زلماي رسول... حليف كرزاي يصبو إلى الرئاسة الأفغانية

نشر في 02-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 02-04-2014 | 00:02
لطالما كان زلماي رسول حليفاً سياسياً مقرباً من الرئيس الأفغاني حامد كزراي. ها هو يخوض الآن حملة انتخابية كي يخلف أستاذه. مع إعلان كرزاي دعمه لرسول، يظن كثيرون أن الزعيم المنتهية ولايته يسعى إلى الاحتفاظ بنفوذه.
هبطت المروحية الصغيرة فوق ملعب كرة القدم في جامعة ننجرهار في جلال أباد، ثم ظهر من سحابة الغبار الفاتحة رجل بِلحية رمادية، وكان يرتدي سترة مصنوعة من صوف «ميرينو». اقترب زلماي رسول من المجموعة التي جاءت لاستقباله، وكان هؤلاء الرجال يضعون قبعات «باكول» (قبعات صوفية وبنية اللون يستعملها المجاهدون) مع أوشحة أنيقة على أكتافهم. فاصطحبوا رسول فوراً إلى سيارة بيضاء ومدرّعة وانطلق الموكب سريعاً.

إنه موسم الحملات الانتخابية في أفغانستان، ومن المنتظر أن تحصل الانتخابات الرئاسية في 5 أبريل. بدأ ذلك اليوم مع توجّه رسول إلى مقبرة أمان الله خان في جلال أباد، عاصمة المقاطعة ولا تبعد كثيراً عن الحدود الباكستانية. يحترم الأفغان الملك السابق كونه حررهم من البريطانيين، وكان خال المرشح زلماي رسول. في هذا المكان، على الطرف الشرقي من أفغانستان حيث تكون فصول الشتاء معتدلة وأشجار البرتقال خصبة، يرقد أمان الله خان في مثواه الأخير.

كان أمان الله إصلاحياً متطرفاً، وأول رئيس دولة أفغاني يحاول رسم بلده استناداً إلى نماذج المجتمعات الصناعية الغربية. لكنه فشل في مساعيه كونه حاول تحقيق الكثير بسرعة فائقة، ما أدى إلى اتساع جماعة المعارضين لخططه. تم إسقاط أمان الله سنة 1929، فأُجبر على الهرب وتوفي في المنفى السويسري بعد 31 سنة.

بما أن نسيب الملك السابق يسعى الآن إلى بلوغ منصب الرئاسة، هل تبدو أفغانستان جاهزة لتقبّل قمصان بلا أكمام وشعر بلا حجاب، كما كانت الملكة الجميلة ثريا تفضّل؟ هل هي مستعدة على الأقل لتطبيق رؤية رسول الذي يريد إنشاء نسخة متقدمة من أفغانستان؟ هذا ما ركز عليه في الخطاب الذي أراد توجيهه في مدرج جلال أباد.

زلماي رسول واحد من ثلاثة مرشحين رئيسيين يمكن أن يخلفوا حامد كرزاي. المرشحان الآخران هما أشرف غاني المنتمي إلى جماعة {البشتون}، تكنوقراطي تعلّم في الولايات المتحدة وعمل سابقاً في البنك الدولي؛ وعبدالله عبدالله، مرشح المعارضة الرئيس. ينتمي والد عبدالله إلى جماعة {البشتون} أيضاً، لكنه يمثل في المقام الأول غالبية قوى {طاجيك} في التحالف الشمالي السابق، وقد تعاونت هذه الجماعة مع الأميركيين لإسقاط حكومة {طالبان} (2001).

يصعب أن نتوقع نتيجة السباق، لكن قد تؤدي المرحلة الأولى إلى مواجهة بين عبدالله عبدالله وأحد المرشحَين الآخرَين. في الجولة الثانية، سيفوز غاني أو رسول على الأرجح. لكن قبل أيام  من انطلاق جولة التصويت الأولى، يجري العمل على إنشاء تحالف محتمل بين رسول وعبدالله. في مطلق الأحوال، لا يمكن استبعاد أن يلجأ السياسيون المحليون إلى تزوير الانتخابات، كما حصل منذ خمس سنوات.

مخاوف أمنية

ستؤثر {طالبان} على الانتخابات بطريقتها الخاصة، أيضاً. في جنوب أفغانستان، هددت الحركة بمهاجمة كل من يحاول الإدلاء بصوته، حتى أن مقاتلي {طالبان} اقتحموا مكتب مفوضية الانتخابات في كابول منذ أيام، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل. قُتل 11 شخصاً آخرين خلال هجومين انتحاريين مختلفين في اليوم نفسه، ما يشدد على تضخم أعمال العنف مع اقتراب الانتخابات. كذلك أدى اعتداء {طالبان} على مركز شرطة في جلال أباد، منذ أيام أيضاً، إلى مقتل 18 شخصاً. كان سفك الدماء كفيلاً بتجديد الأسئلة حول قدرة أفغانستان على تحقيق الازدهار وجذب الاستثمارات الخارجية في ظل غياب أدنى مظاهر الأمن.

لن يترشح كرزاي مجدداً، إذ يمنعه الدستور من الترشح لولاية ثالثة على التوالي. ومع اقتراب نهاية عهده سريعاً، يبدو الرئيس الذي يبلغ 56 عاماً مستاءً ومتوتراً وغاضباً. يشعر بالخيانة من الأميركيين، وتتعلق الخلافات الأساسية بالإرهاب والصراع العالق مع باكستان المجاورة لأفغانستان. لطالما سعت حركة {طالبان} إلى إيجاد ملجأ لها عبر الحدود بعد شن الاعتداءات وما زال الوضع على حاله اليوم.

يتذمر كرزاي لأن الأميركيين فشلوا في فرض ضغوط كافية على الحكومة الباكستانية في إسلام أباد، واكتفوا بمحاربة الإرهابيين في بلده من دون أن يصلوا إلى الجانب الآخر من الحدود. هذا أحد الأسباب التي جعلته يرفض التوقيع على اتفاق يسمح للقوات الأميركية بمتابعة التمركز في أفغانستان بعد نهاية هذه السنة، أو ما يُسمى {الاتفاقية الأمنية الثنائية}.

المرشح المفضل بالنسبة إلى كرزاي في الحملة القائمة هو وزير الخارجية السابق زلماي رسول، مع أن شقيقَيه الأكبرَين، قيوم (57 عاماً) ومحمود (58 عاماً)، يعتبران أنهما يستحقان أن يخلفا الرئيس. يشدد محمود على الفرص الاقتصادية المتوافرة في أفغانستان. فقال، خلال مقابلة في منزله في مقاطعة شيربور في كابول (كان يصعب رؤيته وراء الجدران الأمنية العالية): {أي رجل أعمال مثلي سيكون خياراً جيداً}. كان الطبق الزجاجي الموضوع أمامه مليئاً بالفاكهة والحلويات، وهو يقدمها للضيوف الذين يستقبلهم يومياً. أضاف قائلاً: {في النهاية، ألا تتعلق المسألة كلها بالاقتصاد والمال؟}.  

لكن طوال سنوات، تعرض محمود لسيل من الانتقادات بسبب صفقاته المهنية المشبوهة، وقد تعلقت أغرب حادثة، على الأرجح، بتورطه بفضائح بنك كابول. تعرضت تلك المؤسسة المالية الخاصة للنهب من إدارتها. وفق الادعاءات، تم اختلاس مئات ملايين الدولارات وأُخفي معظمها في عربات صالات الخدمة الجوية قبل تهريبها من البلد.

تُعتبر العلاقة بين الرئيس كرزاي ومحمود متوترة، مع أن حامد كان يسمح لشقيقه دوماً بالمضي قدماً. يقول المقربون من كرزاي إن الرئيس يعتبر تهم الفساد ضد عائلته مسيّسة، وهي نوع من الحروب النفسية التي يشنّها الأميركيون. يظن أن المسؤولين الأميركيين يوفرون معلومات إلى وسائل الإعلام لتشويه سمعته.

{كان الوضع كله بشعاً}

بعض الشبهات ليست سخيفة. حاكت واشنطن طبعاً مكيدة ضد كرزاي في الماضي. يصف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في مذكراته حدوث محاولة {انقلاب أخرق وفاشل} في 2009 للتخلص من كرزاي. وصف غيتس النتيجة كما يلي: {كان الوضع كله بشعاً: تلطّخت سمعة شريكنا، الرئيس الأفغاني، وقد تلطخت أيدينا أيضاً}.

بعد فترة قصيرة على زيارته الأخيرة إلى مقبرة قريبه، رُصد المرشح رسول على طاولة الفطور مع نائب ثري في جلال أباد وهو يشرب الشاي بالحليب ويلتهم الدجاج. تدفق مناصرون إضافيون إلى الصالة للترحيب بذلك الرجل الذي يمكن أن يصبح قريباً رئيس دولة أفغانستان.

لم يعتد رسول على جذب هذا الانتباه كله، فهو لا يحبذ هذا الوضع أصلاً. كانت الساعة ما زالت الثامنة صباحاً وبالكاد نام ثلاث ساعات. نهض باكراً لحضور اجتماع استراتيجي مع مدير حملته، قبل أخذ رحلة مضطربة من العاصمة، والتحليق مباشرةً فوق المنطقة التي استعملها سابقاً مؤسس تنظيم {القاعدة} أسامة بن لادن لإدارة معسكرات التدريب الإرهابية.

خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، كان الرئيس يطغى دوماً على رسول الذي لم يكن وزير الخارجية في عهد كرزاي، فحسب، بل مستشاره الأمني أيضاً. كان يجلس دوماً بالقرب من كرزاي خلال الاجتماعات مع ضيوف رسميين من الخارج أو مع رؤساء الاستخبارات السرية أو ممثلين عن {طالبان}، فبدا كأنه أصبح جزءاً من أثاث القصر. كان يلتزم الصمت بشكل شبه دائم. لكن لا أحد في البلد اليوم يعرف معلومات عن بنى السلطة المعقدة في أفغانستان والعلاقات التجارية والتحالفات التي أقامها حامد كرزاي خلال العقد الماضي بقدر رسول.

لكن يشكّل التهذيب الذي أظهره أثناء خدمة كرزاي أكبر عائق في حملته الراهنة. هو ليس شخصاً يحب الخطابات الحماسية، بل يفضل الإعلان عن الأمور المختلفة التي سيفعلها ببساطة، ويتعهد بالتوقيع فوراً على اتفاق أمني ثنائي مع الولايات المتحدة. يقول إنه يريد {استئصال الفساد} وإيصال الشباب إلى مواقع المسؤولية بدل السماح للمسؤولين القدامى بإعاقة طريقهم.

لماذا أجبر كرزاي شقيقه قيوم على سحب ترشيحه للرئاسة؟ طرح قيوم ترشيحه وعمل مع شقيقه محمود الذي كان يتولى إدارة حملته. لكن خلال اجتماع بين شيوخ القبائل، أوضح الرئيس أنه سيدعم رسول وليس شقيقَيه. فأُجبرا على الانضمام إلى حملة رسول، ما يضمن أن تحتفظ عائلة كرزاي بالنفوذ ولو بشكل غير مباشر.

آلات الصراف الآلي ومراكز التسوق

رغم الانتكاسات المتعددة، لا تُعتبر أفغانستان معزولة بالكامل عن العالم المعاصر. يملك حوالى 18 مليون شخص من سكان البلد 30 مليون هاتف خليوي، وثمة 24 قناة تلفزيونية أفغانية تبث مناظرات سياسية وبرامج طبخ وأعمالاً درامية بوليوودية. وثمة 25 جامعة حكومية و40 مدرسة خاصة أخرى. يقول رسول: {إنه الجيل الجديد في أفغانستان، جيل القرن الواحد والعشرين}.

نجد آلات الصراف الآلي ومراكز التسوق في كابول، ويتم تنظيم خمس رحلات يومية على الأقل إلى دبي. يرتدي الشبان بذلات سوداء معاصرة ويصففون شعرهم بأسلوب غربي. توسّع هامش الحرية وزاد منسوب الثقة بالنفس والحياة تبدو أفضل: هذا الوضع، أيضاً، هو جزء من أفغانستان، بعد مرور 12 سنة على الاعتداءات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.

لكن ألن يكون رسول، إذا فاز بالانتخابات، دمية بيد حامد كرزاي، كما يظن كثيرون ممن يعرفون الرجلَين؟  ينوي كرزاي، بعد تنحيه، الانتقال إلى منزل مرمَّم حديثاً ضمن ملكية القصر الرئاسي. لكن ينكر رسول أي ادعاءات مماثلة: {لا أحد يستطيع التأثير عليّ أو تغيير رؤيتي لأفغانستان}.

يصعب أن يكون رسول وكرزاي أكثر اختلافاً على المستوى السياسي، وسيتغير الكثير على الأرجح إذا وقع الاختيار على هذا الرجل المقرّب من الرئيس كي ينتقل إلى القصر الرئاسي فعلاً. طوال سنوات، كان كرزاي المنفتح يستقبل وفوداً من المحافظات، بشكل شبه يومي، ويقبّل اللحى ويصغي إلى قصص الناس عن الحرمان ويحقق أمنياتهم. كان بناء المعارف والحفاظ عليها (حتى مع العدو) أعظم مهارة سياسية يتمتع بها كرزاي.

هكذا نجح كرزاي في توسيع سلطته تدريجاً على طول الحدود الإقليمية والإثنية والسياسية (مع أن كثيرين لطالما سخروا منه وكانوا ينادونه بـ}رئيس بلدية كابول}). اليوم، يمكن أن يتصل كرزاي بكل سياسي نافذ في هذا البلد الصعب كي يطلب الدعم. لقد أصبح بارعاً في الصفقات السياسية.

نفوذ كرزاي مستمر

يشتبه المرشح عبدالله عبدالله بأن تلك المناورة هي جزء من خطة الرئيس الكبرى. في تاريخ أفغانستان، لطالما كان الأشقاء يقتلون بعضهم البعض، ولطالما قتل الأبناء آباءهم وتخلص الآباء من أبنائهم، بحسب قول عبدالله: {كرزاي لا يثق بمحمود وقيوم، ويظن أن السيطرة على زلماي رسول ستكون أسهل بالنسبة إليه}. في مطلق الأحوال، يجب أن يعترف الحاكم المستقبلي، بغض النظر عن هويته، باستمرار نفوذ كرزاي. يقع مدرج ننجرهار وراء مقر الحاكم مباشرةً. ذلك المبنى المرمَّم حديثاً مطليّ باللون الأصفر، وفيه مظلات شمسية زرقاء ومحاط بحديقة. حتى حوض السباحة الفيروزي أُعيد ترميمه. كان هذا المكان مقراً شتوياً للعائلة المالكة في السابق. تجمّع آلاف الناس على عشب تلك المنشأة الرياضية، وكان معظمهم من الشباب. يشارك كثر منهم في أول حدث انتخابي لهم. حين ظهر المرشحون، راحوا يمسكون بهواتفهم الخليوية على أمل التقاط صورة لرسول وحبيبة سارابي التي رشّحها لمنصب نائبة الرئيس. في الوقت الراهن، إنها المرأة الوحيدة التي تشارك في هذه الحملة المؤلفة من تسعة مرشحين رئاسيين ولديها فرصة بالفوز. لكن ضياء مسعود، شقيق قائد التحالف الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود، حصد أعلى تصفيق. حارب أحمد شاه مسعود {طالبان} طوال سنوات قبل أن يغتاله مقاتلو {القاعدة} قبل يومين من 11 سبتمبر 2001.

بعد ذلك تم تشغيل النشيد الوطني. كان رسول يضع عمامة ضخمة، ما يشير إلى منصبه القيادي. وقف الجميع وبدا الحدث احتفالياً. كانت الشرطة تسيطر على الوضع الأمني. لم يظهر أي جندي من قوة الحماية الدولية في المكان. أخيراً، تحولت جمهورية أفغانستان الإسلامية الشابة إلى دولة فعلية. ما زال البلد هشاً وفاسداً وغير مستقر، لكن لم يعد يسهل تدميره.

back to top