تقرير اقتصادي: 14 عاماً من الفوائض المليارية... لم نحسن استغلالها

نشر في 03-04-2014 | 00:10
آخر تحديث 03-04-2014 | 00:10
No Image Caption
• تراكمها تزامَن مع تراجع مستوى الكويت في مؤشرات عديدة
• فرصة للقيام بإصلاحات اقتصادية كثيرة لكنها تعثرت
عندما تعاظمت الفوائض خلال الـ6 سنوات الأخيرة كان نصيب الكويت من تراجع مؤشرات قياس الأداء الاقتصادي والتنموي مذهلاً إلى حد كبير، إذ سجلت بين عامي 2009 و2013 تراجعاً في 21 مؤشراً من أصل 31.

مع بداية العام المالي الحالي في مطلع الشهر الجاري طوت ميزانية الكويت العام الـ14 لها في تسجيل الفوائض المالية المتراكمة، ليبلغ في إجماليها ما يناهز 340 مليار دولار.

ومع ان تلك الفوائض مثلت فرصة تاريخية للكويت للقيام بإصلاحات تشمل ملفات اقتصادية مهمة بعد سنوات من العجز في الميزانية كانت السمة البارزة لفترة التسعينيات، فإن الفرصة لم تستغل بشكل جيد.

فلم تستغل الفوائض في معالجة الاختلالات الحقيقية للاقتصاد الكويتي، لا من حيث اصلاح سوق العمل عبر توفير مناخات وبيئات استثمارية مختلفة عن العمل الحكومي، ولا من ناحية تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد، ولا في طرح مشاريع وفرص ترفع نسبة الايرادات غير النفطية مقابل نظيراتها النفطية، فكانت الكويت كلما سجلت فائضا قياسيا في ايراداتها سجلت معه تراجعا في تنافسية اقتصادها ومدى توفر بيئة جيدة للاستثمار فيها، بل امتد الامر إلى تراجع لا يناسب النمو في الفوائض على مستوى الخدمات الاساسية كالصحة والتعليم والاسكان، وذلك انما يشير بشكل جلي الى كيفية توفر الاموال، رغم ضخامتها، في يد ادارة لا تحسن التعامل معها.

تزامن

وتزامنت هذه الفوائض التي تراكمت منذ عام 2000 مع تراجع مستوى الكويت في مؤشر مدركات الفساد مقارنة بين عامي 2003 الى 2013، ليتراجع ترتيب الكويت من 35 الى 65 عالميا... وعندما تعاظمت الفوائض خلال السنوات الـ6 الاخيرة كان نصيب الكويت من التراجع مذهلا الى حد كبير، فسجلت الكويت ما بين عامي 2009 و2013 تراجعا في 21 مؤشرا لقياس الاداء الاقتصادي والتنموي من اصل 31 مؤشراً، مقابل تقدمها في 7 مؤشرات وثبات ادائها في 3، مما يشير الى تدهور حقيقي في الادارة المشرفة على اداء هذه المؤشرات، خصوصا في ظل توفر المال وإنفاقه بشكل كبير على الخدمات التي تديرها الدولة، بل حازت الكويت مراتب تراوحت بين الـ70 والـ120 من اصل 148 دولة في قياس مؤشرات تناولت الاقتصاد والتعليم والاعمال والتكنولوجيا والوظائف وسوق العمل وجاذبية الاموال وغيرها.

سنوات من الفوائض رافقها لجان وتقارير متنوعة من لجنة اصلاح المسار الى مشروع التحول الى مركز تجاري ومالي الى خطة التنمية مرورا بلجان كاللجنة الاستشارية الاقتصادية والمجلس الاعلى للتخطيط، وانتهاء باكتشاف خلل في اعداد وتنفيذ خطة التنمية، والعمل على تغييرها ناهيك عن التقارير العديدة المستقلة التي تدعو الى اتخاذ خطوات اصلاحية لتغيير نموذج الاقتصاد الكويتي، الا ان كل هذا لم يكن اكثر من شراء للوقت وبيع للوهم في سبيل اهداف صغيرة جدا اذا ما قورنت بضرورة اتخاذ اجراءات اقتصادية كاستمرارية حكومة او شراء ولاءات.

 سنوات عجاف

المشكلة ان الـ14 عاما السمان بالفوائض المليارية ستقابلها سنوات مقاربة تصنف بالعجاف، فبينما تشير التقارير المتشائمة الى دخول الكويت دائرة العجز المالي بحلول 2017، تتحدث المتفائلة عن عام 2020 موعدا لبدء العجز، ومع ذلك لم تشهد الكويت اي عمل لتغيير نموذج الاقتصاد الذي يتجه نحو العجز، فلا تزال الدولة هي الاكثر عالميا في الاعتماد على النفط في ايراداتها بنسبة 93 % وهي نسبة محفوفة بالمخاطر إن حدث اي اختلال في اسواق النفط، خصوصا في ظل تعاظم المصروفات، فميزانية الكويت اليوم تعادل اكثر من نحو 4 اضعاف ميزانية عام 2000 والايرادات غير النفطية اقل بكثير من تكون ايرادات لدولة لديها نشاط اقتصادي.

وحسب الأرقام الرسمية، فإن الكويت مقبلة على مصاعب حقيقية، فمثلاً الحكومة التي يُطلَب منها اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً، عليها بعد أقل من 16 عاماً أن توفر 74 ألف وظيفة كل سنة، وهو أمر شبه مستحيل في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص.

كما أن الطلب الإسكاني الذي يناهز اليوم 108 آلاف طلب سيرتفع خلال 5 سنوات إلى 135 ألف طلب غير مستوفى، فضلاً عن أن الشباب دون 24 عاماً يشكلون 60 في المئة من إجمالي الشعب الكويتي، وهم عامل ضغط كبير على خدمات الدولة خلال الـ20 عاماً المقبلة، خصوصاً في ظل زيادة عدد المواليد.

لذلك فالحديث عن أرقام مرعبة في القطاعات الخدمية، وما يقابلها من نمو مطرد في الموازنة العامة التي نمت خلال 10 سنوات من نحو 5 مليارات دينار إلى 22 ملياراً، يوجب العمل على تغيير نموذج الاقتصاد، خصوصاً في ظل تحديات كبيرة ليس أقلها أن الميزانية العامة للدولة في حال الاستمرار بالنهج الحالي ستبدأ في تسجيل العجز اعتباراً من عام 2020 بواقع 3.5 مليارات دينار في السنوات الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي عام 2030 نحو 174 ملياراً، وعندئذ سنحتاج إلى سعر 213 دولاراً لبرميل النفط لتحقيق نقطة التعادل.

الفوائض المالية فرصة تاريخية استثنائية ربما لا تكرر مستقبلا، وبالتالي فإن حسن استغلالها اليوم لتغيير نموذج الاقتصاد من ريعي الى انتاجي يستلزم فتح الباب لفرص عمل جديدة من خلال تنويع البيئة الاستثمارية والعمل على رفع الايرادات غير النفطية، ناهيك عن ربط الإنفاق على المشاريع والخدمات بالانجاز، كي لا يتكرر الفشل عاما تلو الآخر.

back to top