عناق مواسي: لا أحقق الحلم إلا كتابةً!

نشر في 27-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-07-2014 | 00:02
عناق مواسي كاتبة فلسطينية تعيش على الأرض المحتلة، خاضت مغامرة الرواية فنشرت «ساعة رملية» و{ثلاث أمنيات»، وتستعد لنشر نصوص روائية، معها هذا اللقاء.
متى اكتشفت عناق مواسي نفسها ككاتبة؟

هو الحدس الداخلي الذي رافقني في بواكير تفتح الأنوثة فيّ، عندما تصبحُ للعاطفة معانٍ أخرى وأبعاد تتساوى مع الحياة. الاكتشاف البريء مع اكتشاف جسد آخر يضج بالأنوثة في جسدي  الفتيّ. عندما  اهتديتُ إلى كيان الجسدين شعرت أنّ ثمة متسعاً لأنا أخرى في داخلي، وراعيت شعوري فيّ إلى أن أصبحنا نمشي بخطين متوازيين.

هكذا هي الكتابة كهوية بالنسبة إلي، حين أصيغُ المشاعر الخام إلى قوالب أدبية.

 

هل تعتقدين أنّ ذلك اليوم الذي تتوقفين فيهِ عن الكتابة قد يأتي؟

 

إطلاقاً، الكتابة أنا... التوقف هو لحظي، لحظات من التفكير أو التدوير أو التحوير، كما للمادّة حالات مختلفة، هكذا هي الكتابة حالة من السيولة وحالة من التسامي وحالة من التجمّد، لكن جزئيات الحروف تدور في نواتي بلا توقف. أتعايشُ مع الكلمة المكتوبة والمقروءة أنفعل بها، أتجدد بها . هذه مسؤولية كبيرة  ورهان كبير لكن  التوقف ليس في عالم الكتابة.

أي جنس أدبي تشعرين فيهِ أنّ أصابعكِ حرة وأكثر قدرة على العطاء؟

لكل كتابة أدبية رونق خاص، تماماً كما لوحة البيانو لا تتغير، إنّما عزف الأصابع باختلاف النوتة يعطي نغمة أخرى، عزف أصابعي على نوتة الرواية فيه مساحة كبيرة للتعبير عن مدارك كثيرة، لا يوجد انضباط كما في القصة القصيرة أو الومضة أو الشعر. القالب الروائي له استثنائيته بمساحته المستفيضة. القدرة على العطاء لا  تنحصر بجنس أدبي دون سواه، وبيت القصيد في القدرة على تطويع النص الأدبي للفكرة. ما يعبر عنه بقصة قصيرة جداً لا يُعبر عنه برواية، والعكس صحيح.  

كيف تستعد عناق نفسياً لخوض مغامرة الرواية؟  

شهيق عميق، كتابة فكتابة فقراءة بين مدٍ وجزر ثم النشر... أوافقكِ أنّها تتصف بالمغامرة، لأنّها سبر أغوار اللغة والحبكة والأحداث والانفعال والدهشة والخيبة والتناقض من الأشياء مرةً واحدة. تتطلب جهداً ذهنياً كبيراً وتركيزاً كبيراً وإحاطة شاملة.

ما هي الصعوبات التي تخشين مواجهتها أثناء كتابة الرواية؟

الاستمرارية في الدهشة يرهق الكاتب ويتطلب جهداً إضافياً في تطوير نفسه وتطوير فنيته الكتابية، فالكتابة المستمرة تشحذ الذهن والأصابع، والعكس صحيح. تتطلب الرواية الإحاطة بعوامل مختلفة معاً بما يشبه لعبة البهلوان، أحرّك خيوط القدر والأدوار معاً وفكري مشغول بمستقبلية الأحداث. الانشغال بحاضر اللحظة ومستقبلية الحدث والدهشة يضفي جواً ديناميكياً داخل الكاتب.

كيف هي طبيعة علاقتكِ معَ شخصياتكِ؟

علاقة مكثفة، متماهية جداً! استصعب الخروج من جسد الشخصيات في النص بسهولة، لأني أتغلغل بها، ولا أستنقص من احتواء مشاعرها، أصبح الشخصية حتى أتناسى نفسي إلى حين أن يخرج النص كاملاً. أتعب من بعض الشخصيات أحياناً، وأرفض الابتعاد عن شخصيات أخرى. ألجأ إلى بعضها في حالات فرحي أو حزني، الشخصيات التي أفصّلها أنا بمدارك مختلفة.

هل ثمة خطوط حمراء ترفضين تجاوزها عند الكتابة؟

تتيح الكتابة المرور أمام الإشارة الحمراء، فهي آلية الممكن في أرض المستحيل، بشرط أن تتم المعالجة الأدبية بذكاء. تتحكم الكتابة  بظروف المكان والمجتمع، والمجتمع الشرقي لا يزال متأزماً بعقده النفسية في الكتابة العلنية، في ما يتعلق بالجنس أو الدين أو السياسة. الأدب جاء ليناقش ويكتب بفنية الكشف والتلميح مع مراعاة عقلية المتلقي الشرقي.  

ككاتبة فلسطينية تعيش على الأراضي المحتلة ما يسمونها بأراضي 48، هل ثمة تأثير مباشر للبيئة حيث نشأت ضمن مجتمع يهودي على كتاباتكِ وشخصياتكِ، أم أنكِ تفضّلين تشكيل البيئة التي تحلمين بها وتتمنين لو عاشت فيها من خلال الكتابة؟

تربطني علاقة جينية بالأرض وثقافتها وتراثها وفلكلورها. تؤثر علاقتي بالمكان على النص، إذ تشبه الحبكة قصة حب أقيمت على أنقاضها قصة حب أخرى، تشبه المدينة التي شيدت فوق معالم مدينة أخرى. أمّا بالنسبة إلى المجتمع حيث أعيش فمن المؤكد وجود علاقة صمغية بيني وبينه. طبيعة العلاقة المركبة التي نعيشها تؤثر في أزمة الهوية التي ترافقني والدوائر التي أنتمي إليها. أحلم بفضاء لغة عربية شامل وواسع أستطيع من خلاله الالتقاء بالأشقاء العرب والتثاقف معهم، كوني أعيش على أرضي المحتلة، لكن في الوقت نفسه، محوري إنساني فأنا أرفض التقسيمات الطائفية أو الدينية أو العرقية. ثمة دائماً ما يجمعنا كبشر.

ما هو الحلم الذي لا تحققينه إلاّ من خلال الكتابة؟

الكتابة نفسها هي الحلم الذي يتجدد ولا يتبدد مصاغ بقوالب أدبية، الحلم في حالة السمو المتكامل أو العدالة المطلقة تماماً بما يشبه الحلم. يتجدد الحلم ويُصاغ، كما يتجدد البوح ويصاغ.

back to top