Transcendence يُثير أسئلة كثيرة

نشر في 23-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 23-04-2014 | 00:02
قبيل بدء المخرج والي فيستر السنة الماضية تصوير Transcendence، فيلمه الجديد الذي يدور حول الذكاء الاصطناعي، طلب من خوسي كارمينا وميشال مهاربيز، عالمين من جامعة كاليفورنيا ببركلي، السفر إلى لوس أنجليس والانضمام إليه في مكتبه. صحيح أن استخدام مستشارين محترفين يُعتبر أمراً شائعاً في هوليوود، إلا أنهم قلّما يكونون خبراء إلى هذا الحد (يدرس كارمينا علم الأعصاب ومهاربيز متخصص في التقنية النانوية) أو يشاركون المخرجين في تحديد أدق تفاصيل أعمالهم.
طوال عشر ساعات، انكب المخرج وهذان العالمان على نص فيلم التشويق هذا، معربين عن حماسة باحث في مختبر على وشك أن يتوصل إلى اكتشاف بالغ الأهمية. فناقشوا كثافة إشارات الدماغ، حدود التقنية النانوية، ومشكلة تحديد الوعي علمياً المعقدة. يذكر مهاربيز، الذي تحمل مقالاته في المجلات عناوين مثل {هل يمكننا بناء أنظمة اصطناعية متعددة الخلايا بالتحكم في الإشارات التنموية في المساحة والوقت}؟ {راجعنا السيناريو السطر تلو الآخر. فبحثنا في المواضيع التقنية وناقشناها مع والي وفريقه. لم يسبق أن التقيت بأناس يودون فهم هذه المسائل بهذا العمق».

تناولت أفلام الخيال العلمي احتمالات الذكاء الاصطناعي ومخاطره منذ حاول {هال} تدمير ديفيد بومان في فيلم 2001: A Space Odyssey عام 1968. وحاولت سارا كونور لاحقاً إفشال خطط Skynet الشريرة في سلسلة أفلام Terminator، في حين تبيّن أن العميل الهادئ {سميث} (هوغو ويفينغ) خصم لا يُستهان به لنيو وأصدقائه في The Matrix.

حماسة علمية

لكن قلة تناولت هذا النوع من الأفلام بهذا المقدار من الحماسة العلمية (فضلاً عن الحبكة المفعمة بالعواطف)، كما Transcendence. فبفضل بروز ذكاء الكائنات الرقمية، تناول  فيستر وكاتب السيناريو جاك باغلن نوعاً من الخيال العلمي قد يكون مذهلاً، إلا أنه ممكن وإنساني.

يسم Transcendence، الذي وضع نصه باغلن (علماً أن هذا أول عمل له في هذا المجال)، بداية فيستر في عالم الإخراج. وقد قرر فيستر دخول هذا العالم بعد تعاونه الطويل مع كريستوفر نولن وفوزه بجائز أوسكار أفضل مصور سينمائي. يتناول هذا العمل قصة إيفلن كاستر (ريبيكا هول)،  باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي تحمّل وعي زوجها وشريكها المحترف ويل (جوني ديب) قبيل وفاته نتيجة تعرضه لإطلاق نار من متطرفين مناهضين للتطور التكنولوجي. لا شك في أن خطوتها هذه ليست علمية بحت: فويل حب حياتها ولا تستطيع مقاومة فكرة إعداد نسخة رقمية منه تبقيه معها، بغضّ النظر عما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

في الأسابيع التالية، لا يستعيد الكائن الذي يسكنه ويل الوعي فحسب، بل يطوّر أيضاً قدرات تفوق ما يتمتع به البشر. فيقوم بنشاطات خارقة بهدف تحسين المجتمع (حسبما يدعي). نتيجة لذلك، يبدأ هذا الكائن الرقمي بزرع الخوف (بغض النظر عما إذا كان مبرراً أو لا) في نفوس بعض الأصدقاء المقربين، مثل الباحث ماكس (بول بتاني)، والسلطات الحكومية التي تخشى مواجهة قوة لا تستطيع السيطرة عليها.

لا شك في أن Transcendence، الذي بلغت موازنته 100 مليون دولار، يشكّل تركيبة هوليوودية بامتياز مع ما يحتويه من مشاهد حركة وحبكة قوية. لكن مع تناول لحظاته الهادئة بالتفصيل ومسائل الوعي الرقمي والتطور البشري، يطرح هذه الفيلم أسئلة فلسفية غامضة، ويمتاز بتلك المواجهة الحاسمة بين الإنسان والآلة، التي شهدناها في سلسلة The Matrix، إلا أن من المحتمل أن يميل بعض المشاهدين في هذا الفيلم إلى دعم الآلة.

يذكر ديب: {لا يقوم هذا الفيلم على توجيه ضوء ليزر وقتل شخص ما، بل يتناول قصة بشر حقيقيين يواجهون أمراً كبيراً. لذلك يدفع هذا الفيلم المشاهد إلى التوقف قليلاً والتفكير}.

أسئلة أساسية

في مرحلة تشكّل فيها البرامج الإلكترونية المعقدة، مثل {سيري}، جزءاً من حياتنا اليومية، يطرح هذا الفيلم أسئلة أساسية. فهل نستطيع استغلال التكنولوجيا لنحسن حياتنا أم أنها قوة لا يمكننا السيطرة عليها بعد إطلاقها؟ وهل يشكّل نمط وجودنا الحالي المتمحور حول الإنسان أمراً قد تعتبره الأجيال اللاحقة بدائياً وبسيطاً؟

في ثقافة صناعة الأفلام الضخمة التي تميل اليوم إلى تناول مسائل مهمة اجتماعياً، بعد سنوات من انقضائها، يتطلع Transcendence إلى المستقبل، طارحاً أسئلة سنُضطر قريباً إلى التفكير فيها. صحيح أن هذا الفيلم يتمتع بقيمة كبيرة في عالم الترفيه، إلا أنه يحضنا ضمنياً على البدء بالتأمل في هذه الأسئلة اليوم.

رغم إطاره الافتراضي، تدور أحداث هذا الفيلم في عالم شبيه بعالمنا اليوم. يذكر باغلن: {أردت إعداد فيلم خيال علمي، إنما خيال علمي معاصر، متفادياً التغييرات الغريبة قدر المستطاع. يُعتبر السؤال الأهم في Transcendence: ما الحد الذي قد تبلغه في محاولتك إنقاذ شخص تحبه؟ ولا شك في أن هذا السؤال سيبدو أكثر إلحاحاً، إذا طُرح في عالم لا يختلف عن عالمنا}. توضح هول: {تدور أحداث الفيلم في عالم أعرفه. فلا نرى فيه خوذات من ورق الألمنيوم وسفناً فضائية}.

ما زال على البعض، اليوم، تقبّل مفاهيم مثل التميّز

أو {مستقبل ما بَعد الإنساني}. ولكن تشير كل الاحتمالات إلى أن أحفادنا سيفهمون هذه المفاهيم أو ربما رجالهم الآليين.

امتزاج وتميز

تشير فكرة التميّز (التي تناولها علماء مثل فيرنور فينج من سان دييغو وروّج لها الكاتب راي كورزويل، صاحب الرؤية المستقبلية) إلى أن تكنولوجيا الكمبيوتر تتطور بسرعة ، ما سيسمح لها بالتأكيد بتحسين الوعي البشري أو حتى الاتحاد به.

لكن الطريقة التي سيحدث بها هذا الامتزاج البالغ الأهمية ما زالت مثار جدل. فقد يحوّل الإنسان التكنولوجيا الرقمية إلى جزء من عملياته المعرفية، أو من الممكن أيضاً تحميل الوعي على آلات. ولكن بغض النظر عن الطريقة المتبعة، تبقى الأسئلة كثيرة وغنية، ولعل أهمها: كيف سيبدّل ذلك حياتنا؟ وماذا سيعنيه للبشر؟

يشكك كارمينا ومهاربيز في كل خطوة متطرفة تحدث بسرعة، مع أنهما أعربا عن إعجابهما بحماسة الفيلم الذي عملا عليه وزارا موقع تصويره. يذكر مهاربيز: {نجح هذا الفيلم في إبراز التوتر بين حقيقة العلم الأساسية وما قد يترتب عليها من نتائج علمية خيالية}. ويضيف كارمينا، معبراً عن اعتقادهما أن {لا أحد يعرف ماهية الوعي، وأن هذا ما يزيد هذه المسألة تعقيداً}.

لكن كريستوف كوخ، باحث متخصص في علم الأعصاب والعالم الأبرز في معهد آلن لعلوم الدماغ في سياتل، يتبنى وجهة نظر مختلفة. يعتقد هذا العالِم، الذي عمل أيضاً مستشاراً في فيلم Transcendence، أن اكتساب كيان رقمي ما وعياً قد يحدث في مرحلة ما خلال السنوات الثلاثين القادمة.

عندما أطلع كوخ بتاني على هذا الاحتمال، دفعه إلى تبديل تفكيره. يذكر هذا الممثل: {لا يُعتبر هذا أمراً يمكن تفاديه. وقد جعلني أدرك أن المرحلة التالية من التطور مرتبطة أشد ارتباط بالآلات، ما يوقعني في الحيرة، تماماً مثل ماكس في الفيلم}.

حاجة وتشكيك

 تخبر هول أن هذه المسألة استقطبت اهتمامها هي أيضاً. فاطلعت على أفلام وثائقية وكتب في محاولة لمعرفة ما إذا كان هذا الفيلم يعكس المستقبل بطرق يجهلها كثيرون. تقول: {ظللت أفكر في التكنولوجيا وكم نستطيع الاعتماد عليها من دون أن نتخلى عن إنسانيتنا}. يشكّل أداء هذه الممثلة الإنكليزية المحرك الأكبر وراء قصة هذا الفيلم. فيُعتبر هذا التناقض بين حاجتها العاطفية إلى ويل وتشكيكها العلمي الأقل وضوحاً في ما إذا كانت الخطوات التي تتخذها  صائبة الصراع الأساسي في الفيلم. تسأل هول: {كم هو نادر أن تشكّل امرأة الحافز وراء حبكة فيلم مماثل؟}.

كان هذا متعمّداً. باغلن، الذي يدرّس كتابة السيناريوهات في لوس أنجليس، متزوج من عالمة كمبيوتر تعمل على معالج للغات الطبيعية، ويمضي ساعات في مناقشة هذه المسائل معها ومع أصدقائها. وعندما أطلعته المنتجة آني مارتر على فكرة هذا الفيلم المميز، لم يتردد في قبول عرضها.

كان الهدف تناول آخر الأفكار العلمية ضمن إطار إنساني. يعتقد باغلن ومارتر أن الكثير من الأفلام، التي تتناول الذكاء الاصطناعي (كلها على الأرجح باستثناء فيلم A.I. المستقبلي لستيفن سبيلبرغ)، تفادى الأسئلة الصعبة عن مستقبل الآلة والإنسان وتأثير ذلك في البشرية (حدث ذلك قبل عرض فيلم Her بفترة طويلة). يذكر باغلن: {إذا أدى ذلك إلى ولادة كائن قوي ينافسنا على مواردنا، فماذا سيحل بالبشرية؟}.  إذا نفذت أفلام الخيال العلمي بمهارة، فقد تتحول ذات يوم إلى شاهد على حقبة مهمة. ففيما كان فيستر يعمل على فيلمه (طوّر بالتعاون مع شركة Straight Up Films، ومولته في النهاية وأنتجته شركة Alcon Entertainment التابعة لشركة Warner Bros.)، فلاحظ أنه يحاول التشديد على حقائق اعتقد أنها ستدوم، وستجعل شخصاً ما في المستقبل يقول إن هذا الفيلم أدرك ما عجز كثر عن رؤيته.

يتعمّد فستر لفّ حبكته بنوع من الغموض. فيدور الجزء الأكبر من الفيلم حول ويل وما إذا كان الرجل الذي عرفه أصدقاؤه وعائلته أو أنه نسخة مشوهة وخطرة عنه (حول ما إذا كانوا قد أغفلوا عن أمر ما خلال تحميله، كما يذكر ماكس). استمد فيستر بعض هذه الأفكار من نولن. يذكر فيستر، متحدثاً عن المخرج الذي أنهى فيلماً حقق نجاحاً كبيراً بخاتمة مليئة بالغموض: {كريس مخرج توصل إلى صيغة فريدة في هذا المجال. وآمل أن نتمكن من مضاهاته}. وما سهّل هذه المهمة أن شركة Alcon المسؤولة عن الوجه الإبداعي لهذا الفيلم عملت على Prisoners، أيضاً،  فيلم آخر يلف الغموض الجزء الأكبر من أحداثه.

خلال عمله كمصور، تعاون فيستر مع نولن في أفلام هذا الأخير بدءاً من Memento. وقد نال جائزة أوسكار عن فيلم Inception. درس هذا المخرج والمصور الاجتماعي والواثق من نفسه الإخراج في معهد الفيلم الأميركي. وأكّد أن باستطاعته بكل سهولة دخول عالم الإخراج.

طلب فيستر نصيحة نولن قبل تصويره Transcendence وخلال مرحلة التحرير. فقد ظن أنه أكبر من أن يكون عمله الأول، إلا أن نولن طمأنه. كذلك قدّم له هذا المخرج الذي أعدّ أفلاماً مثل Dark Knight ملاحظات مهمة حول كيفية تسريع وتيرة الأحداث خلال اللحظات الحاسمة. وكان المنتج المنفذ لهذا الفيلم. نتيجة لذلك، قد يشعر المشاهدون بظل نولن في Transcendence، خصوصاً من خلال تضمينه فيلم التشويق هذا أفكاراً كبيرة.

يؤكد فيستر أنه سعى إلى تقديم محاور معقدة في فيلمه هذا. ويضيف: «أثارت هذه الأسئلة العميقة اهتمامي، خصوصاً أنها تتناول غايات استعمالنا التكنولوجيا: فهل نستخدمها للشفاء، المساعدة، أم وضع العقبات والحواجز؟ هل هي خيرة أم شريرة؟ باتت التكنولوجيا واسعة الانتشار من حولنا، حتى إننا توقفنا عن التشكيك فيها».

back to top