«الإبداع يمزج الحضارات» في لوحات مصريَّة وكرواتيَّة

نشر في 21-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 21-10-2012 | 00:01
No Image Caption
«الإبداع يمزج الحضارات» عنوان جمع ثلاثة معارض تشكيلية في مركز الجزيرة للفنون في القاهرة، افتتحها أخيراً رئيس قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة المصرية د. صلاح المليجي، بحضور شخصيات عامة ورسمية من بينها المشرفة على قطاع العلاقات الثقافية الخارجية الدكتورة كاميليا صبحي والسفير الكندي لدى القاهرة والمستشار زكريا عبد العزيز.
في معرض «حدائق وخيوط» في قاعة «إيزيس»، قدمت التشكيلية فادية فهمي لوحات متنوعة في مجال «الباتش ورك» أو فن تدوير الأقمشة، فعكست ثراء تجربتها الفنية، لا سيما أنها استخدمت بعض قصاصات الأقمشة لتقديم عرض فني بطرز مختلفة، أبرزها الإسلامي والروماني.

كذلك اتخذت  فهمي من خط «البوب آرت» أو الخداع البصري مساراً تشكيلياً، لكسر التقاليد وأنماط الفنون المعتادة، وارتياد فضاء موح بالرمز ورحابة التعبير باللون والتكوين عن خبرات إنسانية متراكمة.

وتميزت أعمال فهمي باستلهام التراث المعماري القديم كفكرة أساسية للوحاتها،  وتجسيد فضاء أسطوري يخترق الزمن، ويستحضر عوالم فائتة برؤية معاصرة،  ولغة تشكيلية تحتفي بألوان مشرقة، وإثارة الحنين إلى الماضي، والتحريض على الجمال والإبداع والخيال، كعناصر أصيلة لصيرورة الحضارة.

توازن ثقافي

جاء المعرض الثاني «المتوازنات الثقافية» في قاعة نهضة مصر، وأهداه الفنان الكرواتي أنتي سارديليتش المقيم في كندا إلى شعب مصر مُعلم الحضارة الأول، كما قال، وإلى كل أمم وثقافات أميركا اللاتينية وأندونسيا وأستراليا من البلدان التي أتاحت له فرصة عرض أعماله في أروقة متاحفها الخاصة.

قدم الفنان الكرواتي أعمالاً ذات مستويات وطبقات متعددة بأحجام وخامات مختلفة اعتمد فيها على خبرته التراكمية، والتي يؤدي فيها الموروث المتوسطي دور المحرك الأساسي في عمله الفني، ومن ثم استطاعت أعماله أن تعكس هذا الاندماج بين الثقافات المتعددة.

وتباينت الأعمال في تجسيد التواصل بين الحضارات الإنسانية، واستلهام مسارات التشكيل والحفر في جدران المعابد القديمة، واستخدام تقنيات الفحم والرصاص، من بينها لوحة «الفارس والحصان» برمزيتها الموحية بالشموخ والانطلاق نحو الشمس، وزخمها بمفردات دالة، وكتل معادلة للنحت بتجسيماته، وانسياب وجداني متدفق بالتأثيرية، وانطباعات ذات الفنان عن الموجودات في العالم الخارجي.

ينتمي سارديليتش إلى المدرسة الانطباعية، وقدم معارض عدة على مستوى العالم، وله مقتنيات كثيرة في متاحف أوروبية، فضلاً عن أنه يسعى من خلال إبداعه إلى تجسيد كل مأثورات ورموز الحضارات الإنسانية المختلفة، ورسم أهم الشخصيات السياسية والثقافية والفنية على مر العصور.

 

فضاء الأسلاف

في قاعة «الباب» في متحف الفن المصري الحديث، قدم التشكيلي أيمن السمري معرضه «الرحلة»، وضمنه رسومات معاصرة في فضاء الأسلاف، وأطلق خبراته كفنان معاصر في تجسيد أعمال تتناغم مع الموروث والحداثة، وتؤكد فكرته الرئيسة في مواكبة موجات التطور التي لحقت بالفنون التشكيلية خلال القرن الماضي.

لاقى المعرض حضوراً كبيراً من الجمهور والنقاد والفنانين، ودارت أسئلة حول فكرة «الرحلة» ودلالتها الرمزية، وإضافة الفنان المعاصر إنجازات الأسلاف على جدران المعابد والتماثيل والمنحوتات المختلفة، واستحضار منجز لحضارة تفصلنا عنها آلاف السنين.

من جهته، لفت الفنان أيمن السمري إلى  فلسفة معرضه، الذي يضم 43 لوحة في مجال التصوير «على مسطحات من الخشب القديم»، وتجسد شغف الإنسان المصري منذ القدم بفكرة «الرحلة»، وهو ما نلاحظه في رسومات القدماء من حرص يصل لدرجة المبالغة، بوجود السفينة ومجاديف كبيرة الحجم.

وأكد السمري أنها لم تكن مجرد سفن للتنقل من مدينة إلى أخرى، بل من عالم إلى آخر رغبة في استكشاف المجهول، وهو ما حاول أن يبرزه من خلال أعماله لتوصيل رؤيته الفنية.

كذلك أوضح أن المجتمع المصري لم يكن يوماً مغلقاً وأن الإنسان المولود على هذه الأرض يحب دائماً أن يكون منفتحاً على عوالم أخرى وحضارات جديدة، والدليل على تلك المكانة العظيمة في جميع مجالات الحياة أنها خلفت للبشرية حضارة خالدة لا تزال تبوح بأسرارها حتى يومنا هذا.

أشار السمري في عملين لرحلة العائلة المقدسة بدلالتها التاريخية، لأنها في الأساس رحلة من أرض إلى أرض ومن بيئة إلى أخرى، واستحضر التاريخ برؤية تشكيلية تتجاوز المعرفي إلى الخيالي، وتتسق مع قناعات الفنان في امتزاج الحضارات، والتواصل الثقافي والتجاري بين الأمم في عصور ما قبل الميلاد.

السمري لا يرتكن إلى أنماط فنية جاهزة، ويحقق شرط الإبداع في التجاوز، والتحليق إلى فضاء تشكيلي يتسم بالتجريبية، وتفجير الطاقات فوق مسطحات من الخشب القديم، وما يحمله من إيحاء برائحة الزمن، وجسارة ومغامرة الفنان في اقتفاء أثر أسلافه.

وعن رؤيته للمعرض، قال الناقد التشكيلي صلاح بيصار: تمثل أعمال أيمن السمري علامة في فنون ما بعد الحداثة، وهي أعمال تتألق بتنوع المجسمات والسطوح والمستويات من التجهيز في الفراغ، ويضفي عليها سحر البيئة المصرية وخصائصها الفريدة، ما يجعلها أيقونات تتواصل مع أصداء الماضي من الحضارة والتاريخ.

وإذا كان اللون الذهبي عند المصري القديم يمثل القداسة والخلود فهو لدى السمري، بمنزلة التعبير عن الإشراق الذي تمثله شمس مصر، ويجعل الزمن ممتداً في تعاقب وتواصل واستمرار، ويستطيع المتلقي أن يشاهد من خلال أعمال الفنان، ثراء الحضارة المصرية على مر العصور، و{ثيمات» ذات صلة بخبرات الفنان الحياتية والثقافية، ورؤيته لماهية الفن التشكيلي، فضلاً عن ارتباطه الوثيق بمعطيات متجددة في فضاء زمني ومكاني.

يًذكر أن أيمن السمري أحد أبرز التشكيليين المصريين من جيل التسعينيات، وحاصل على الدكتوراه في الأبعاد الأولية مع فنون ما بعد الحداثة، وأقام معارض خاصة عدة، مستوحاة من الطبيعة والخصائص الريفية المصرية.

back to top