فهد بورسلي... قصائده وثائق حية لواقع الحياة في الكويت (2-2)

نشر في 25-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-07-2014 | 00:01
«سلموا لي على اللي سم حالي فراقه» تحفة خالدة على مر الزمن

نظم الشاعر فهد بورسلي قصائد مسّت الشأن المحلي بتفاصيله، نظراً إلى تركيزها على المشكلات الاجتماعية والقضايا السياسية.
ولفت الانتباه إليه من خلال تميز قصائده وقوة معانيها، فاهتمت مجلة {البعثة} في خمسينيات القرن الماضي، واعتبرت أن تجربته تمثل جزءاً مهماً من الجو الثقافي العام آنذاك، رغم اهتمامها بالشعر الفصيح وعنايتها به.
أشاد الأديب عبدالعزيز حسين في العدد {الثامن} من مجلة البعثة بشاعرية فهد بورسلي مؤكداً أنه شاعر تربع على إمارة الشعر الشعبي في الكويت}.

 وعندما صدر ديوانه راح أكثر من فنان كويتي يلحن قصائده، من هؤلاء الفنان القدير محمود الكويتي، الذي اختار قصيدة {يوم الاثنين الضحى} وهي من فن السامري، في الأربعينيات، فرددها الأهالي والفرق الشعبية المختصة بهذا اللون من الغناء في الكويت وانتشرت بشكل واسع في ما بعد.

حب وخيال

لفهد بورسلي أسلوبه الخاص في نظم الشعر، فتارة يعاتب الزمن ونوائب القدر وأخرى نراه هاجياً ناقداً، وإذا جاء دور الغزل والترنم بذكرى الحبيب ووصف محاسنه نراه يتعمق في متاهات الحب والخيال، فيصف الحبيب أدق وصف مبرزاً فيه مكامن الفتنة والسحر والدلال.

كان الشاعر فهد بورسلي على درجة عالية من رهافة الحس، وكانت أبسط المواقف الإنسانية قادرة على قلب كيانه ونفسيته، رأساً على عقب، ليكتب الشعر كما يحسه من غير تصنع وتكلف، وكانت ثمرة ذلك قصائد لحنها الفنانون خلال حياته وبعد وفاته.

سامريات جميلة

ومن أشهر السامريات التي قدمت له {الله أكبر يا نصيبي وأنا وش بيدي}، {الله من هجر المحبين} لحنها وغناها الفنان القدير محمود الكويتي، وكثيراً ما ترددها الفرق الشعبية الرجالية والنسائية المتخصصة بغناء هذا اللون في الكويت، وقد سجلتها الفنانة عايشة المرطة في استوديو الموسيقى بإذاعة الكويت بمرافقة إحدى الفرق الشعبية النسائية، وكانت أفضل من أجاد في غناء السامري من الأصوات النسائية في السبعينيات، لجهة جمال الصوت والأداء وقوة الحنجرة.

{سلموا لي على اللي سم حالي فراقه}، رغم مرور سنوات طويلة ما زالت هذه السامرية الجميلة محتفظة بكثير من الشجن الحار الذي يمنحها حياة جديدة كلما غناها مطرب جديد، وتبتكر صوتاً جديداً كلما استمع عاشق جديد إلى كلماتها الساحرة، وقد غناها غريد الشاطئ ومن ثم قدمتها فرقة التلفزيون للفنون الشعبية، بشكل جميل، وغناها آخرون.

«جزى البارحة جفني عن النوم»، غناها المطربون: نوال، راشد الماجد، منصور المهندي.

 تحمل المآسي

 من القصائد التي تركز على حياة فهد بورسلي الخاصة وكيف كان يتحمل من المآسي ما لا يطاق، سامرية بعنوان {يالله نجبر خاطر المكسور}، التي تعبر عن إصابته بخيبة عاطفية قاسية في أعز ما يحب، بل كأنه أصيب بالتي كان يأمل أن تقف إلى جانبه في الشدائد، لكنها هجرته في وقت يصف نفسه كعصفور ضعيف في يد جاهل لا يعرف الرحمة.

لدى إحساسه بدنو أجله قال لمحبيه:

الا فاكروا مثل ذكرى لك

يردد فهد ذكركم كل يوم

عسى الله يجمع حي بميت

تجوني أو أجيكم لو بالحلوم

 وفاته

توفي شاعر الكويت الشعبي فهد بورسلي في 25 أبريل 1960 في المستشفى الصدري، وكان شاعراً مرهف الحس وملحناً كبيراً.

رحل فهد بورسلي وهو يشكو الزمن ويعاتب الأحبة والخلان ويقارع الحاجة بالتعفف والإباء، فتارة يستنهض همم مواطنيه، فيسمو بهم ويحلق في آفاق المعالي والمجد ليصنع، بقوة وإباء، أسس الوفاء والعرفان بالجميل لوطنه الكويت الحبيب الذي عاش فيه رجلاً شريفاً ومات شاعراً نظيفاً وفياً نقي الثوب، وترك لنا تراثاً أدبياً وفناً كويتياً أصيلاً، سيبقى للأجيال كفن أصيل يضاف إلى مآثر وطنه في هذا المجال.

حقاً، فهد بورسلي شاعر وفنان عاش ومات على أرض هذا البلد الذي ما زال يذكر ما تركه لنا من فن رفيع وأدب شعبي خالد.

قالوا عنه

اعتبر الكاتب أمين مرسي أن الراحل شاعر ساحر التغريب، في شعره إثارة للفضول واحتواء لكل الفصول، وهذا مطمح إنساني، وتتلاحق أنماط التغيير لديه، لكنه يمسك بالقيم الفاضلة العليا التي توسّع الوعي، فلا يلتصق بالمادية، ولا يسقط في هوة العبث وهو يبحث عن الرجولة والنخوة.

قال الكاتب ناصر سعود: عرفت مجالس الكويت ودواوينها ذلك الرجل الذي، كما يقال، يملأ المقعد فإذا تكلم يخال إليك كأنك تستمع إلى معلم يشرح الأمور، وببساطة، شرح الرجل العارف غير المتكلف أو المتردد، وهو واثق بما يقول وثاقب البصر.

أما عبدالله عقاب الخطيب فلفت إلى أن بورسلي ترك شعرا فذاً شهدت له الكويت من أقصاها إلى أقصاها بشعر صادق، ينبع من أحاسيس لا تعرف إلا الصراحة، لقد كان شعره أحد روافد المعارضة التي تنتقد الأوضاع، وأعجب بالشاعر {طاغور}.

بدوره، قال الشاعر سعود الفهد: {كانت للشاعر صداقات وصلات قوية مع شعراء الحضر والبادية، وكانت له معهم مساجلات شعرية فذة، فامتلك ناصية النظم، وحظي بتقدير وإكبار من تساجل معهم من الشعراء وغيرهم من مقدري شاعريته، ثم طغت شهرته لتناوله موضوعات حساسة ملتصقة بحياة المواطن، ومرتبطة بحياته اليومية، كقصائده في الماء والمدراء وأزمة التموين وغير ذلك من قصائد اجتماعية وسياسية.

واعتبر الكاتب حابس المشعل، فهد بورسلي، شاعر الكويت الذي أثبت أنه شاعر كبير لا يمكن أن يتجاهله التاريخ، فهو وحده يشكل قاعدة شعرية، ومن الصعب أن يتكرر لا لقلة في الشعراء، ولكن للقدرة التي يتمتع بها في كتابة الشعر الشعبي والوعي الجميل الذي يتعامل به في صياغة القصيدة.

back to top