفولتهم وهذا ليس ذكاء وإنما سلباً للبراءة. الراشدون هم من سلبوهم طفولتهم وبراءتهم وليس هم من أصبحوا كذلك.

يجب تغيير طريقة التعامل مع الطفل واحترام عقله بعيداً عن الوعظ طبعاً، ولكن ليس من خلال العنف والأنانية والسطحية والاستبداد والتحدي السلبي الذي نراه كثيراً في البرامج التلفزيونية الكرتونية وفي ألعاب الفيديو، أو على الهواتف الذكية أو الألواح الإلكترونية وفي بعض الكتب.

هل أكسبك عملك في الترجمة والتجول في آداب الغرب ولغاته مرونة في التعامل مع اللغة وتطويعها حسب أفكارك؟  

أعتقد ذلك، إذ تتأثر الذاكرة وكذلك الدماغ تلقائياً بـ syntax اللغات (علم بناء الجملة) وبالتالي تؤثر واحدة على أخرى، قوة المترجم هنا ألا يقع في فخ الحَرْفِيّة، فإن الحَرْفِيّة تقتل المعنى وتسيء إلى النص الأصلي، وهي بالتالي لا تدلّ على الاحترافية. أضيفي إلى ذلك تخصّصي في الأدب الإنكليزي والألسنية، ربما أضاف ذلك سلاسة على لغتي إذ أبتعدُ عن التعقيد واستخدام المفردات الصعبة.

back to top