فهد بورسلي... علامة بارزة في الشعر الشعبي الكويتي (1-2)

نشر في 24-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-07-2014 | 00:01
شعره تحوّل إلى تراث وطني لا يمكن تجاهله

فهد بورسلي شاعر وفنان عاش على أرض هذا البلد الذي أنجب كثيراً من أقرانه وأمثاله، شاعر مرهف الحس، جميل الأداء والتعبير والوصف في كل قصائده، ورغم حياته القصيرة، كان علامة بارزة في الشعر الشعبي الكويتي، إلى درجة أن التراث الشعري الذي تركه تحول إلى تراث وطني لا يمكن تجاهله. شاعر لا يتكلف الشعر فكراً ولفظاً، إنما يسترسل فيه بعفوية وطلاقة وبديهية، ويملك قدرة عالية على التصوير والإبداع الشعري.
 فهد راشد ناصر بورسلي من مواليد الكويت فريج العاقول سنة 1918، حسب ما ترجم في أغلب الروايات، تلقى علومه الأولية على يد علي المجرن، ودرس القرآن الكريم والخط والحساب، وفي الوقت نفسه تلقى دروساً من نوع آخر، إذ تعلق فكره ووجدانه بالشعر الشعبي.

 بدأ نظم الشعر في الخامسة عشرة من عمره وفق الأسلوب الذي كان متبعاً في تلك الفترة، وفي شبابه بدأ نظم الشعر باللهجة الكويتية.

 نشأته

فهد بورسلي إحدى مدارس الشعر الشعبي والأدب الكويتي بل والخليجي، نشأ في بيئة أدبية ووسط عائلة شعرية تقرض الشعر وتحفظ منه الكثير، إذ شغف والده بالشعر النبطي وحفظ بعضاً منه، وكان أديباً وجيهاً بين أبناء قومه، وأحد كبار رجالات البحر المعروفين وتاجر لؤلؤ يمتلك سفناً تجارية.

 سافر فهد بورسلي إلى الهند مع والده، وتردد إلى البحرين والسعودية في زيارات استجمام مع بعض الأصدقاء. أتقن الهندية واطلع على ثقافتها، وأُعجب بالشاعر الهندي الكبير {رابا تدرانات}، ثم ركب البحر مع والده لفترة، بعدها لم يغادر الكويت، إذ أقعده المرض عن مخالطة الناس.

أخواله هم العبادة: عبدالعزيز العلي العبيدي من أقرباء الشاعر لوالدته، والشاعرة موضي العبيدي (خنساء الكويت)، التي فقدت ابنيها في معارك وطنية، وينحدرون من فحول شعراء نجد – الزلفي. كذلك أخواله آل موسى السيف، وهم أدباء وشعراء من بينهم: ملا علي الموسى، أحد شعراء الكويت الشعبيين المعدودين في هذا المجال، ونشأته في شمال نجد حائل.

 اهتمام أدبي

اهتمّ فهد بورسلي بمطالعة كل ما يرد الكويت في ذلك الوقت من كتب ومجلات، وكان دائم الاستماع إلى محطات الإذاعة العربية وكل ما تورد من أحداث عربية وعالمية فانعكس ذلك على شعره... في هذه البيئة نشأ الشاعر فهد بورسلي وتعلق فكره ووجدانه بالشعر الشعبي.

 صفاته وأسلوبه

فهد بورسلي مفرط الذكاء، سريع البديهة، دقيق الملاحظة، مرهف الإحساس، متسامح، يميل إلى النكتة والمزاح، اجتماعي يختلط بعلية القوم وعامتهم بلا تمييز... وسيم الطلعة، متوسط القامة يميل إلى الطول.

كذلك هو سلس الأسلوب، عميق النظرة، ولشعره ملامح خاصة يتميز بها، سواء من ناحية الشكل أو المضمون. نظم الزهيري، الهجاء، المديح، العتاب، الشكوى، الغزل، الغنائيات، الأخوانيات والقصائد الوطنية، بالإضافة إلى قصائد اقتصادية واجتماعية وسياسية.

 قصائد غنائية

{خاطري طاب من ذاك الفريج} أحد أعماله الغنائية الخالدة، وتردد هذه السامرية الفرق الشعبية المتخصصة بغناء هذا اللون في الكويت، خصوصاً الفرق النسائية. كذلك من سامرياته الجميلة {البارحة ساهر والدمع يجري}، ومن كلماته الغنائية في فن السامري {جزى البارحة} ألحان وغناء عبدالله فضالة.

قصائد انتقادية

فهد بورسلي أول الشعراء الشعبيين الذين اهتموا بالمشاكل الاجتماعية، وكانت قصائده انتقادية في معظمها، وبمثابة صحيفة ناطقة عن الضمير الشعبي وعاكسة للأوضاع الاجتماعية. نظم معظم قصائده عفو الخاطر لذا كانت تنتشر بسرعة، بعد ساعات من نظمها، وتتردد في مجالس أصدقائه ويتناقلها الناس.

اكتسب بورسلي شعبية لم تحصل لغيره من شعراء الكويت، من خلال تقديمه قصائد تتفاعل مع قضايا الوطن والإنسان والمواطن العادي، بلغة بسيطة ولهجة واضحة وسلسة نفذ من خلالها إلى القلوب، ووجد الناس في قصائده الشعبية الرائعة متنفساً لما يعيشونه من معاناة يومية. ويتردّد أن ثمة أشرطة كاسيت متداولة بين الناس لقصائده بصوته.

لم ينشر الشاعر فهد بورسلي من شعره إلا أقله، وقد طُبع أول ديوان شعري له عام 1955، ورغم صدور طبعات عدة فإنه لا يمثل تجربة الشاعر كاملة، وفي عام 1978 جمعت ابنته الوحيدة وسمية قصائده ورتّبتها بصورة رائعة تستحق الثناء، وراجع الأستاذ الكبير أحمد البشر الرومي الكتاب وقدم له وراجعه وشرح ألفاظه العامية.

 من أبرز قصائده واحدة يوضح فيها أن الصبر والشكوى لن يفيدا مع من يود:

ما يفيد الصبر وبجاي

لي انكروا ما يهم حيله

ما سمع بالهوى شكواي

ما يفيد التشكي له

كذلك احتوى الديوان زهيريات، وصف في إحداها هموم الدهر التي تشمل كل من عاش بهذا الدهر ولن يسلم منها أحد:

أهيم بهموم دهري ساعة وانتبه

هيهات تسلم من هموم الدهر وأنت به

ووصف في أخرى الأصدقاء بأنهم كثر وقت الرخاء ويتآكل العدد عندما تشتد المحن.

 لفهد بورسلي قصائد ومنظومات غزلية تفيض رقة وشجناً، وتعكس رهافة إحساسه وروحه الشعرية الشفافة وصياغته الشعرية المشرقة، وذلك نابع من عاطفته الفياضة وموهبته الشعرية الفنية.

بأسلوب جميل ورشيق يصف فهد بورسلي طباع حبيبته التي تغيرت فجأة، علماً أنه كان متعباً بحبها، لكنها، كما يقول ويراها، طماعة بحبه لها وهيامه بها، حتى أوكلته إلى أعدائه، يقول في مقدمة قصيدته:

يا من يراضي صاحب زعلان

اللي علينا غير أطباعه

لي جادل من حبها تعبان

صارت مع العدوان تباعه

تخسر وأنا ماني لها خسران

أظنها بالحب طماعه

ومن قصائد ديوانه المندرجة ضمن فن السامري النقازي {يا ناس دلوني}، وقد غنتها الفنانة الشعبية عايشة المرطة، يقول فيها:

يا ناس دلوني

درب السنع وينه

ما شوف لي مرقه

من بير الأهوالي

back to top