أنا لي حياة أخرى

نشر في 18-08-2014
آخر تحديث 18-08-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم تسلل صوته الناعس إلى وعيي، وهو يقول سأذهب لأرى الأولاد في الغرفة، مسد شعري بكفه برفق وخرج، تلاشيت في نعومة ودفء أغطية السرير وأكملت نومي.

استيقظت بإحساس من هو واقع تحت كشاف المراقبة، رفعت رأسي ببطء نحو شباك الغرفة حيث تظهر تحت النور الشاحب المتسلل من الستارة المسدلة هيئة امرأة ورجل جالسين على كرسيين بهدوء صامت، كأنهما ينتظران صحوتي، اعتذرت منهما وأنا غارقة بإحساس خجل من وجودي في سريرهما، انسحبت من تحت الشراشف وخرجت من غرفتهما إلى الممر الذي توجد فيه غرف كثيرة ممتدة في دوران كل طابق من المبنى.

بدأت أبحث عن رقم غرفتي 233 بين الأرقام المتسلسلة في مساحة الممر الطويل الواسع الخالي من حركة الناس، الأرقام كلها ليس من بينها رقم غرفتي، توجهت إلى المصعد وضغطت على زر الصعود، حين فتح الباب ودخلت وجدت فيه أطفالا يتراشقون بمسدسات الماء المتناثر على أرضية المصعد مشكلا بركة صغيرة في وسطه، حاولت أن أتفادها وأتحاشاها حتى لا تبلل أطراف ثوبي الطويل المنساب حتى أطراف أصابعي، سارعت بالخروج منه عند أول توقف للمصعد دون أن أنتبه إلى رقم الدور.

بدأت بجرد أرقام الغرف بحثا عن رقم غرفتي، الأرقام كثيرة لكن ليس من بينها رقم 233، سألت الرجل الطويل الجالس على مقعد يلاعب قطة من قماش في حضنه عن رقم غرفتي، نظر إلي بعدم اهتمام وهز رأسه في اتجاه أقصى الممر، سرت ُفي الاتجاه الذي أشار إليه بطرف عينه، ومضيت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون أن أوفق ببحثي، كل الأرقام ليس بينها رقمي، وكل المارة الذين سألتهم لا يهتمون بي، لا أحد منهم يتجاوب معي بجدية صادقة، ولا اهتمام حقيقي كأنهم يتعاملون من خلف زجاج بارد لا يصلهم بي، وجودهم شبحي بلا مشاعر ود دافئة، لا أحد منهم دلني على الوجهة الصحيحة، ولا على الاتجاه المضبوط من طابق إلى طابق، من بداية الطرقة وحتى أخرها لا تحمل أي غرفة رقم غرفتي.

توجهت إلى المصعد وضغطت على زر الطابق الأخير، حين توقف خرجت مسرعة إلى البهو المنبسط أمامه، سرت في اتجاه امتداد الغرف، ووجدت على باب أول غرفة مفتوح ثلاثة رجال يتحدثون بأصوات باهتة مفرغة من الحس الدافئ، سألتهم عن رقم غرفة 233 فأشاروا أيضاً بلا اهتمام إلى الاتجاه المعاكس لموقع المصعد، وعادوا إلى حوارهم بلا حماس ولا تركيز وكأنهم لا يرونني، مشيت في الاتجاه الذي أشاروا اليه ولم أجد أثرا لرقم غرفتي، لكني وجدت شرفة واسعة واقفة فيها النجمة أثار الحكيم تدخن سيجارتها وتنفث دخانها في الفضاء المفتوح أمامها، اقتربت منها وحييتها بفرح وسألتها عن رقم الغرفة 233 فردت وذهنها مشغول بأنها غير متأكدة من ذلك فهي مشغولة بالتصوير، وتركتني بسرعة حين ناداها المصور.

فجأة دخل إلى الشرفة أشخاص قالوا لي انهم يعرفون أين تقع غرفتي وإنهم سيأخذونني إليها، وقادوني إلى غرفة ليست هي غرفتي التي أعرفها، شعرت بالضيق والاختناق وصرخت بهم: هذه ليست غرفتي، انها ليست لي، ليست مكاني، لكنهم أصروا على أنها لي وأني أمضيت حياتي فيها وهي حجرتي الحقيقية الثابتة.

أخذت أصرخ بهم انها ليست لي... ليست حجرتي، لكنهم أصروا بعناد كامل لا يتزحزح على أنها مكاني.

كيف أقنعهم بأنها ليست لي وانها ليست بمكاني؟!!!

كيف أجعلهم يرون ما أراه بعيني؟

ويتأكدون مما يدركه ويشعر به عقلي؟

أنا متأكدة أن لي حياة أخرى فيها زوج وأولاد أحبهم في غرفة 233 التي لا تشبه هذه الغرفة.

انهم لا يسمعون ولا يدركون ولا يرون ما أراه، كيف أجعلهم يعرفون أن لي حياة أخرى؟!!!!... بداية لكتابة قصة قصيرة.

back to top