هدى حسين: لا تأخذني الرواية من الشعر ولا العكس

نشر في 20-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 20-04-2014 | 00:02
No Image Caption
رغم تعدد مواهبها الأدبية فإنها ترى أن الكتابة هي الكتابة، سواء كانت شعراً أو رواية أو قصة قصيرة، وتعتبر نفسها في حوار متصل بينها وبين الكتابة، لا يمكن أن تنفصل عنها أبداً، مستفيدة من كونها فنانة تشكيلية، مما ساعدها في تكوين ذاكرة بصرية قوية لإنتاج أعمال روائية.
في حوار مع {الجريدة}، تتحدث الأديبة هدى حسين عن تجربتها الكتابية ورأيها بالجوائز الأدبية.
هل أخذتك الرواية من كتابة الشعر، مثلما حدث مع بعض شعراء جيلك الذين كتبوا الرواية والقصة القصيرة؟

لا، أكتب يومياً وأعتقد أن الكتابة هي الكتابة، مهما كان نوع المكتوب أو طبيعته، فأنا أكتب شعراً كل يوم، لكن ليس بالضرورة أن أنشره،  فلا  أتخيل أن تأخذني الرواية من الشعر، كما لا أتخيل أن يأخذني الشعر من الرواية، ثمة حوار متصل ودائم بيني وبين الكتابة، فهي بالنسبة إلي شخص يعيش معي، ربما يعيش في رأسي، وفي خيالي موطنه، وهو يعبر عن نفسه بالطرق التي يرتضيها في الأوقات التي يراها مناسبة. ولا يمكن للكتابة أن تتجزأ، بل والفن عموما. إنها كتلة واحدة من الإبداع، ولها مطلق الحرية في أن تعبر عن روح وجودها في أي مشكل فني كان.

يظن البعض أن كتابة الرواية تعود بالشهرة على الكاتب أكثر من كتابة قصيدة النثر؟

لا أعرف ما هي متطلبات الشهرة، في أيٍّ من مجالات الحياة، أحيانا تجد علماء مهمين لا يلتفت إليهم الإعلام، وقس على ذلك في مختلف النواحي.

لئن كان الشعر أقدم وأرسخ عند العرب باعتبار الرواية نشأت على ما يبدو في أوروبا رغم وجود أعمال سردية وحكائية شرقية قديمة استلهم منها الغرب في بداياته الروائية، إلا أن قصيدة النثر هي أيضا أوروبية الصنع، بامتياز. ورغم ترسخها أخيراً كنوع شعري متعارف عليه في الأوساط الأدبية العربية ومعترف به، رضيت هذه الأوساط أم أبت، فإن المجال الإعلامي والمجال التعليمي لا يفردان لها المساحة التي تستحقها، ما قد أدى إلى تقويض جمهورها وحصره بين المثقفين أنفسهم أو الكتّاب الشباب الصاعدين، وهؤلاء ليسوا جمهوراً بل زملاء، بخلاف الروايات التي يمكن أن يتحول بعضها مثلاً إلى أفلام فتدخل ولو بصورتها المقنَّعة هذه كل بيت عبر شاشات العرض، سينمائية أو منزلية.

دخلت الرواية إلى العالم العربي منذ زمن أقدم من قصيدة النثر ما جعل الأولى أكثر رسوخاً في اللاوعي الجمعي وأكثر قبولاً، خصوصا الكلاسيكيات، ونرى أن الرواية الشابة، ولا أقصد هنا التي يكتبها شباب، لكن تلك التي تغيّر وتكسِّر القوالب الجامدة للرواية الكلاسيكية، تواجه التجاهل  نفسه والصمت اللذين تواجههما قصيدة النثر.

من أين تستلهمين شخصيات رواياتك، هل تعتمدين أكثر على السيرة الذاتية؟

 

تأتي شخصيات روايتي من الواقع الذي نعيش فيه، وبما أنني جزء من هذا الواقع، فلا يكون من العدل أن أستثني نفسي، لكن ليس بالضرورة أن أكتب سيرة شخصية لي، بل أستلهم الأحداث والملامح المكانية والشخصية للشخصيات التي أختلقها من خلال  دمج الأشخاص ومزجهم وإزاحتهم وإعادة تركيب الأحداث التي واجهتها في حياتي، سواء الشخصية أو  تتعلق بأحد أعرفه، فأنا لست فوق القانون، لذا أدرج نفسي، على غرار كل ما ومن مر بي بحكاياتهم هم، ضمن الخام الأول للكتابة، أحيانا مجرد التفاتة إلى غريب في الشارع تجعلك تقرأ في ملامحه أشياء تكتبها، كلنا يحمل حقائب روحه، وكثر منا أجهزة كشف محتويات، المهم أن يكون ما نلتقطه أثناء المرور من البوابة الإشعاعية، خادماً للعمل الذي نكتبه، لذا علينا أن نتحمل مسؤولية خياراتنا  في الالتقاط.

ماذا تمثل لك الجوائز كمبدعة؟

لم أحصل في حياتي الأدبية التي تمتد أكثر من خمس وعشرين سنة إلا على جائزتين، جائزة «بابلو نيرودا» (في شيلي) عن أفضل قراءة شعرية وتمثيل دولة، وهي جائزة معنوية بالأساس، جائزة «ساويرس» في الرواية لأدب الكبار وهي معنوية ومادية، لذا لست خبيرة في حصد الجوائز لأردّ على هذا السؤال، في الأحوال كافة،  سعدت بالجائزتين، لأنك تشعر أن ثمة من يقدِّر فنك.

 هل استفدت في الأدب من كونك فنانة تشكيلية؟

استفدت من كل شيء في حياتي، وقد تكون هذه نقطة ارتكازي الأساسية فعلاً، من أول طريقة عمل التوست في البيت إلى كيفية التعامل مع سطح خشبي أملس أثناء استخدام ألوان ذات وسيط مائي، إلى مناقشة مع طفل وكذلك مع زميل في العمل يختلف فكره عن أفكاري.

 لا يتعلق الأمر هنا باللون وخلطه والطبقات اللونية على المساحة وتوزيعها للحصول على هذه النتيجة التشكيلية أو غيرها، ورغم كون هذا مهماً جداً كمثال لكيفية تكوين طبقات الأحداث في عملك الروائي وتوزيعها، لكن المهم لدي أن كل شيء يتحول بالفعل إلى وسيلة، تقنيات لا حصر لها يمكن استخدامها في العمل الروائي، بعدد لحظات الكون نفسه. إذا جرّدنا ما نقوم به من ردائه المادي الملموس، يمكنني، عندما أقوم بهذا التجريد، أن أستخدم طريقة عمل التوست في بناء هيكل روائي، الطريقة لا التوست نفسه ولا عمله كحدث داخل عمل، أي التقنية، لذا على مستوى التشكيل لا يكفيني أن ذاكرتي البصرية قوية لإنتاج عمل روائي، لكن تساعدني تقنيات العمل التشكيلي، لو جردتها عن كونها هنا لتنتج لوحة، أن تكون أيضاً تقنيات لعمل روائي.

هل سعدت  بكون روايتك «ورأيت روحي بجعة» أكثر أعمال دار «كلمة» مبيعاً في معرض الكتاب في القاهرة في دورة هذه  السنة أم تهتمين بالمضمون أكثر، لا سيما أن ثمة مبدعين يرون أن البيع ليس العلامة الوحيدة على جودة العمل؟

الرواية منشورة في دار «كلمة» منذ سنتين وحركت الجائزة مبيعاتها، فبغض النظر عن اسمي الأدبي من ناحية واسم دار «كلمة» القدير من ناحية أخرى، يبدو أن الرواية حققت هذا المبيع بسبب الجائزة، فأكيد من اشتراها، إما يثق بنزاهة هذه الجائزة وبلجنة تحكيمها واسمها، أو ربما لأن إعلامنا العظيم لا يلقي الضوء إلا على ما يحقق جوائز، فصارت الجائزة نفسها وسيلة لشهرة عمل إعلامياً، وبالتالي يعرف الناس في البيوت عبر التلفزيون أن هذا العمل موجود فيشترونه.

أحب هذه الدار ومديرتها صديقة حميمة لي، ورغم عدم إسهامي في إنشائها، إلا أنني أشعر تجاهها بمسؤولية ما، كأنها ابنتنا مديرتها وأنا وليست ابنتها وحدها، لذا أنا سعيدة لأن الرواية خرجت منها لتحقق أعلى مبيعاتها.

back to top