من سريبرينيتشا إلى سورية: كيف يحدد مختبر واحد مصير الأشخاص المفقودين!

نشر في 11-11-2017 | 13:12
آخر تحديث 11-11-2017 | 13:12
No Image Caption
تحتوي الحقيبة الزرقاء التى تحمل ملصقاً على جانبها مكتوب عليه عبارة «بريد دبلوماسي» على شحنة مروعة: هي عظام وعينات لأنسجة بشرية تم انتشالها من مقبرة جماعية فى البوسنة.

ويتم نقل هذه الشحنة إلى مختبر في لاهاي لتجهيزها، حيث يتم تنظيف العينات وطحن العظام قبل تثبيتها إلى نوع من الشرائح أو الرقاقات.

ثم تضع عالمة الأحياء الدقيقة ميشيل بيك، الرقاقة في صندوق لا يبدو مختلفاً عن الماسح الضوئي المستخدم لأمن المطار، وتقول بيك: «إنه قارئ جيني.. أي أنه يقرأ الجينات».

ويقع المختبر في مجمع مكاتب غير ملحوظ، وعليه فإنه لا يُحظى تقريباً بأي بريق من أي من أفلام هوليوود.

لكن الأمر هنا يحتاج لمساعدة العلماء على إنهاء أحد أكثر الفصول مرارة في أي حرب: ألا وهي مسألة المفقودين.

وقد افتتحت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، التي أنشئت في تسعينات القرن الماضي، مؤخراً مقرها الجديد في لاهاي.

وهي المنظمة الوحيدة في العالم التي تركز فقط على تحديد مصير المفقودين، وذلك باستخدام الدبلوماسية والتكنولوجيا كأدوات رئيسية.

وقد تم تجهيز المختبر بأحدث التقنيات من قبل الشركة الألمانية «كياجين».

وتشرح بيك الأمر قائلة إنها «تكنولوجيا التسلسل.. حتى تتمكن من التعرف على الأشخاص فقط باستخدام أصغر العينات».

ومجرد قطعة صغيرة من العظام تكفي لتحديد شخص ما، وتقول بيك ضاحكة «إنهاً تقريبا مثل مسلسل سي اس أي» (مسلسل الدراما والجريمة الأمريكي الشهير).

وقد منحت التكنولوجيا الجديدة الأمل لملايين الأشخاص الذين لديهم أقارب مفقودين، وحتى بعد مرور سنوات على الوفاة، يمكن لأجزاء الجسم التي تكتشف أن تستعيد أسماء أصحابها - وليس فقط ضحايا الجرائم ضد الإنسانية والجريمة المنظمة، بل الكوارث الطبيعية والحروب أيضاً.

ويمكن بالمعرفة أن تنتهي فترة متقلبة من عدم اليقين لأحباء الضحية.

ومع ذلك، فإن اللجنة ليست منظمة إنسانية، كما تقول المديرة العامة كاثرين بومبرجر: «هدفنا الأساسي هو العدالة والحقيقة».

ويحق للأقارب معرفة ما حدث لأحبائهم، وكثيراً ما يكون لهم الحق أيضاً في الحصول على تعويض.

وتعمل اللجنة عن كثب مع المحاكم الدولية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، وعلى سبيل المثال في دراسة الأدلة الجنائية المتعلقة بمذبحة سريبرينيتشا في البوسنة عام 1995.

وقد تأسست اللجنة في العام 1996 بمبادرة من الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، من أجل اكتشاف مصير نحو 40 ألف شخص فقدوا خلال الحرب البوسنية.

وقد حل الخبراء منذ ذلك الحين أكثر من 70 في المائة من الحالات وحددوا أكثر من 90 في المائة من ضحايا سريبرينيتشا - ولم يكن ذلك ممكناً إلا باستخدام أحدث تكنولوجيا للحمض النووي لأن الصرب كانوا قد قطعوا الجثث ووزعوها في مقابر جماعية مختلفة.

كما ساعدت اللجنة في التعرف على ضحايا تسونامي 2004 في جنوب شرق آسيا وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة، وكذلك من الصراعات في ليبيا والعراق.

ولديهم الآن مهمة جديدة - هي تحديد مصير أولئك الذين فقدوا في الصراع في سورية، والذين يبلغ عددهم حالياً أكثر من 65 ألف شخص.

ويساعد مهند أبو الحسن، الذي فر من سورية، حيث كان يعمل في منظمة لحقوق الإنسان، اللجنة في هذا المشروع.

ويقول أبو الحسن (39 عاماً): «نحن جمعنا البيانات من أقارب المفقودين وأؤلئك الموجودون في السجون»، وهو نفسه سجن مرتين وفي النهاية تمكن من الفرار من البلاد.

ولكنه يعلم أن العديد من الأشخاص الآخرين لم يتمكنوا من الفرار مثله وبدلاً من ذلك اختفوا دون أن يتركوا أثراً خلفهم، وهو لا يعتقد أنه سيتم الكشف عن مصيرهم في يوم من الأيام على الإطلاق.

ويستطرد قائلاً: «ليحدث ذلك يجب على الحكومة التعاون.. ولكن النظام السوري لن يفعل ذلك أبداً».

وتعترف بومبرجر بأنه بدون تعاون حكومي، فإنه عادة يحكم على عمل اللجنة بالفشل.

وإقناع الحكومات بالعمل مع اللجنة هو أصعب وأهم وظائفها، وتقول بومبرجر: «سيكون ذلك صعباً للغاية في سورية».

ولكن مصير المفقودين لا يزال على رأس جدول الأعمال الدولي، وتقول بومبرجر إنه في إيطاليا، جرفت نحو 8 آلاف جثة لمهاجرين مجهولين في السنوات الأخيرة.

وتستطرد قائلة: «لدينا هنا التكنولوجيا للتعرف عليهم، ولكن ليس لدينا الوسائل».

back to top