المرأة... تثرثر أكثر من الرجل؟

نشر في 24-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-07-2014 | 00:01
No Image Caption
المفهوم الشائع عن المرأة الثرثارة مترسخ بعمق في ثقافتنا، وتشتق «الوقائع» من كتب العلوم الشعبية وكتيّبات الإرشاد الزوجي التي يتم اقتباسها بشكل متكرر في الصحافة (هل سمعتم يوماً عن المرأة التي تتكلم 20 ألف كلمة في اليوم مقابل 7 آلاف للرجل؟). لكن هل من أدلة علمية لدعم هذا الافتراض؟ إليسار كريدة بحثت عن إجابة في «إنديبندنت».
أثارت الكاتبة الأميركية سيلفيا آن هيوليت أخيراً جدلاً واسعاً بعد ظهورها في برنامج Fox and Friends الصباحي على قناة “فوكس نيوز”، فأوصت النساء بعدم التكلم بشكل مفرط في مكان العمل. يعود هذا المفهوم في الأصل إلى الفكرة الشائعة التي تعتبر أن المرأة تميل إلى التكلم أكثر من الرجل، أو “ملء الهواء بالكلمات” مثل أي “مضيفة بارعة” كما تقول هيوليت.

في عام 2007، أجرى باحثون في جامعة كاليفورنيا تحليلاً شاملاً، ولاحظوا أن مختلف الدراسات تشير إلى أن الرجال يتكلمون أكثر من النساء لكنّ الفارق يبقى صغيراً نسبياً. وجدت دراسة أخرى أجراها في السنة نفسها فريق شمل عالم النفس الاجتماعي المعروف جيمس بينبيكر ألا وجود لفارق كبير بين كلام الرجل والمرأة. على صعيد آخر، يشير بعض الأبحاث القديمة إلى أن المرأة تتكلم أكثر من الرجل. باختصار، تبدو النتائج متناقضة حتى الآن.

نُشرت أخيراً دراسة قد تشرح ما يجعل الأكاديميين يناقشون هذه المسألة منذ فترة طويلة: تتعلق الفئة التي تتكلم أكثر من غيرها بالسياق الذي ننظر فيه إليها.

طور ديفيد ليزر، أستاذ في جامعة نورث إيسترن في بوسطن، “مقياساً اجتماعياً”، وهو جهاز قابل للارتداء وبحجم هاتف ذكي وقد سمح له بجمع بيانات حقيقية عن التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد. استعمل معظم الأبحاث السابقة قياسات ذاتية للتواصل أو لتقييم الملاحظات المباشرة التي يدوّنها الباحثون. تترافق الطريقتان مع تداعيات مهمة مقارنةً بالمقياس الاجتماعي الذي يمكّن من تحليل عدد كبير من التفاعلات، ما يعني إنشاء صورة دقيقة ومعقدة عن طريقة تواصل الناس.

أجهزة قياس

بعد تزويد 79 طالباً و54 موظفاً في مركز الاتصالات بأجهزة قياس متطورة، حلل الباحثون البيانات التي جمعوها في موقعين مختلفين: بيئة جامعية حيث يعمل الطلاب على مهمة جماعية مدتها 12 ساعة، ومقر عمل حيث تمّ تعقب الموظفين خلال استراحة الغداء.

في الفئة الأولى، توقفت نسبة الكلام عند الرجال مقارنةً بالنساء على حجم المجموعة. في المجموعات المؤلفة من ستة أشخاص أو أكثر، تكلم الرجال أكثر من النساء بينما أمضت النساء وقتاً أطول وهن يتكلمن مع شخص أو شخصين آخرين. بشكل عام، تبين أن المرأة تتكلم أكثر من الرجل بنسبة 62% أثناء العمل على مهمة جماعية، بما أن معظم التفاعلات في هذا السياق يحصل بين عدد قليل من الأشخاص في كل مرة. لكن تلاشت الاختلافات بين الجنسين حين دقق ليزر وفريقه في بيانات مستخلصة من الموظفين خلال استراحة الغداء في مركز الاتصال: ما من اختلافات بارزة بين الرجال والنساء.

يقول ليزر: «في البيئة التي تحمل طابعاً جماعياً، لاحظنا أن المرأة تختار العمل المشترك، وتميل عموماً إلى التحدث أكثر من العادة خلال المهام المشتركة. تكمن المسألة الأساسية هنا في واقع أن التفاعل بين البيئة وبين النوع الاجتماعي هو الذي يولّد هذا الاختلاف«.

خرافة شائعة

يتماشى ميل الرجل إلى التكلم أكثر من المرأة في المجموعات الأكبر حجماً مع النتائج السابقة التي تعتبر أن الرجال يطرحون الجزء الأكبر من الأسئلة خلال الاجتماعات العامة. لكن إذا لم تتكلم المرأة أكثر من الرجل، بحسب المواقف وحجم المجموعات، فلماذا أصبحت هذه الخرافة شائعة لهذه الدرجة؟ يكمن تفسير محتمل في واقع أن مهارات الفتاة اللغوية تتطور في مرحلة أبكر، ما يمكّنها من أن تصبح فصيحة في سن مبكرة. ربما تسهم هذه السنوات الإضافية التي تُظهر خلالها الفتاة براعة لفظية أفضل في تعزيز الفكرة القائلة إن الكلام موهبة نسائية. لكن تفشل الدراسات التي تشمل الأولاد في إيجاد اختلافات قوية بين الجنسين على مستوى عدد الكلمات المحكيّة. لا تعني المهارة اللغوية المتفوقة موقتاً عند الفتاة أنها تتكلم بشكل مفرط دوماً.

لكن ما أهمية الفئة التي تتكلم أكثر من غيرها؟ تكثر الانتقادات للكتب والمقالات التي تميل إلى المبالغة في تعميم هذه النتائج، فتعتبر مثلاً أن علم الأعصاب يدعم الفكرة القائلة إن الرجال والنساء «مختلفون بشكل حتمي ومؤكد»، وهذا ما ورد في سجل اللغة الإلكتروني، “علم الأعصاب في خدمة تصنيف الناس على أساس الجنس». لكن إذا كانت المرأة تسمع دوماً أنها تميل طبيعياً إلى “الكلام المفرط”، كما يحصل عموماً للأسف، فمن المثير للاهتمام أن يتوقف الباحثون عن دعم هذه الفكرة.

back to top