الفيلي: لائحة المجلس خلت من تحديد أسلوب للتعامل مع الاستجوابات

نشر في 25-11-2013 | 00:04
آخر تحديث 25-11-2013 | 00:04
No Image Caption
في دراسة خص بها الجريدة• بعنوان «الاستجواب بين النصوص والممارسة»
• عدم وجود الأغلبية المنظمة داخل المجلس يضعف الاستجواب
أكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي أن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة خلت من تحديد أسلوب التعامل مع الاستجوابات حال إخلالها بالمعايير والشروط المحددة لها.
وأوضح الفيلي في دراسة خص بها «الجريدة» بعنوان «الاستجواب بين النصوص والممارسة» أن المسار القائم للممارسات والسوابق البرلمانية في التعاطي مع الاستجوابات قد يؤدي الى وأد الاستجواب وتحويله عن طبيعته كأداة يملك العضو بقرار منه المبادرة باستخدامها خاصة أن الأغلبية النيابية التي تتخذ القرار تنطلق للتصويت دون بحث مسبق متأن.
وفي ما يلي نص الدراسة:
السيادة بالمعنى الاصطلاحي هي الاختصاص بوضع القواعد الملزمة وتنفيذ هذه القواعد ولذلك تكون الدولة كاملة السيادة عندما ينعقد لها الاختصاص بتقرير القواعد القانونية واجبة التطبيق في اقليمها وتقرير تنفيذها. الديمقراطية تعني امتلاك الشعب او الامة للسيادة وبالتالي فان الامة تملك منطقيا الاختصاص، استنادا لهذه القاعدة، بوضع القوانين وتنفيذها وفي الديمقراطية النيابية يقوم المجلس المنتخب بهذه المهمة نيابة عن الامة. الدساتير المعاصرة لا تستند للديمقراطية فقط في تنظيم ظاهرة السلطة وعملية الحكم فهناك مبادئ اخرى يتم الاستناد لها ومن ضمنها مبدأ الفصل بين السلطات. مبدأ فصل السلطات يجعل لكل وظيفة جهازا يقوم بأعبائها فالبرلمان يقوم بوظيفة التشريع والحكومة تنهض بالاختصاص بالتنفيذ. يترتب على هذا التنظيم حجب الاختصاص بالتنفيذ عن البرلمان ممثل الامة واستبداله بالاختصاص الرقابي للبرلمان في النظام البرلماني ونلاحظ ان البرلمان في النظام الرئاسي لا يقوم بهذه المهمة لان الحكومة تخضع لرقابة الشعب مباشرة عبر انتخاب رئيسها. نخلص بالاستناد لما سبق الى ان الاختصاص الرقابي في النظام البرلماني يجد اصله في الجمع بين الديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات.

الطبيعة البرلمانية للدستور الكويتي رتبت وجوب الأخذ بأساليب الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية على النحو المعروف في الأنظمة البرلمانية. نعم توجه الدستور الكويتي إلى تصعيب تحريك المسؤولية السياسية الفردية للوزراء من خلال ربط طرح الثقة بالاستجواب (ولعلنا نعاني اليوم من الآثار الجانبية لهذا الدواء) كما شذ عن النظام البرلماني بخلق أسلوب خاص لتحريك المسؤولية السياسية التضامنية وذلك لحماية الحكومة من أغلبية غير منظمة تأتلف لإسقاط الحكومة. تصعيب تحريك المسؤولية السياسية للوزراء وابتكار نظام خاص لتقرير مسؤولية رئيس مجلس الوزراء هي مظاهر للاستثناءات التي خرج بها الدستور الكويتي عن الأصل البرلماني الذي انطلق منه وهي استثناءات تؤكد وجود الأصل.

المادة 117

قرر الدستور وجود عدد من أدوات الرقابة على نشاطات السلطة التنفيذية كما نظم الدستور في صلبه عددا من الأحكام الخاصة بهذه الأدوات تاركا بقية الأحكام للائحة الداخلية للمجلس. الاستجواب واحد من هذه الأدوات قرر الدستور وجوب وجوده مع تقرير بعض أحكامه في المادة 100 منه وقد أشارت المادة 117 من الدستور الى اللائحة الداخلية للمجلس لتنظيم بقية احكامه.

الواقع العملي كشف عن نقص في الأحكام المقررة في الموضوع قاد إلى ظهور ممارسات تقترب من مفهوم النص أحيانا وتبتعد عن هذا المفهوم في أحيان أخرى وقد يكون من الملائم الوقوف أمام هذا الواقع والتفكير بحلول لمواجهة اثاره.

اولا: الواقع القائم: أدوات الرقابة التي يقررها الدستور وتنظمها اللائحة متعددة ويمكن تقسيمها وفق معايير متعددة. فبعضها يخلق قنوات للاتصال البسيط مثل الاقتراح برغبة والسؤال البرلماني وبعضها يخلق حوارا مباشرا مثل الاستجواب وطرح موضوع عام للمناقشة، بعض هذه الأدوات تفترض ان المعلومات المقدمة كأساس للرقابة مصدرها الحكومة كما السؤال البرلماني وبعض هذه الأدوات تترك للبرلمان مكنة الحصول على المعلومة بشكل مباشر، بعض أدوات الرقابة متروك تحريكها لمبادرة الأعضاء بصفتهم كما هو الحال في السؤال والاستجواب فكلاهما طلب يتقدم به احد أعضاء مجلس الأمة وبعضها الاخر القرار بتفعيله ينعقد للمجلس كمؤسسة مثل طرح موضوع عام للمناقشة وتشكيل لجان تحقيق فتفعيل اي منهما يحتاج لتصويت المجلس.

نلاحظ ايضا ان اللائحة الداخلية لمجلس الامة رتبت اسلوبا للتعامل مع اكثر ادوات الرقابة التي لا تستجيب للشروط المحددة في الدستور او اللائحة الداخلية لمجلس الامة وذلك على النحو التالي:

- الاقتراح برغبة وفق المادة 120.

- السؤال البرلماني وفق الفقرة الثانية من المادة 122.

- طلبات المناقشة والتحقيق وفق الفقرة الاخيرة من المادة 148.

ولكن اللائحة خلت من تحديد اسلوب للتعامل مع الاستجواب حال اخلاله بالمعايير والشروط المحددة له. عدم وجود الآلية وانصراف اختصاص المحكمة الدستورية, في الموضوع، لتفسير نصوص الدستور بشكل مجرد عن الحكم في منازعة يتم حسمها بحكم قضائي له حجية الامر المقضي, أدى إلى ظهور سوابق في الموضوع منذ 2001 فقد أحال مجلس الامة الاستجواب المقدم لوزير العدل من العضو السيد حسين القلاف للجنة التشريعية بتاريخ 3/12/2001 على ان تقدم تقريرا بشأنه في موعد لا يتجاوز شهرا واحدا ويكون قرار المجلس بعد الاطلاع على التقرير وقد بحثت اللجنة الموضوع  استطلعت اراء المختصين من داخل المجلس وخارجه وتقدمت بتقريرها وكانت توصيتها تقود الى شطب الاستجواب.

مجلس 2009

تكررت في وقت لاحق نظائر لهذه السابقة كما ظهرت سوابق تم فيها شطب عبارات من الاستجواب بقرار مباشر من المجلس (الاستجواب المقدم في مجلس 2009 لوزير الاشغال وزير البلدية الدكتور فاضل صفر من العضو مبارك الوعلان) وتطورت هذه السوابق الى تصويت المجلس على شطب محاور الاستجواب المقدم من العضو رياض العدساني لسمو رئيس مجلس الوزراء. والى جوار هذه السوابق ظهرت ممارسة تقوم على طلب استيضاحات خاصة بالاستجواب في وقت سابق على مناقشته على نحو قد يقود الى تحويل جزء من الاستجواب الى حوار مكتوب بين العضو والوزير قبل الحوار الشفهي المقرر إجراؤه امام المجلس في الجلسة المخصصة للاستجواب.

المسار القائم للممارسات والسوابق المشار لها قد يقود الى وأد الاستجواب وتحويله عن طبيعته كأداة يملك العضو بقرار منه المبادرة باستخدامها خاصة ان الاغلبية التي تتخذ القرار تنطلق للتصويت دون بحث مسبق متأن للادعاءات المتصلة بمدى توافر الشروط المطلوبة في الاستجواب كما ان الحكومة تساهم في التصويت علما بان احد اعضائها هو المستجوب وهي دستوريا متضامنة معه. الواقع القائم يقود لوجوب التعامل معه على نحو يوازن بين وجوب احترام الشروط المقررة في الدستور واللائحة الداخلية والخاصة بالاستجواب من جهة ومن جهة اخرى عدم تغول الاغلبية على حق العضو في الاستجواب ووأده كنظام للرقابة يقرره الدستور لعضو مجلس الامة.

ثانيا: الاقتراحات: في البحث عن حلول مقترحة نستبعد بحث دور المحكمة الدستورية وفق الوضع القائم لانها تقدم تفسيرا للنص الدستوري فقط علما بان بعض الشروط الخاصة بالاستجواب مقرر في اللائحة الداخلية لمجلس الامة كما ان اثر قرار التفسير لا ينصرف للاستجواب المقدم باعتبار ان محله فقط هو تحديد معنى النص الدستوري وليس انزال حكمه على واقعة الاستجواب محل الخلاف. كما ان الاقتراحات يجب ان تأخذ شكلا مقننا من خلال احكام في اللائحة الداخلية لمجلس الامة لان السوابق البرلمانية اخذت تسير في اتجاهات متعددة وغير متطابقة.

1-احالة النزاع للجنة برلمانية: ويجب تحديد الاحالة بطلب مسبب ومكتوب من الوزير يبدى خلال ميعاد معين مع وجوب ربط تقرير اللجنة بحيثيات قانونية تناقش مشروعية الاستجواب دون ملاءمته. ويمكن اضافة فكرة وجوب اشتراك الفنيين في المجلس او خارجه في كتابة التقرير.

2-عقد الاختصاص لجهة قضائية: ويتم طرح الموضوع كطعن بمشروعية الاستجواب. الاخذ بهذا الحل يجب ان يكون مصحوبا بقدر من الضوابط تمنع استخدام القضاء كورقة في الصراع السياسي. ويمكن اسناد الاختصاص المذكور للمحكمة الدستورية وفي هذه الحالة يلزم اعادة النظر في اختصاصها بالتفسير.

المادة 80

ونحن نعتقد ان الاخذ بالحل الاول او بقاء الوضع القائم يجب ان يقترن بتعديل مستحق وهو تقييد حق الحكومة بالتصويت على القرارات المتصلة بالاختصاص الرقابي لمجلس الامة. تبدو هذه الفكرة لأول وهلة متعارضة مع حكم الفقرة الاخيرة من المادة 80 من الدستور ولكن البحث الدقيق في الموضوع يزيل هذه الشبهة وذلك على النحو التالي:

أ‌-الدستور يأخذ بفكرة تعارض المصالح فهو يمنع على الوزراء التصويت في موضوع طرح الثقة بالوزراء واعلان عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (م 101) كما ان المادة 38 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تمنع على الوزير وهو عضو في مجلس الأمة عضوية مكتب المجلس او لجانه.

ب‌- مشاركة الوزراء في التصويت على القرارات المتصلة بالاختصاص الرقابي امر من امور تنظيم العمل في المجلس وتنظيمه وفق المادة 117 من الدستور مناط باللائحة الداخلية لمجلس الامة وقد ورد في اللائحة مثل ذلك كما قررت المادة 38 منها. اذا اضافة هذا الحكم هو تطبيق لمبدأ عدم جواز تعارض المصالح وتطبيق للمادة 117 دون ان يعتبر اهدارا لحكم المادة 80 من الدستور فلا يزال الوزراء اعضاء في المجلس يشاركون في اعماله ذات الطابع التشريعي دون ان يتعرضوا لحرج تعارض المصالح.

في نهاية المطاف نحن نعتقد ان الإيغال في البحث عن حلول لموضوع الشروط الواجب توافرها في الاستجواب راجع في جزء كبير منه الى نظرة متوجسة للاستجواب باعتباره بوابة حتمية لتحريك المسؤولية السياسية ولعدم الاعتياد على المواجهة المباشرة بين الوزراء واعضاء مجلس الامة على نحو علني وفي موضوع محدد. اما الامر الاول فنلاحظ انه غير دقيق فالاستجواب قد يؤدي لتحريك المسؤولية السياسية وقد يؤدي لاجراء اخر بل قد ينتهي عند الاستجواب ولا يتعداه لغيره. كما ان النظام القائم للانتخابات وعدم وجود الاغلبية المنظمة يضعف الاستجواب المصمم بغرض تحريك المسؤولية السياسية. اما عن المواجهة العلنية فهذا امر لا فكاك منه في النظام الديمقراطي فالحكومة تحكم ويلزم عليها في المقابل ان تكون قادرة على توضيح سياستها وقراراتها امام الجمهور والاستجواب احدى قنوات المواجهة الجيدة. ونلاحظ في هذا الصدد بان الرد على الاستجواب السيئ من على منصة الاستجواب أفضل للوزير من تجنب مواجهته.

back to top