محاربة «غوغل» أجندة أوروبية رقمية في مواجهة الولايات المتحدة

نشر في 19-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 19-07-2014 | 00:02
جان كلود جانكر رئيس المفوضية الأوروبية، ويخطط لتنفيذ استراتيجية رقمية جديدة في القارة. بحسب رأيه، تحتاج أوروبا إلى تحسين معداتها للدفاع عن نفسها أمام الولايات المتحدة وآسيا. «شبيغل» ألقت الضوء على هذه القضية.
بالنسبة إلى منظّمي المنافسة في بروكسل، لا تتوقف {غوغل} عن التسبب بالمشاكل. بالكاد يمر أسبوع من دون أن تقدم شركة متضررة معلومات تدين شركة الإنترنت العملاقة إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي.

يأتي سيل الشكاوى من أسواق متزايدة حيث كانت الشركة غير ناشطة سابقاً. في 11 يونيو، كتب المفوض المسؤول عن شؤون المنافسة، خواكين ألمونيا، رسالة إلى زملائه في المفوضية الأوروبية (الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي)، فحدد فيها عدداً من تلك الأسواق التي تشمل {شبكات اجتماعية، وقائمة من الفيديوهات، وخدمة البث المباشر، وأنظمة تشغيل الهواتف الخلوية، وتطبيقات}. من بين أحدث الشكاوى، تذكر الرسالة منصة إعلانية، وتحالفاً من وكالات التصوير الأوروبية أو {مركز صناعة الصور الدولي}، ومشروع الإنترنت المفتوح الذي يجمع الناشرين الأوروبيين، وشركة {دويتشه تيليكوم}. يسهل أن نتوقع أن يصبح رضوخ {غوغل} لقانون المنافسة في الاتحاد الأوروبي تحت المجهر خلال فترة طويلة من المرحلة المقبلة.  

يدعي مفوض شؤون المنافسة أن المزاعم تصبّ دوماً في الخانة نفسها، بمعنى أن {غوغل} تستغل تفوقها لإجبار المنافسين على الخروج من عدد متزايد من الأسواق. من المتوقع أن يضطر ألمونيا أيضاً إلى تشديد الشروط المفروضة على {غوغل} كجزء من الإجراءات الراهنة ضد الشركة على خلفية استغلال السوق. أراد ألمونيا إنهاء تلك الإجراءات عبر إقناع الشركة بتقديم تنازلات غير ضارة نسبياً. لكنه يكتب لزملائه الآن: {فور تلقي التعليقات من المشتكين خلال الصيف، سنحتاج إلى تقييم ما إذا كانت حججهم وأدلتهم تبرر إعادة النظر في بعض جوانب الحل}.

يبدو أن المفوض الإسباني ليس الوحيد الذي بدأ يلحظ التقدم الجارف الذي تحققه شركات الإنترنت الأميركية. في مقالة نُشرت حديثاً في صحيفة {فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج} المرموقة، كتب وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل الذي يرأس الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري الوسطي، أن الناس يحتاجون إلى مجابهة {الرأسمالية المعلوماتية الوحشية}. اعتبر أن {الاتحاد الأوروبي وحده يتمتع بالنفوذ اللازم لتغيير المسار السياسي وإعادة صياغة القوانين}.

يوافقه الرأي جان كلود جانكر الذي عُيّن رئيساً مقبلاً للمفوضية الأوروبية خلال قمة مضطربة في بروكسل. يريد أن يجعل الاقتصاد الرقمي محور ولايته. يستطيع الاتكال على دعم ديفيد كاميرون في هذه المسألة على الأقل، رغم معارضة رئيس الوزراء البريطاني لجانكر.

يتعلق جزء من أجندة جانكر بضمان أن تتحدى أوروبا التجاوزات التي تقوم بها شركات الإنترنت الأميركية العملاقة في الأسواق عبر تعزيز ثقتها بنفسها. لكنّ الأهم أن يبدأ الاتحاد الأوروبي بالحد من مخالفاته الخاصة.

يريد جانكر حصد إجماع واسع بين السياسيين الأوروبيين لفرض ما يكفي من الضغوط في السوق الرقمية داخل الاتحاد الأوروبي، كي تتمكن الشركات الأوروبية من مواجهة المنافسة القادمة من الولايات المتحدة وآسيا على المدى الطويل. يقول رئيس وزراء اللوكسمبورغ السابق: {يمكن أن نحقق نمواً إضافياً بقيمة 500 مليار يورو (684 مليار دولار) وأن نوفر مئات آلاف فرص العمل في أوروبا}.

صناعة أوروبية في تراجع

يسعى فريق جانكر راهناً إلى صياغة سياسة صناعية جديدة في بروكسل. حدد جانكر خلال حملته الانتخابية مسار التوجه الاستراتيجي وقال: {يجب أن نتحلى بالشجاعة لكسر حاجز الأنظمة الوطنية المعزولة في مجال تنظيم الاتصالات، وحقوق النشر، وتشريع حماية البيانات، وإدارة موجات البث الإذاعي، وقانون المنافسة}.

يؤكد الدبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي على أن جانكر يبحث راهناً عن مفوض حازم كي يتولى المسائل الرقمية وهو يريد أن يسلّمه مسؤوليات واسعة النطاق.

لكن لم يتضح بعد مدى استعداد المجلس الأوروبي المؤلف من 28 زعيماً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتماشي مع مقاربة جانكر. ولم تكن التجارب السابقة إيجابية في هذا المجال. في السنوات الأخيرة، أدت أفعال المفوضية الأوروبية والسياسيين الوطنيين في أنحاء أوروبا إلى تراجع قيمة شبكة الإنترنت الأوروبية وقطاع البرمجيات والاتصالات. منذ 10 أو 15 سنة، كانت الشركات الأوروبية مثل {سيمنز} و«ألكاتل} و«نوكيا} و«دويتشه تيليكوم} لا تزال رائدة في عالم التكنولوجيا للقرن الواحد والعشرين. أما اليوم، فقد أصبح معظم تلك الشركات في مراتب متأخرة جداً أو ما عاد يملك خطوط إنتاجه الخاصة.

ادعت وثيقة داخلية أصدرتها شركة {دويتشه تيليكوم} أخيراً أن الوضع في قطاع المعلومات والاتصالات الأوروبية كارثي. باتت الشركات الأميركية أو الآسيوية تهيمن الآن على معظم المجالات الأساسية في هذه السوق المحورية.

تطغى شركات غوغل وفيسبوك وأمازون على عالم الإنترنت، ولا توفر أوروبا أي خيارات بديلة. في قطاع البرمجيات، تحدد الشركات الأميركية العملاقة مثل {مايكروسوفت} و«أوراكل} و«المؤسسة الدولية للحاسبات الآلية} (IBM) وجهة السوق. وتسيطر شركات مثل شركة الإلكترونيات العملاقة الكورية الجنوبية {سامسونغ} وشركة تصنيع الحواسيب الأميركية {آبل} على قطاع الهواتف الخلوية. حتى في قطاع الاتصالات القوي تقليدياً، لم تعد الشركات الأوروبية تستطيع مواكبة التطور الحاصل. وفق التصنيف العالمي، تحقق شركة {تليفونيكا} الإسبانية أفضل نتيجة بين الشركات الأوروبية، وهي تحتل المرتبة الرابعة بعد شركة NTT اليابانية وATandT الأميركية.

سياسات مضلِّلة

يظن المدير التنفيذي لشركة {دويتشه تيليكوم}، تيموثاوس هوتجس، وعدد من نظرائه الأوروبيين أن سبب التراجع السريع والدراماتيكي يتعلق بالسياسات المضللة والقوانين المفرطة للاتحاد الأوروبي. بدل {تقوية نقاط القوة} كما يفعل الأميركيون وتوفير شركات مهمة استناداً إلى ظروف تشغيل منطقية، يحصل العكس في أوروبا بحسب قولهم.

طوال سنوات، عمدت المفوضية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إغراق شركات الاتصالات والهواتف الخلوية بضوابط وقوانين جديدة. يفرض بعض القواعد تراجعاً كبيراً في رسوم التجوال وأسعار المكالمات الهاتفية وولوج الإنترنت. في الوقت نفسه، تجبر الشركات على شراء تراخيص الطيف المحمول مقابل مليارات اليورو خلال مزادات عالية المستوى، وتدعوها إلى توفير شبكاتها للشركات الصغيرة من دون حصد أي أرباح.

كانت تلك القوانين تهدف إلى تحفيز المنافسة وتخفيض الأسعار لصالح المستهلكين. تكمن المشكلة الأساسية في واقع أن الاستثمارات الضرورية في البنى التحتية لم تتحقق قط.

عادت هذه المسألة الآن لتطارد أوروبا. لم تنشأ بعد الشبكات الفائقة السرعة التي يجب تركيبها لتسهيل عودة السوق الرقمية الأوروبية إلى الواجهة. تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة استثمار 270 مليار يورو في شبكات الهواتف الخلوية الأكثر سرعة وفي كابلات الألياف البصرية لإنشاء شبكة شاملة وفائقة السرعة.

كذلك، تغيب القواعد والقوانين الموحدة. للاتصال بشبكة تمتد من سلوفينيا إلى البرتغال، تضطر شركات مثل {تيليكوم} إلى خوض مفاوضات تدوم طوال أشهر {مع خمسة أو ستة منظمين مختلفين لاستيعاب التنظيمات التقنية وقواعد حماية البيانات}. يقول المسؤول التنفيذي إنها عملية معقدة ولا بد من تبسيطها.

سوق مجزأة بشدة

لطالما أثار المسؤولون في هذا القطاع هذه المسائل مع المنظمين في بروكسل، لكنهم فشلوا في تغيير الوضع لفترة طويلة. بما أن السوق الأوروبية (تشمل نحو 200 شركة) تبدو الآن مجزأة بشكل مفرط، لم يقتنع المسؤولون في المفوضية الأوروبية بضرورة التغيير بعدما تمسكوا طويلاً بسياساتهم التنافسية التي تفرض ضوابط مشددة. رُفضت عمليات الدمج والتحالفات بين شركات الاتصال الأوروبية في الماضي أو حصلت مع فرض شروط صارمة.

نتيجةً لذلك، خسرت الشركات التي كانت في السابق متفوقة في البورصة الأوروبية قدرتها التنافسية وهي مضطرة الآن إلى التصرف بحذر شديد لضمان ألا تشتريها الشركات المنافِسة الخارجية. في السنة الماضية مثلاً، كاد الملياردير المكسيكي كارلوس سليم ينجح في شراء شركة الاتصالات الهولندية الوطنية KPN.

في السنة الماضية، أطلقت شركتا E-Plus وO2 حرب أسعار شرسة ضد شركتَي {دويتشه تيليكوم} و}فودافون} في سوق الهواتف الخلوية التي تشهد منافسة شديدة في ألمانيا. لكنهما ستجدان صعوبة كبرى في مواجهة الهوامش والتكاليف المرتفعة لشبكات الهواتف الخلوية LTE.

تخطط شركتا E-Plus وO2 (فرع من {تليفونيكا}) الآن للاندماج. وافقت سلطة المنافسة في الاتحاد الأوروبي على صفقة بقيمة 8.6 مليارات يورو، ما يعني نشوء أكبر شركة لتزويد الخدمات الخلوية في ألمانيا. فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً ضوابط على تلك الصفقة، بما في ذلك ضرورة تقديم خدمات الشبكة إلى الشركات الأصغر حجماً.

معالم وطنية

يقول أندرياس موندت، رئيس مكتب كارتل الفدرالي: {نحتاج إلى تحسين المنافسة، لا سيما في ألمانيا، لأن السوق لا تزال تحمل معالم وطنية}. وإلا هو يخشى تكرار ما حدث في النمسا حيث أدى دمج مماثل إلى زيادة أسعار المكالمات الخليوية بنسبة 10%.

يريد جانكر الآن أن يحذف هذه الشروط الوطنية عبر تطبيق استراتيجية أوروبية تستهدف السوق الرقمية. في خطاب ألقاه في شهر أبريل خلال حملته التي سبقت انتخابات البرلمان الأوروبي، قال جانكر إن السوق المنفردة تبقى غير كاملة على مستوى المنتجات والخدمات الرقمية. فسأل الحضور: {هل جرّبتم يوماً تنزيل أغنية على جهاز {آي فون} في بلد آخر ضمن الاتحاد الأوروبي؟ هل جرّبتم يوماً متابعة مباراة كرة قدم على حاسوبكم اللوحي أثناء وجودكم في الخارج؟}.

يريد جانكر أن يقوم المفوض الأوروبي المقبل والمسؤول عن الأجندة الرقمية بتحديد وإنشاء أسواق اتصالات عابرة للأوطان. يشمل المرشحون المحتملون لهذا المنصب رئيس الوزراء الفنلندي جيركي كاتاينين. لكن لن يكون تخفيض رسوم التجوال في أوروبا كافياً بحسب رأي أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي.

طلب جانكر علناً إقرار سياسة جديدة للمنافسة الأوروبية. فقد قال حديثاً: {إذا طلبنا من الشركات ألا تحصر شبكاتها وخدماتها بالمستوى الوطني بل أن توسّعها لتشمل القارة كلها، فيجب أن نطبق بحسب رأيي قانون المنافسة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي بروح قارية أيضاً}. بصفته رئيس المفوضية الأوروبية، اعتبر جانكر أن عمليات الدمج الكبرى في قطاع الاتصالات ستكون ممكنة. أشار إلى الولايات المتحدة كنموذج لسياسته الصناعية الجديدة، حيث تخوض خمس شركات كبرى منافسة شرسة في ما بينها.

معركة جديدة في مفوضية الاتحاد الأوروبي

لإحداث تغيير جذري، تريد مفوضية الاتحاد الأوروبي أن تكون لها كلمتها في تخصيص الترددات المستعملة راهناً من شركات البث، بعدما كانت الحكومات الوطنية تشغّلها في الماضي. يرتفع الطلب على الترددات لأنها توسّع عرض النطاق الترددي. وفق خطط بروكسل، قد يسهم الطيف الموحد الذي يشمل كامل أوروبا في إحراز تقدم ملحوظ في القطاع الرقمي داخل القارة.

توفر ألمانيا نموذجاً جيداً عن مدى حساسية هذه المسألة. تريد وكالة الشبكة الفدرالية الألمانية راهناً عرض الترددات التي كانت شركات البث تستعملها في المزاد العلني، لكن تتجادل الحكومات المحلية والفدرالية حول طريقة تقسيم المليارات المتوقعة من عائدات المزاد.

من المتوقع أيضاً أن يواجه جانكر مقاومة من الدول الأعضاء حول إضفاء طابع أوروبي على الإطار التنظيمي لشركات الإنترنت. على سبيل المثال، يتوافر راهناً 28 قانوناً مختلفاً لحقوق النشر في أوروبا. نتيجةً لذلك، ثمة 28 سوقاً مختلفة تُباع فيها المحتويات الرقمية.

في الوقت نفسه، ما من التزامات موحدة حول الضمانات بحسب قول أندرياس شواب، عضو ألماني في البرلمان الأوروبي وفي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ. يعتبر أن هذا الأمر يطرح عائقاً جدياً آخر أمام السوق الداخلية الأوروبية. كل من يريد أن يحصل على منتجات الإنترنت من بلد آخر في الاتحاد الأوروبي أو أن يبيع منتجاً هناك سيضطر إلى التكيف مع الشروط العامة التي تتفاوت من بلد إلى آخر. في هذا المجال أيضاً، يقول إن الناس أجمعوا في المبدأ على ضرورة تحديد معايير مشتركة لتوجيهات المستهلك وتطبيقها في أوروبا كلها. لكن كما يحصل غالباً، فشلت هذه الجهود بسبب غياب التوافق على التفاصيل وأنانية كل بلد فردي.

مجال أسهل للأميركيين

بالنسبة إلى شركات الإنترنت الأميركية، تستطيع اختراق السوق فوراً عبر 310 ملايين مستهلك ويمكن أن تصبح كبيرة بما يكفي لتبدأ بشراء الشركات من أوروبا، بلداً تلو الآخر، بينما يبدو المنافسون الأوروبيون عالقين في أسواقهم الوطنية المحدودة. غالباً ما تتمكن الشركات الأميركية من ابتكار صدام بين السلطات الوطنية في أوروبا لتقديم أقل قدر من خصوصية البيانات أو دفع أقل نسبة من الضرائب.

يدعم وزير الاقتصاد الألماني غابرييل أجندة جانكر الرقمية. مع ذلك، لن تتكل الحكومة في برلين بالكامل على بروكسل لإنجاز المهمة. تلقى غابرييل حديثاً وثيقة أصدرها مكتب كارتل الفدرالي حيث ذُكر كيف يمكن الحد من قوة {غوغل}، في الحالات الطارئة، عبر قوانين وطنية من دون الحاجة إلى ضبط حلولها الحسابية في عمليات البحث.

على سبيل المثال، تذكر الوثيقة المؤلفة من 30 صفحة أن {غوغل} يمكن التعامل معها كأي شركة للبنى التحتية في ألمانيا، كما يتم التعامل مع {دويتشه تيليكوم} أو أي شركة لتزويد الكهرباء. عندها يحق لأي وكالة حكومية أن تحدد طريقة {غوغل} في التعامل مع منافسيها. كذلك تستطيع أن تطالب بظهور هؤلاء المنافسين على الصفحة الأولى من نتائج البحث على محرك «غوغل».

يقول رئيس مكتب كارتل الفدرالي موندت: {نحن لسنا بلا حماية}. يعتبر أن تقوية القوانين الوطنية ممكنة. لكنه يقول أيضاً إن الحل الأفضل يقضي بتوفير خيار أوروبي قوي يحلّ مكان {غوغل}.

back to top