أنجيلا ميركل... هل تتنحّى؟ (1-2)

نشر في 22-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 22-07-2014 | 00:02
بلغت أنجيلا ميركل 60 عاماً واحتفلت بمسيرتها السياسية التي بلغت ذروتها، وهي تتمتع بشعبية واسعة ولا منافس لها في السلطة. مع ذلك، يظن كثيرون في حكومتها وحزبها أنها ربما تتنحى من منصب المستشارة قبل انتهاء ولايتها الراهنة. نيكولاس بلوم كتب تحقيقاً حول هذا الاحتمال في «شبيغل»، نعرضه على حلقتين.
  منذ فترة قصيرة، أخبر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شخص مقرب منها بأن كثيرين في برلين بدأوا يناقشون احتمال تنحيها طوعاً وأن الإشاعات ليست محصورة في أوساط الصحافيين. فسألته المستشارة: «بماذا تجيبهم؟». فقال لها: «أخبرهم بأن الأمر غير صحيح». فأجابته: «أحسنت».

هذا الجواب ليس حاسماً. ربما تعني بقولها: «هذا صحيح، لا استقالة في الأفق». لكنها قد تعني أيضاً: «حسناً تفعل حين تكبح هذه الأسئلة الغبية».

قد يكون التنحي طوعاً أصعب قرار يمكن أن يتخذه أي سياسي بارز. كل من يتنحى قد يواجه سريعاً اتهامات بالضعف أو قد يصبح في موقف محرج حين يُسأَل عن صحته. حتى إن البعض قد يعتبرونه فاشلاً. كذلك، تبرز دوماً أسباب موضوعية للبقاء في السلطة. وحتى في ظل غياب تلك الأسباب، كان معظم أسلاف ميركل يظنون أنّ أحداً لا يستطيع أن يحل مكانهم.

هذه الفكرة بعيدة عن ميركل. لكنها تعلم أن الضجة المحيطة بهذا الموضوع ستكون قوية مهما حاولت تنظيم طريقة رحيلها بنفسها. هي تشعر أيضاً بأن الواجب يناديها.

تأثير زوجها

يُجمِع معظم المقربين من ميركل على أنها ستتخذ قرارها على طريقتها. فهي ستتكلم بالموضوع مع سياسي أو اثنين من المقربين منها ومع زوجها يواخيم زاور، أستاذ في الفيزياء والكيمياء النظرية في جامعة هومبولت في برلين. يستخف الجميع بتأثير زاور على ميركل لأنه مُقِلّ في إطلالاته العلنية ولا يجري أي مقابلات وغالباً ما يسافر إلى الخارج. يعتبر بعض أصدقاء ميركل في برلين أن العوامل الحاسمة لاتخاذ قرارها ستتعلق برأي زوجها وخططهما المشتركة. يقولون إنه أهم مرجع في حياتها.

على سبيل المثال، لم يكتفِ الحاكم السابق لولاية هيسن، رولاند كوخ، بالتحدث مع زوجته حين قرر التنحي، بل حلّل أيضاً وضعه وفرصه بشكل موضوعي، وهي قدرة لا يتمتع بها معظم السياسيين في المناصب العليا. فأدرك أن مسيرته السياسية لن توصله إلى منصب أعلى من حاكم هيسن. طوال سنوات، تم تداول اسمه كمرشح محتمل لمنصب المستشار في حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي». صحيح أنه كان يطمح إلى ذلك المنصب، لكن تبين على مر السنين أنه لم يعد يتمتع بالمستوى نفسه من الدعم أو النفوذ لبلوغه. كذلك اتضح بشكل متزايد أن وقته في منصب الحاكم أصبح محدوداً وأنه يواجه احتمال الرحيل من منصبه عبر التصويت ضده بعد استحقاق انتخابي أو اثنين. بما أن فرصته في الوصول إلى منصب أعلى بدت ضئيلة وكان قد تولى منصب الحاكم لأكثر من عشر سنوات، تخلى عن السياسة في مقابل وظيفة مرموقة في شركة الهندسة الألمانية «بلفنجر» حيث يعمل راهناً كمدير تنفيذي.

كان كوخ يحظى بدعم ميركل في تلك الفترة. ردّت بشيء من الغموض أو حتى السخرية على الاستقالات الأخرى، لكن كان موقفها مغايراً عند تنحي كوخ، فقالت حينها: {طرح الأسئلة الصحيحة بكل بساطة. ثم تصرّف بناءً على ذلك}.

متى ستحذو حذوه إذاً؟ إنه السؤال المحوري الذي يطغى على برلين في الوقت الراهن. حتى خلال هذه المرحلة التي تشهد فيها العاصمة هدوءاً سياسياً غير مسبوق، يسود جو سياسي مشوق وهو يشمل جميع العناصر الضرورية: الدوافع والوسيلة والفرصة المثالية.

بحث عن دافع

قد يتعلق أحد الدوافع بالتعب. أعلنت ميركل في مناسبات عدة أن الحد الأقصى لولايتها في منصب المستشارة لا يتجاوز العشر سنوات، مضيفةً أنها لن تتمكن من تحمّل الإرهاق الناجم عن العمل طوال 16 ساعة يومياً، على مدى ستة أيام ونصف اليوم في الأسبوع، لفترة أطول. لكن يبدو معظم ما تختبره ميركل في هذه الأيام مألوفاً. فهي سبق وشاركت في أكثر من 36 قمة للاتحاد الأوروبي وثماني قمم لمجموعة السبعة ومجموعة الثماني، كذلك ألقت 48 خطاباً حكومياً. وفازت بثلاثة انتخابات عامة وستحمل رحلتها المقبلة إلى الولايات المتحدة الرقم 16.

يقول عضو بارز في حزب {الاتحاد الديمقراطي المسيحي} إن ميركل قامت بجميع الإصلاحات اللازمة في حزبها: صورة العائلة، إلغاء التجنيد العسكري، تعديل الحد الأدنى للأجور، وتطبيق الإصلاحات في قطاع التعليم. بغض النظر عن رأينا في تحول سياسة حزب {الاتحاد الديمقراطي المسيحي}، سيصعب على الحزب أن يقترب من المركز السياسي الذي وصلت إليه ميركل. لا شك في أن الحزب أبرز إنجاز حققته ميركل، فقد حولته إلى انعكاس مثالي لروح العصر الذي كان يفتقر إلى الزخم الكافي. جاءت تلك التغيرات لتُسكِت الأطراف المحافظة والداعمة لقطاع الأعمال في الحزب، لكنها حصدت أيضاً 41.5% من الأصوات في الانتخابات العامة في شهر سبتمبر الماضي. في ظل غياب أي إنجازات كبرى يمكن تحقيقها بعد هذه المرحلة، من المتوقع أن تتراجع تلك النسبة في المرة المقبلة التي يتوجه فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع.

يتقاسم عدد كبير من الوزراء هذا المنطق. خلال اجتماع في شهر ديسمبر، حين باشرت الحكومة الجديدة بأعمالها، بدأ الجميع يبحث عن مؤشرات بحسب قول أحد الوزراء. لكن عن أي مؤشرات يتحدثون؟ أجاب الوزير: {مؤشرات على أنها آخر ولاية لها في السلطة. أو هذا ما يظنه كثيرون على الأقل}.

يقول الوزير إن العرض الذي قدمته حينها وزيرة البيئة باربرا هندريكس كان خير مثال على ذلك. كانت تستعرض خطط وزارتها، وتمتد إحدى تلك الخطط حتى سنة 2020. قالت ميركل مع حركة غامضة بيدها: {حتى ذلك الوقت؟}. يقول الوزير إنه لم يكن الوحيد الذي ظن أن رد فعلها قد يكون تلميحاً لما تفكر به وتساءل إلى متى ستبقى المستشارة في منصبها مستقبلاً.

تساءل مسؤولون كثيرون في الحزب عن السبب الذي جعل {الحزب الديمقراطي الاجتماعي} يحصد معظم الوزارات الاقتصادية أو الاجتماعية المهمة سياسياً في الحكومة الراهنة. يسيطر الحزب اليساري الوسطي على وزارات الاقتصاد والعائلة والعمل، لذا تركوا المحافظين يتساءلون: {لماذا تفعل ذلك؟ وما الذي بقي لنا؟}.

واجهت ميركل هذا الشعور الطاغي بالعجز في حزبها باللامبالاة وبردود مقتضبة كتلك التي أعطتها أخيراً في مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع لحزب {الاتحاد الديمقراطي المسيحي} في برلين. فقالت: {الحكومة المستقرة قيمة بحد ذاتها}. بقي التصفيق خافتاً من مئات رجال الأعمال الذين اجتمعوا في تلك القاعة المكتظة. فتساءل أحد أعضاء المجلس الذي يمثل شركة ألمانية كبرى لاحقاً: {هل ما زالت مهتمة أصلاً بالسياسة المحلية؟}.

مسترخية جداً

خسرت المستشارة بضعة كيلوغرامات من وزنها منذ بداية هذه السنة، وهي تبدو أكثر رشاقة مما كانت عليه حين وصلت إلى منصبها في عام 2009. يراها كثيرون {مسترخية إلى أقصى الحدود} في رئاسة الحكومة خلال ولايتها الثالثة كونها لم تعد بحاجة إلى إثبات أي أمر. على الساحة المحلية الألمانية، يعني ذلك أنها تدلي بتصريحات حكومية وخطابات أمام البرلمان بطريقة باهتة، فتبدو لامبالية أحياناً. يبدو وكأنها لا تقوم بواجباتها من قلبها.

لكن في ما يخص التعامل مع الأزمات الدولية، تبذل ميركل قصارى جهدها وتجري مناقشات هاتفية طويلة في شأن مناصب القيادة في أوكرانيا أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي. تسافر إلى الخارج، وقد توجهت في الفترة الأخيرة إلى الصين حيث بدت فضولية بما يكفي كي تطرح مجموعة لامتناهية من الأسئلة على حاكم المقاطعة، وموظفة في مصنع {فولكس فاغن}، وطالب هندسة، ورئيس طهاة كان يعلّمها كيفية تحضير أطباق الكونغ باو. سرعان ما لمعت عيناها حين قارنت النظام الصيني بالديمقراطية الغربية، كما فعلت حين أجرت محادثات مشتركة مع قادة بكين، وكانت النقاشات تتراوح بين الإيجابيات والسلبيات، والضوابط والمخاطر، والنزعات الفردية والجماعية. وحتى في وقت متأخر من الليل، كان يمكن الإصغاء إلى ما يدور داخل قاعة مؤتمرات من دون نوافذ والشعور بأن ميركل لا تزال في أوج نشاطها.

مع ذلك، يبدو أنها لا تسعى إلى تحقيق هدف معين. ما من إنجاز سياسي تريد تحقيقه بأي ثمن أو هدف يمكن أن تتذكره لاحقاً وتشعر بالرضى التام. تبدو السياسة بالنسبة إلى ميركل أشبه بإجراء عمليّ لكن من دون مشاريع منظورة. تحقيق رؤية سياسية واضحة ليس من شيم ميركل، ولهذا السبب تبدو فكرة استقالتها في أي وقت واردة.

مقارنة بين ميركل وكول

كان هلموت كول مختلفاً. في عام 1994، أعلن أن الحملة الانتخابية في تلك السنة ستكون الأخيرة له، وقد فاز بتلك الانتخابات بفارق ضئيل. ثم في عيده السابع والستين، في بداية عام 1997، فاجأ الأصدقاء والخصوم على حد سواء حين أعلن عن نيته الترشح مجدداً. شعر كول بأنه الشخص الوحيد الذي يستطيع إتمام أهم مشروع بالنسبة إليه: العملة الأوروبية الموحدة. في عام 1997، كانت فكرة اليورو محور جدل جدي وكان البنك المركزي الألماني واحداً من الأطراف التي طالبت بتأجيل الخطط. في تلك الفترة، بدا وكأن فرنسا وإيطاليا (هما من الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي) قد تفشلان في تلبية المعايير اللازمة للانضمام إلى منطقة اليورو. كان يجب اتخاذ قرارات جدية في ربيع عام 1998، ولم يكن كول يثق بأي شخص آخر لاتخاذها. وفق وثيقة تعود إلى كاتب سيرة كول، هانز بيتر شوارتز، قيل إن كول سأل خلال قمة عُقدت في عام 1996 تحضيراً لإطلاق اليورو: {لماذا تظنون أنني ما زلت في منصبي حتى الآن؟ أنا ما زلت هنا بسبب أوروبا. من دوني، ما كان أحد ليدعم هذا المشروع في ألمانيا}.

في النهاية، حقق كول مشروع اليورو. لكنه خسر في الانتخابات.

قد يتعلق المشروع الذي يوازي اليورو بالنسبة إلى ميركل بعقد معاهدة جديدة للاتحاد الأوروبي، أو ربما صياغة دستور له. لكنها لم تحاول قط تحقيق ذلك لأنها لا تظن أنها ستتمكن من كسب دعم جميع الدول الأعضاء الثماني والعشرين. بل يبدو أن أحد أهم ثوابتها هو عدم إطلاق الوعود التي لا تستطيع تحقيقها. طوال تسع سنوات تقريباً، كان ذلك المبدأ كفيلاً بمنع هذه المستشارة الألمانية من مواجهة أي هزائم كبرى. وقد منعها في الوقت نفسه من تحقيق أي إنجازات عظيمة.

كتب مؤسس صحيفة {شبيغل}، رودولف أوغشتاين، في عام 1996 أن {هلموت كول أصبح الآن... رجل الدولة الأكثر احتراماً في العالم الذي نعرفه}، وكان عهد كول قد تجاوز حينها ولاية كونراد أديناور. استعمل المؤرخ تيموثي غارتون آش من جامعة أكسفورد اللغة نفسها لوصف المستشارة الراهنة. فكتب خلال أزمة اليورو أن {تاريخ العالم} يتوقف على ميركل.

لكن اختلف الوضع في الفترة الأخيرة، فقد أخطأت ميركل في حساباتها خلال عملية تعيين رئيس المفوضية الأوروبية المقبل. حذرها أكثر من وزير ألماني واحد من الاستخفاف بالأثر السياسي لتبني نظام المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الأوروبية. لكن لم تتمكن ميركل طبعاً من القيام بالكثير بعد الانتخابات لمنع البرلمان الأوروبي من أخذ المبادرة وتعيين جانكر رئيساً للهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي.

back to top