«بذور على طريق التنافسيّة»... نحو جيل جديد من الحكومات المُلهِمة

نشر في 21-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 21-07-2013 | 00:01
No Image Caption
لم تتسع الوظيفة الحكومية للدكتور محمد جاسم بوحجي فاستقال من وظيفته في أواخر التسعينيات ليعمل مع شركات يابانية وعالمية وليبني قدراته ومهاراته في مجال الجودة والتميز والتقييم. وفي كتابه «بذور على طريق التنافسية» يشرح كيفية تحضير بلادنا لجيل جديد من الحكومات الملهمة (منشورات منتدى المعارف).
تخطط الحكومات العربية وتعمل بالطرق الرتيبة التي تعوّدت عليها منذ عشرات السنين، وهي لا تستطيع راهناً أن تنافس في تقديم أبسط الخدمات، بينما نرى مواطن الدول الأخرى يصرخ ويطالب ويعترض إن لم تسع حكوماته إلى تقديم الخدمات له بجودة عالية وتكلفة أقل ووقت أسرع.

وقد تصدّى الدكتور محمد جاسم بوحجي لهذا الواقع المرير من خلال دراسات عدة أجراها، ومن خلال اطلاعه على المراجع العلمية والعملية في حقل التنافسية.

بساطة في التعريف

الالتزام بالبساطة في عرض مفهوم التنافسية من خلال فقرات وخواطر محددة، كان هدفاً أساسياً لكتاب “بذور على طريق التنافسية”... وكم من متطلبات فهم التنافسية ضاعت وأُهدرت بسبب صعوبة الطرح وجعل الموضوع كأنه للاختصاصيين والخبراء بدلاً من أن يكون مفهوماً لعامة الناس. ولذا اختار المؤلف أن يضع للقارئ أطروحات لكيفية تحقيق التنافسية، وهي أطروحات عملية وعلى شكل خواطر، يطبقها القارئ واحدة تلو الأخرى أو يربط بينها في مشروع كبير. كذلك اختار أن يضع بعض الآليات التي قد تساعد في تميز مؤسساتنا وأمتنا في مرحلة السعي نحو التنافسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر آليات استخدام القدرات الكامنة عندنا كأفراد ومؤسسات في الأمة، ومنها القدرة على قوة الملاحظة؛ القدرة على قوة التركيز، القدرة على قوة الحيادية من خلال الإحساس بعدم المعرفة (أو الإحساس بحجم ما نجهل). حيث إن التنافسية على مستوى أي حكومة هي تعبير عن مدى قدرة هذه الحكومة ومن فيها في الاستقلال لقواها الكامنة ومن ثم على المعرفة التطبيقية لما حولها من ظروف ومنها الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، ولا تقوم إلا على التحليل للمعلومات والسياسات والممارسات التي تشكل قدرات الجهاز الحكومي الواحد؛ فالتنافسية هي منهجية وهي نتيجة وأثر في الوقت نفسه لصناعة واستدامة بيئة تحقق القيم والقيمة المضافة لجميع المؤسسات والأفراد داخل الوطن ومن خلال كل القطاعات الثلاثة الرئيسة (العام والخاص والمجتمع المدني)، تقف حتى تنعكس آثار هذه التنافسية على الرفاه وجودة الحياة للمواطنين والمستفيدين.

مكوّنات الكتاب

تقوم مكونات الكتاب على البناء السليم المرتبط بعملية التطبيق، وكأننا ننثر بذوراً لأفكار تسمو بنا إلى ثمار ترفع أمتنا وتطور فكرنا وفكرها وليس أداءها فحسب... إنها بذور لكل من هو معني بتنافسية وطن وأمة، ويؤمن بأنها لن تكون إلا إذا نهضنا بمؤسساتنا وحكوماتنا وساعدناها على أن تنهض بنفسها تدريجاً من خلال الفعل لا القول فحسب. إنها بذور كي تحفر أوطاننا وأمتنا بأسمائها بقوة على خارطة التنافسية، فتحول ضعفها إلى فرص للنجاح ومصادر للتميز في الأداء. إنها أفكار عملية وخبرات متراكمة وممارسات حقيقية وآمال متلاحقة نحو طريق جديد نريد أن تسلكه كل الجهات المسؤولة عن حياة المواطن العربي.

فالحكومات اليوم، وأكثر من ذي قبل، تنظر إلى أن دورها إما أن يكون كالشجرة المثمرة والتي تبنى من حولها واحات خضراء وتزهر من حولها الحياة، أو تكون كالأرض الجدباء ينكرها الناس والعالم. وما حكوماتنا اليوم إلا نتيجة لمكوناتنا كبشر، حيث لم نعرف كيف ننثر البذور بالطريقة الصحيحة أو ربما لم نكترث لوضع تنافسية حكوماتنا في المكان الصحيح والوقت الصحيح- فكان ما نرى ونسمع اليوم.

التنافسية المستدامة

لا تأتي التنافسية المستدامة في يوم وليلة، بل تحتاج إلى زراعة وجمع مستمر لبذور وممارسات تنتهجها التجربة الميدانية وتجارب الدول، وتذكى بتفاعلات المؤسسات والقيادات الحكومية كي تكون أثراً في مسيرة مجتمعاتنا نحو مسارات جديدة من مدرسة الفكر التطبيقي. لا تقوم التنافسية الحقيقية إلا على جهد جماعي من قطاعات الإنتاج الثلاثة (القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدني)، ولكن بدءاً من المحرك الأساسي وهو الحكومة- وبدءاً من الروح الموجودة والمتمثلة في قيادات الإدارة العليا والوسطى فهم الأمل وإن صعب اللقاء في البداية.

يدعم الكتاب بشكل قوي الميزة التنافسية للمؤسسات الحكومية التي تقوم من خلال هذه القيادات (خصوصاً القيادات الوسطى) وبحيث تتوافر لدى المؤسسات الحكومية متطلبات القدرة لتقديم خدمات في كل مكان وبالشكل الذي يرغبه المستفيدون بأفضل جودة، وأفضل تكلفة وأفضل وقت، وبما يعود على التطبيقات بالقيم.

كيف تقرأ الكتاب؟

كتب «بذور على طريق التنافسية» وفق هدف بسيط أن ننثر بذور التنافسية كمفاهيم ومبادئ تطبيقية جديدة في كل مكان وزاوية وعلى مختلف المستويات في الأمة العربية؛ فهو ليس موجهاً إلى وطن واحد فقط، ولكن إلى كل وطن في الأمة العربية والإسلامية. ولذا يمكن أن تقرأ الكتاب على فترات، ويمكن أن تقرأه مرة واحدة، وممكن أن تجعله ملف تطبيق... تستشهد به وبأمثاله وأفكاره وأنت تتكلم عن التنافسية في بلادك، أو مؤسستك، أو حتى إدارتك. وعلى رغم أن كثيراً من الأمثلة في الكتاب موجّه إلى المؤسسات في القطاع الحكومي والعام، فإنه ينطبق في أفكاره وتطبيقاته البسيطة على أي مؤسسة أو أي قطاع آخر حتى القطاع الخاص والمجتمع المدني، ويتناسب الكتاب أيضاً مع متطلبات التطوير في السلطتين التشريعية والقضائية.

في الكتاب أكثر من 200 قصة ومثل حقيقي من الواقع الميداني، ومدعوم بكثير من الأسانيد العلمية الحديثة ومن أشهر المؤسسات البحثية وعلماء التنافسية المعروفين عالمياً، لكنه كتب بطريقة غير أكاديمية حتى يقرأه أي شخص سواء كان قيادياً كبيراً، أو صانع قرار، أو مسؤول قطاع، أو موظفاً طموحاً بسيطاً ينوي أن يتطور ويطور بلاده وأمته... ومهما كانت خبرته وتعمقه في موضوع التنافسية في الخدمة أو في القطاع الحكومي؛ فمن الممكن أن يقرأ الكتاب من الموضوع الذي يختاره ومتى يشاء، وسيكون له معنى كونه مجموعة خواطر عملية ومرتبطة بأفكار وممارسات وطنية لكيف نكون منافسين كأفراد ومؤسسات، وأن نعمل معاً نحو هدف واحد... كأمة ووطن يسعى إلى المنافسة وينتهج أخلاقيات الاستدامة.

تطبيقات ميدانية

لقد تم بناء الأفكار التي استعرضها المؤلف في الكتاب ليس بناء على مفهوم التنظير، ولكن بناء على التطبيقات الميدانية التي تشكلت لمدى سنوات من محاولات مستمرة في التغيير والتأثير والتطوير لحكومات ومؤسسات متنوعة مع تأملات وانطباعات وملاحظات كان يجمعها وينشرها كباحث ومطبق في الميدان... وبناء على التفاعل مع كثير من القيادات الحكومية وعلى ومختلف المستويات ومن خلال عدة أنواع من مشاريع التغيير والتطوير وبأسماء عدّة وفي مختلف مؤسسات حكومات دول الخليج خصوصاً، وفي مناطق مختلفة من العالم أيضاً. حاول في هذا العمل البسيط أن يعكس للقارئ محصلة وسلّة من الممارسات سمّاها «بذوراً»، وينثرها هذه المرة لعدد أكبر من شبابنا وأمل أمتنا وقياداتها المقبلة لتعزيز خبراتهم التطبيقية والعلمية في مجال صناعة التنافسية الجديدة لحكومات أمتنا وأوطاننا، والبناء على أفضل الممارسات وأرقى الأبحاث وأقسى الدروس المتعلمة في مجال التنافسية الحكومية... أملاً أن يكون من بينهم من يحمل الأمانة ويصلح الخلل الذي لم نفلح في إصلاحه، وبناء على التعلم ومما وصلنا إليه حتى يومنا.

back to top