رئيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة مصطفى النشار: الفقر فتنة كبرى والمسلمون متأخرون عن الإسلام

نشر في 26-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 26-07-2014 | 00:02
No Image Caption
أكد رئيس قسم الفلسفة في كلية الآداب -جامعة القاهرة الدكتور مصطفى النشار أن الفقر هو الفتنة الكبرى التي يجب اجتنابها، وأن الخلافة كنظام سياسي ليست من صميم القرآن والسنة النبوية، بل هي نظام سياسي ناتج من اجتهاد المسلمين. وأضاف، في حوار مع «الجريدة»، أن الإسلام دين علماني بطبعه والفتنة مخطط غربي تنفذه أياد عربية، ضارباً المثل بالأحداث في سورية وليبيا، قائلاً إن المنطقة تعيش مرحلة نكون أو لا نكون، وأشار إلى أن التعليم المدني بداية الطريق للقضاء على الفتنة الطائفية في المجتمع العربي. في ما يلي نص الحوار.
ماذا تعني الفتنة من وجهة نظرك؟

هي استخدام لتعبير له ظل ديني في مجال تعريف خلاف سياسي، وهي كلمة في الأصل لم تنشأ سوى في التراث العربي الإسلامي، منذ الخلاف بين الإمام علي بن ابي طالب، وبين معاوية بن أبي سفيان، ومع واقعة رفع المصاحف على أسنة الرماح بين المتحاربين في موقعة صفين بدأت الأزمة، رغم أنه خلاف سياسي بحت، فلو جنبنا الاستخدام والتفسير الدينيين سنجد أنها مجرد خلافات في وجهات النظر، لأن الرسول لم يحدد للمسلمين حاكماً، والخلافة لم تكن من صميم القرآن والسنة، وهي اجتهاد في كيفية إدارة أسلوب الحكم.

كيف انعكست الفتن السياسية ذات الطابع الديني على الواقع؟

أصبحت لدينا فِرَق ليس لها رأي سياسي فحسب، ولكنها تتصور أنها تملك الحل والعقد في ما يتعلق بتفسير النص الديني، رغم أن الأصل موجود ومحفوظ وهو القرآن والسنة، وباب الاجتهاد فيه لم يغلق. بالعودة إلى الأصل، نجد العوامل المشتركة أكثر من المختلفة. وإذا أردنا أن يكون لنا موقف حضاري قوي بين التحالفات القوية فيجب أن نبحث عن المشترك في دائرتنا العربية والإسلامية بصرف النظر عن المعتقدات المذهبية، لا سيما أن تصدر بعض المتطرفين المشهد حوَّل الدعوة الدينية إلى حرب باسم الدين.

ما هو تأثير احتكار البعض لتفسير النص الديني؟

منذ أن أغلق البعض باب الاجتهاد وإعمال العقل الذي هو أحد أصول الدين، تم فتح الباب لمن يسمون بتيارات الإسلام السياسي، التي تستند إلى تفسير دون غيره وتتحيز إليه، وتتطرف في الدفاع عن آرائها، لأن أنصارها لم يقرأوا النصوص بتأويلاتها.

يستند بعض المعاصرين في فتاوى غريبة ومتطرفة أحياناً إلى أسماء فقهاء لهم اعتبارهم لدى المؤسسات الدينية حتى الوسطية منها... كيف تفسر ذلك؟

لا يمكننا إيجاد حلول للقضايا المعاصرة كافة بالرجوع إلى أقوال وفتاوى أئمة سابقين، والدليل أن الإمام الشافعي مثلاً غيَّر فتاويه بتغير البقعة الجغرافية التي يكون موجوداً فيها، ما يعني أن إبداء الرأي في قضية لا تنبغي معه العودة إلى قول أحدهم، بل علينا دراسة الأصول ثم الاجتهاد، في إطار مراعاة الظروف الاجتماعية التي يمر بها المجتمع، وكما قال الإمام الغزالي: «العقل أُس الشرع، وما لم يكن أس لم يكن بناء». وإذا أفتى أحدهم بما يخالف العقل فإنه خرج مباشرة عن الدين. كذلك قال بعض الفلاسفة: «العقل خليقة الله، والشرع وحي الله، والحق لا يمكن أن يضاد الحق»، ومع أن الإسلام قدم حفظ النفس على ما سواه، نجد المتطرفين يبررون لأنفسهم دينياً قتل مخالفيهم ممن يدينون بالدين نفسه، وهذا تفسيره أن الدين مجرد واجهة لأولئك الذين يخفون خلفها أفعالهم الدنيئة؛ وإلا فلماذا لا يوجهون هجماتهم إلى العدو الصهيوني؟

كيف ترى المشهد الراهن للعالم العربي والإسلامي؟

أعتقد أننا وصلنا إلى قمة المأساة التي لا قمة بعدها، ونحن بمنطق فلسفة التاريخ وصلنا إلى ما لا يمكن تخطيه أو تصوره من الأزمات وأصبحنا أعداء ديننا وأنفسنا، فالإسلام الآن أكثر تقدماً من جميع المسلمين.

لماذ يتجنب البعض التعامل مع فكرة الخلافات السياسية بين الصحابة باعتبارها باباً للفتنة؟

الإسلام معجزته العقل ومخاطبته، وبالتالي فلا قداسة فيه للبشر، ولدينا نموذج في عصر الإسلام الزاهي لم نجد تأريخاً للأشخاص بمن فيهم الخلفاء بعد الرسول، وإنما توافر توثيق للطبقات في المجتمع: الأطباء والفقهاء والنحويون واللغويون. وينسى البعض أن الإسلام لم يتم تمجيده من منظور تمجيد الأشخاص، ولدينا واقعة عزل الخليفة عمر بن الخطاب للقائد العسكري خالد بن الوليد، نظراً إلى افتتان بعض الناس به وظنهم أن النصر لم يأت إلا على يديه، فقرر عزله لإرساء مبدأ أن الجيش كله كجماعة مؤمنة بالفكرة هو ما يحقق النصر. بالتالي، تجنب الحديث عن الخلافات بين الصحابة أو الفتن في التاريخ الإسلامي هو عكس ما يرمي إليه الإسلام، لأن النهضة تبدأ بالبحث عما هو مشترك ومعرفة اختلافنا واتفاقنا، ولنلاحظ كيف تمّ صهر الفرس والروم في وحدة التاريخ الإسلامي.

يبرر البعض استخدام تعبير الفتنة ضد المعارضين بأنه يأتي للحفاظ على الدولة ومنع تفتتها؟

استخدام وصف «الفتَّان» لنعت المعارض لنظام الحكم هو استمرار لفكرة استخدام كلام بظل ديني في أمر سياسي. ثمة معارضون لكل حكم في الدنيا، وإذا كان البشر لم يجمعوا على الله نفسه سبحانه وتعالى فكيف يتحقق الإجماع على حاكم. وأشير هنا إلى أن الخلفاء الأربعة بعد وفاة الرسول كانت لهم معارضة قوية، والخلاف السياسي يجب أن يظل بعيداً عن الدين، وحقيقة الإسلام أنه يفصل بين ما هو دنيوي وما هو ديني، والواقع أن لا يوجد شيء اسمه نظام «الخلافة الإسلامية»، ولدينا كتاب الشيخ علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» الذي أصل لتلك المسألة، لأننا بصدد أمر يتعلق بالنظام الأنسب لإدارة أمور الحياة.

يتوجب علينا أن نكون واعين لمواجهة ما أسميه الفتن المصطنعة، ولدينا مثال الأحداث والعصابات في ليبيا وسورية. أتذكر أحياناً سؤال الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، من أنتم؟ في الواقع ثبت أن غالبية من يحاربون في ليبيا مرتزقة جاؤوا من أفغانستان وغيرها. عموماً، العالم العربي والإسلامي لن يصل إلى موقف أكثر تأزماً من الواقع، ونعيش مرحلة نكون أو لا نكون.

في أي مرحلة ترى الربيع العربي فتنة أو ثورة؟

الشعوب معذورة في طموحها إلى المشاركة السياسية ومطالبتها بالديمقراطية؛ إلا أن القوى الاستعمارية استغلت الظرف وأسهمت في تعميق فجوة الخلافات، وبهدف واحد تفكيك وتشتيت الدول المختلفة، باستخدام مجموعة من المقاتلين لزرع الفتن والمؤامرات يتنقلون من بلد إلى آخر، فمن العراق إلى سورية ومروراً بليبيا. والخلاصة أن الفتن تخطيط صهيوني والتنفيذ بأياد عربية وإسلامية.

لماذا يصف المؤرخون والفقهاء الثورات بأنها فتنة؟

أي فريق يمسك بمقاليد السلطة يسارع إلى القول بضلال الفئة الأخرى التي تعارضه ويتهمها بمحاولة تشكيل فتنة في المجتمع، ويحاول صبغ الخلاف دينياً. لا يجب أن نستخدم تلك المصطلحات في المستقبل، ومن المحرمات أن يتم استخدام الدين لنصرة فئة على أخرى.

ركَّز بعض المستشرقين في دراسات التاريخ الإسلامي على مناطق الخلافات السياسية.

ثمة نوعان من المستشرقين، أولهما ينتهج الأسلوب العلمي ويستخدم ضميره المهني بصرف النظر عن المصالح السياسية، ربما أكثر من المسلمين أنفسهم، وقدم خدمات جليلة للحضارة الإسلامية أمثال لويس ماسينيون الفرنسي، وغوستاف لوبون الذي وضع موسوعة حضارة العرب. وفي المقابل، نجد فريقاً يعمل بدافع تآمري استعماري ويتستر تحت قناع الفكر والبحث وتقديم صورة المسلمين للغرب، فيما يستهدف صناعة أبحاث تزرع الفتنة.

كيف تعامل فلاسفة المسلمين مع الفتنة؟

بحكم تفكيرهم ووعيهم، لم ينخرط الفلاسفة في تلك الفتن وكانوا يحذرون منها. عندما أراد الحمداني التفاخر كحاكم بوجود الفيلسوف الشهير في بلاطه، وعرض عليه أن يكون حاضراً في قصره وفتح له أبواب الدواوين، ردّ الفارابي بأنه لا يريد سوى أن يقيم في حديقة القصر وأن يوفر له مصباحاً حتى يتمكن من القراءة. كذلك فإن حياة ابن رشد عامرة بالنصائح لحكام الأندلس للوحدة وتجنب الشقاق، ما يعني ضرورة البعد عن احتمالات ظهور الفتن في المجتمع. ونجد أيضاً في كتب الفلاسفة المسلمين مصطلحات تتحدث عن مصلحة الأمة أكثر من التطرق إلى الحاكم. يتحدثون عن أمة المسلمين بعيداً عن الحاكم أو النظام.

في المقابل، كيف ترى تعامل الفلاسفة الأوروبيين مع سيطرة الكنيسة على إدارة شؤون الناس في مرحلة ما قبل النهضة الأوروبية؟

كان الأمر واضحاً، فالفلاسفة ضاقوا بسيطرة الكنيسة على حياة الناس إلى حد احتكار صكوك الغفران، وإشاعة أن مفاتيح الجنة موجودة لدى القساوسة، وتداخل الفلاسفة بأطروحاتهم لمواجهة التعديات الكنسية، وأصبح المعيار نجاح الحاكم في تحقيق مطالب الناس وليس بتدينه ورضا الكنيسة عنه. وإذا قارنا ما طرحه الغرب من علمنة الدولة، بالعرب والمسلمين، فالدين الإسلامي دين علماني بالمنطق، ولسنا بحاجة إلى المصطلح.

كيف نقضي على الفتن الطائفية في المجتمع العربي؟

بداية، يجب أن يكون التعليم مدنياً، وتدخل القيم الدينية بشقيها في إطار مقرر للأخلاق يحمل القيم التربوية والأخلاقية في الأديان المختلفة، وهذا يعني شرح القيم بأدلة من القرآن والإنجيل.

ماذا عن الجوانب الاجتماعية؟

الفقر هو الفتنة الحقيقية، ومحاولات التفرقة الدينية لم تفلح في شق المجتمع رغم تكرارها، ومن اللازم القضاء على الفقر، فلا يصح أن يسكن البعض في المقابر والبعض الآخر في القصور. ورغم قدرة المصريين مثلاً على  تحمل الظروف الصعبة، فإن ذلك لا يعني أن تضغط على الناس بأكثر من اللازم. يجب أن تتحقق العدالة الاجتماعية. في مصر القديمة كانت أدبيات الخطاب السياسي تشترك في مصطلح واحد متكرر هو  «ماعت» أي العدالة، وشكاوى الفلاح الفصيح عامرة بالبحث عنها. حتى إن الحاكم كتبها على قبره كما كتبت حتشبسوت على مقبرتها «كان غذائي العدالة». والآن وصلت معدلات الفقر في الوطن العربي إلى مستويات غير محتملة أو مسبوقة، وهذا أساس الفتنة، بالإضافة إلى الأمية.

ما الذي يعوق مسألة تحقيق التنمية في الوطن العربي؟

يبدأ التخلص من وهم التنمية والتقدم بمعايير الغرب الرأسمالي من إدراك أن آليات المنظومة الرأسمالية العالمية كلها تعمل لصالح التنمية والتقدم والتفوق الغربي، وليس لصالح الشعوب الأخرى بأي حال من الأحوال. من ثم، علينا تنمية مواردنا المستقلة وإبداع الوسائل الكفيلة بصنع التقدم على الطريقة العربية الإسلامية. وليس مهماً أن نملك الثروات الطائلة، بل الأهم أن نملك ما يكفينا من الغذاء والكساء وسبل العيش الكريم من دون الاعتماد على المساعدات الغربية. الاقتصاد والتنمية الحقيقيان يقومان على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية التي حبانا الله بها، وليأخذ كل شخص قدر حاجته وقدر جهده وعمله، وليتم التبادل بين الجميع لفوائض إنتاجهم بعدالة في التسعير وعدالة في الاستغلال لحقوق المنتج الحقيقي وهو العامل، فضلاً عن مراعاة المساواة والعدالة التي يتحقق بموجبها الرضا للجميع سواء عاملين أو أصحاب رؤوس أموال.

كيف ترى المستقبل من منظور أستاذ الفلسفة؟

استعادة الماضي أصبحت في نظر كثيرين منا الحلم البعيد المنال، وأصبح هو الواقع الذي نتمنى أن نعيشه، وفي هذا يكمن الخطأ الكبير في حياتنا المعاصرة؛ فليس معنى أن ماضينا حافل بإنجازات حضارية حققها الأجداد سواء في العصور الأولى للتاريخ الإنساني عندما نجحوا في صنع أولى الحضارات الكبرى في التاريخ، أو في العصور الإسلامية الزاهية عندما استعادوا الريادة الحضارية بفضل إيمانهم العميق بالدين الإسلامي وفهمهم الدقيق لدعوته إلى العلم والعمل، وذلك بموجب إيمان قوي بالله لا يعرف حدوداً للاجتهاد ولا يضع قيوداً أمام أي إبداع. أقول ليس معنى أن أجدادنا قد حققوا تلك الريادة الحضارية أن نركن نحن إلى اجترار ما أنجزوه ونظل نتغنى به إلى ما لا نهاية، فيكون التغني بأمجاد الماضي بديلاً عن العيش في الحاضر والتفكير في المستقبل.

في سطور

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة في جامعة «القاهرة»، ولد عام 1953 في قرية «شوبر» في محافظة «الغربية» المصرية، تخرج في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1975، ثم حصل على درجة الماجستير في الفلسفة في موضوع بعنوان «فكرة الألوهية عند أفلاطون»، ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة اليونانية عن نظرية العلم الآرسطية بمرتبة الشرف الأولى من الجامعة ذاتها.

درس النشار مناهج الفلسفة في جامعة القاهرة حتى وصل إلى درجة الأستاذية في عام 1997، كذلك أعير في جامعة الإمارات العربية المتحدة، لمدة ست سنوات متصلة (1994-1986)، وترأس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة لمرات بين عامي 2002 و2014، وتولى عمادة كلية التربية– جامعة القاهرة في فرع بني سويف بين عامي 2002 و2005، ثم عمادة كلية العلوم الاجتماعية في جامعة «6 أكتوبر»، بين عامي 2005 و2007، ثم عمادة كلية رياض الأطفال لمدة أربع سنوات من 2007 حتى 2011.

قدم النشار للمكتبة العربية أكثر من خمسين مؤلفاً علمياً في مجالات الفلسفة المختلفة، خصوصاً في الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، من بينها: {المعجزة اليونانية بين الحقيقة والخيال، نحو تأريخ جديد للفلسفة القديمة، نحو تأريخ عربي للفلسفة، الفكر الفلسفي في مصر القديمة، نحو تأريخ عربي للفلسفة، فكرة الألوهية عند أفلاطون وأثرها في الفلسفة الإسلامية والغربية، نظرية المعرفة عند أرسطو، فلسفة التاريخ- معناها ومذاهبها، الفكر الفلسفي في مصر القديمة، رواد التجديد في الفلسفة المصرية المعاصرة في القرن العشرين}، فضلاً عن سلسلة أعلام التراث الفلسفي المصري.

back to top