ومات الساحر ولم ينقطع سحره

نشر في 20-04-2014
آخر تحديث 20-04-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري لم يكن ماركيز، ويكفي أن تقول ماركيز، لتعني غابرييل غارسيا ماركيز، الروائي الذي أوصل الرواية اللاتينية إلى العالمية وجعل لبلده كولومبيا مكانا ساحرا على خارطة العالم، رغم أنه هاجر منذ ثلاثين عاما ليقيم في المكسيك حيث مات بعد معاناة مع مرض "الديمنتيا" أو الخرف منذ عامين واصابته بالسرطان عام 1999 حسب تصريح لشقيقه الأصغر.

ماركيز، الذي أطلق عليه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس: "الكولومبي الأعظم في كل العصور" يستحق هذا اللقب حتما. فلم يكن روائيا عاديا، وربما لا يشاركه في العبقرية سوى أستاذه الذي تعلم منه كما يذكر ذلك دائما "وليم فولكنر" الذي أسس مدينة خيالية سابقة لمدينة "ماكندو" والتي أسسها ماركيز ليستبدلها بالمدينة الجبلية الساحرة التي ولد فيها "أراكاتاكا" وألهمته رائعته "مئة عام من العزلة" وحصد عنها جائزة نوبل عن استحقاق لم يختلف عليه أحد.

لم يكن ماركيز علامة عابرة في الرواية العالمية، بل كان مدرسة كاملة لأغلب الروائيين والدارسين. استطاع أن يؤسس الواقعية السحرية مازجا بين الواقعية والسريالية والفانتازيا. كان واقعيا جدا وهو يصف الرئيس والقائد الملهم برتبه العسكرية التي سحقت الشعوب اللاتينية تحت وصاية الهيمنة الأميركية على لسان أم الجنرال وهي تقول: "والله يا بني لو كنت أعلم أنه سيصبح رئيسا للجمهورية لأرسلته الى المدرسة"، وساحرا وهو يصف أجمل غريق في العالم أو الرجل العجوز بجناحين عملاقين.

ماركيز ترك لنا، نحن العرب تحديدا، ارثا من الأدب الذي يشبه كثيرا حالتنا تحت ضغط العسكر والجنرالات والرتب العسكرية. وللانصاف شاركه آخرون في أميركا اللاتينية ذلك ربما أهمهم "استورياس" صاحب رائعة "السيد الرئيس". وتعلقنا بأعماله منذ النوفيلا الشهيرة "ليس للعقيد من يكاتبه" وخاتمتها الأكثر ازعاجا، مرورا بخريف البطريرك، احدى معجزات السرد العالمي والأكثر وعورة كما اشار لها هو شخصيا، كان لما ابتلينا به عربيا من عسكرنا الذين تسببوا في انحدار هذه الأمة وتراجعها، حتى وصل بنا الأمر اننا لا نصدق أن الخلاص منهم ممكن أبدا.

ونحن نودع هذا الجميل الذي أثرى العالم لا بد أن نعترف له بكثير من الفضل. كان معلما وأستاذا لجيلنا. تداولنا أعماله في بداياتنا وكل كتاب يترجم له هو جزء مهم من قراءاتنا وتشكيل وعينا.

كان أدب أميركا اللاتينية الأكثر قربا منا والأكثر استثارة لنا للسير على خطاه مقارنة بالأدب العالمي الآخر. ورحيله اليوم لا يشبه رحيل أديب عالمي آخر، فكل قارئ عربي وربما كل كاتب عربي قرأ عملا له ان لم يقرأ أغلب أعماله.

"لو علمت أن اليوم هو الأخير الذي أراك فيه، سأحتضنك بعنف وأدعو الله أن يحفظ روحك، لوعلمت أن اليوم هو الأخير الذي تمرين به عبر هذا الباب، سأحتضنك وأقبلك وأناديك لقبلة أخرى، لو علمت أن اليوم هو الأخير الذي سأسمع به صوتك سأقبض على كلماتك بشدة لأسمعها مرات ومرات. لو علمت أن اليوم هو الأخير الذي سأراك فيه، سأقول لك انني أحبك ولن أفترض، بغباء، أنك تعلمين ذلك حقا".

كان هو ذلك اليوم الأخير لك معلمنا الأجمل وسنقول لك كما قلت لملاكك الجميل النائم. وداعاً لروحك وسلام.

back to top