بديع أبو شقرا: واقع المسرح في لبنان مزرٍ

نشر في 19-03-2012 | 00:01
آخر تحديث 19-03-2012 | 00:01
بديع أبو شقرا، ممثل حاضر غائب في لبنان، ناشط في المسرح الكندي منذ سنوات ويطلّ من حين إلى آخر على لبنان لتصوير أعمال درامية جديدة، وهو يحمل في جعبته راهناً بطولة مسلسلات رمضانية. عن أعماله ونظرته إلى الثورات وعن شؤون وطنية يدور الحوار التالي معه.

حدثنا عن مسلسلك الجديد «لولا الحبّ».

أبدأ قريبًا تصويره، وهو من إنتاج «مروى غروب»، إخراج إيلي ف. حبيب، كتابة كلود صليبا، وسيعرض في شهر رمضان. أجسد فيه شخصية طبيب متفهم وعلماني ومتحضّر يقع في غرام فتاة (نادين الراسي) بعدما يساعدها على تخطي مشكلة كبيرة إلا أن علاقتهما تتعرض لمصاعب عدّة.

ومسلسل «الرؤية الثالثة».

أنهيت في المبدأ تصوير مشاهدي فيه، لكن موعد إطلاقه غير محدد بعد والمحطة التي ستعرضه أيضاً، لأن «آروز برودكشن» التي تتولى الإنتاج شركة خاصة، بالتالي تعتمد مبدأ التنفيذ ومن ثم البيع.

أؤدي فيه دور البطولة إلى جانب الممثلة ألين لحود، وهو من كتابة طوني شمعون وإخراج نبيل لبّس. أتمنى أن ينعكس الانسجام بيني وبين لحود من جهة، وبيننا وبين المخرج من جهة أخرى إيجاباً على المسلسل.

و{الغالبون» في جزئه الثاني؟

أجسّد شخصية أحد رجال الأمن اللبنانيين.

يتناول «الغالبون» قصة المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل وسيعرض على شاشة «المنار» في شهر رمضان المقبل، ألا تخشى اعتبارك منحازًا إلى المقاومة الإسلامية أي «حزب الله» بسبب هذه المشاركة؟

أنا ممثل يؤدي دورًا عرض عليه لأنه أهل له. لا أعتقد أن المشاركة في هذا العمل الدرامي اللبناني تعني تسويقاً لفكرة معينة أو رؤية ما أو سياسة محددة، خصوصًا أن البعض شارك فيه على رغم توجهاته السياسية المختلفة. إلى ذلك أعتبر أن دعمي للمقاومة وتوقيته وكيفيته، إضافة إلى نظرتي الخاصة واتجاهي السياسي وآرائي الوطنية، كلها أمور شخصية لا تعني أحدًا، ثم لا يتعارض هذا المسلسل الذي يطرح رؤية معينة مع توجهاتي.

ماذا عن مسلسل «جنى العمر»؟

تدور الأحداث في حقبة الانتداب الفرنسي على لبنان، لكنه لا يطرح قضايا وطنية أو سياسية بل يتناول قصة حبّ. سنبدأ التصوير بعد شهرين، وهو من إنتاج «أفكار برودكشن»، إخراج ليليان بستاني، كتابة ماغي بقاعي.

مثلت في فيلم «رصاصة طائشة» الذي يتحدث عن حرب 1975 في لبنان، وفي «الغالبون» عن المقاومة الإسلامية ضد اسرائيل، وفي «جنى العمر» عن حقبة الانتداب الفرنسي، ما رأيك بالخلاف الدائر حول كتابة التاريخ اللبناني؟

لن يكتب التاريخ اللبناني ما دمنا لا نتقبل الآخر على ما هو عليه ولا نتوافق على أبسط الأمور بسبب غياب القانون والدولة التي يفترض أن تكون الإشارة الحمراء والخضراء التي تسيّر المواطنين من دون تمييز. تظهر هذه المسألة المطروحة بنية الدولة اللبنانية المؤسساتية غير الواضحة، بفعل المشاكل الاجتماعية والطائفية المتشبّعة فينا. لذلك يجب الاقتناع أولا بأننا لن نستطيع العيش في مجتمع تسوده اتجاهات متضاربة إلا تحت سقف دولة تخدم بصيغتها الأديان أكثر مما تضر بها.

تطرح هذه الأعمال الدرامية وجهة نظر فئة معينة، ألن يقتصر مشاهدوها على هؤلاء؟

ربما، إنما يمكن أن يتابعها الآخرون كقصة درامية أيضًا. على رغم بعض التحفظات على الأعمال التي مثلت فيها إلا أن لكل شخص الحرية في تبني وجة نظر تريحه، لذلك أشارك انطلاقًا من خبرتي الفنية وليس بهدف التسويق لفكرة معينة.

هل تعبّر هذه الأعمال عن المجتمع المنقسم؟

طبعًا، لكن الانقسام ليس هو المشكلة، بل تخطي القانون. إذ لا يجوز لوم الشخص على فكره وتوجهاته ما دمنا جميعنا تحت سقف القانون، ولا يجوز أن يتخطى هو القانون في حين يجبر الآخرين على الخضوع له.

هل تؤيد الثورات العربية الراهنة؟

أؤيد الشعوب كافة بغض النظر عن نتيجة ثورتها وتحوير أهدافها، لأنني أؤمن بالحرية والديمقراطية إلى أقصى حدود وأرفض قمع الإنسان بسبب فكره وإتجاهه.

هل ستنعكس هذه الثورات على مضمون الأعمال الفنية العربية برأيك؟

ثمة ترقب لِما ستؤول إليه الأحداث، خصوصًا بعد التجربة المصرية الفاشلة في بناء دراما ضد الحكم السابق فور سقوطه، لأن الأوضاع لم تكن قد تبلورت بعد، ثم تنتظر رؤوس الأموال المسيطرة عمليًا على الإنتاج الفني توجه الشعوب المستقبلي لمعرفة في أي اتجاه تستثمر أموالها وتربح.

ألن يؤدي هذا الانتظار إلى ركود إنتاجي؟

كلا، لأن الدراما ستجد حتمًا مواضيع أخرى تطرحها.

إلى أين ستتجه برأيك الأموال المنتجة للدراما؟

في ظل ما يحدث في سورية ومصر وتونس، ستتأثر الدراما العربية بالرقابات الدينية والسياسية. بالتالي، ستتجه إلى لبنان الذي يشكّل مرتعًا لها بفضل حريته وجماله وحيويته، إنما أنا حذر من ترّقب لبنان للأحداث وانتظاره لبلورة اصطفافه المستقبلي لأنه ملحق بالآخرين، لذلك أخشى ألا نكون قادة في الهجمة الدرامية العربية علينا، بل موظفين فيها.

ألن تستفيد الدراما الخليجية برأيك؟

طبعًا ستستفيد لأنها تتميّز بتوجهها الهادف إلى جمهورها الخليجي ومحاكاتها لمجتمعها، وهذه ناحية إيجابية لأنها تؤمّن لها التطور والتقدم على رغم عدم انتشارها في العالم العربي.

كيف تنسّق بين نشاطك في المسرح الكندي ومشاركتك في الدراما اللبنانية؟

أحظى بعطلة سنوية من المسرح الكندي أحضّر خلالها ثلاثة أو أربعة أعمال درامية في لبنان، تتفاوت أدواري فيها بين صغيرة وكبيرة.

مع تزامن توقيت تصويرها، ألا تضيع بين الشخصيات والأدوار؟

تزامن أوقات التصوير بين عمل وآخر يوّلد شعورًا بالضياع والرتابة، إذ بدلا من أن يحمل الممثل همّ أداء الشخصية والتصوير ينشغل في التوفيق بين الأعمال، إذ تمنعه حاجته إلى تأمين لقمة عيشه في ظل المشاكل الاقتصادية الراهنة من التفرغ لعمل واحد.

ألا يرتدّ هذا الأمر سلبًا على الأداء؟

طبعًا، يرتدّ على فريق العمل بأكمله، إذ يضطر الممثل بعد ساعات من التصوير إلى الانتقال إلى مكان تصوير آخر والعمل ساعات إضافية. يجب أن يستدرك القيمون على الدراما هذا الأمر من خلال دفع الأجر المطلوب للممثل ليتفرغ لمسلسل واحد، فهو لن يصمد طويلا أمام هذا الضغط الذي يعيشه.

شاركت في ثلاثة مشاهد في الفيلم اللبناني «تاكسي البلد»، برأيك ألا تستأهل مشاركة توازي حجمك الفني؟

المشاركة في أفلام لأصدقاء ضحوا لتقديم فيلم سينمائي لا تقاس بمدى اقتناعي بالدور إنما بكوني جزءًا من تجربتهم، لأننا ندعم بعضنا البعض بشتى الوسائل الممكنة.

ألست مثاليًا بعض الشيء؟

عندما تعرض عليّ فكرة من هذا النوع لا آخذ في الاعتبار مسيرتي الفنية، لأن هذا الأمر لا يتكرر دائمًا بل يقتصر على مرات محددة يقدم فيها المرء خدماته لصديقه. مع الإشارة إلى أننا تقاضينا أجرًا جيدًا في مقابل مشاركتنا هذه.

ما رأيك في الأفلام اللبنانية الراهنة مثل «كاش فلو» و{إنسان شريف»؟

بغض النظر عن نتيجة الأعمال السينمائية اللبنانية، أعتبر توافرها أمرًا إيجابيًا كونها دليلا على أن حال المجتمع صحيّة. انطلاقًا من تحليل ثقافي فنّي عام، يدل نشاط المسرح والسينما في المجتمع إلى صحته فيما اقتصار أعماله على التلفزيون دليل مرض.

ما يعني أننا على سكة الفن الصحيح.

كلا. أعمالنا عبارة عن تجارب وطموح ونضال للوصول إلى مجتمع يزخر بمقومات فنية صحيحة، خصوصًا في ظل هجمة وسائل الإعلام واعتبارها الفن الأول في لبنان.

كيف نؤّمن برأيك السكة الصحيحة؟

تتطلب السكة الصحيحة صندوقًا للمسرح ونشوء مؤسسات خاصة ورسمية تفرض تقديم عشرين أو ثلاثين مسرحية وعشرة أفلام أكاديمية وجماهرية سنوياً.

اختيرت مسرحيتك الكندية «الثواني الخمس عشرة الأخيرة من حياة مصطفى العقاد» بين الأعمال المسرحية العشرة الأولى في كندا، كيف تمّ ذلك؟

عرضنا هذه المسرحية منذ خمس سنوات في كندا والشرق الأوسط، وقد نالت المؤسسة المسرحية التي أعمل فيها MT Space الجائزة وليست المسرحية بحد ذاتها. نحن في صدد عرض مسرحية جديدة هي «الغرفة 13 لتغيير الملابس» في كندا وأظنّ أن حظوظ عرضها في أوروبا كبيرة.

ما رأيك بواقع المسرح اللبناني؟

التجربة المسرحية اللبنانية مهمة إنما واقع المسرح مزرٍ، خصوصًا أنه الداعم غير المباشر للدراما في التلفزيون والسينما. المسرح اللبناني تعوزه بنية مادية وخططاً مرسومة وموازنة دورية لئلا تنخفض أعماله السنويّة.

قدمت مسرحيات مهمة في لبنان ولكن الجمهور يتذكرك في أعمال تلفزيونية أكثر، ما السبب؟

ينطبق هذا الأمر على الممثلين حول العالم. يحصد الممثل التلفزيوني جماهرية وشهرة بغض النظر عن مستواه الفني وقيمة أدواره، فيما يحصد الممثل المسرحي قيمة فنية.

ثمة حركة إنتاجية درامية لبنانية، ما رأيك فيها على صعيدي النوعية والكميّة؟

الحركة الدرامية متطورة ظاهرياً، فبعدما تأملنا خيرًا بزيادة الإنتاج والاستثمار وأجور العاملين في هذا القطاع، اكتشفنا أن كمية الإنتاجات تزيد في مقابل خفض الماديات على صعيدي الاستثمار والأجور. أما بالنسبة إلى القضايا المطروحة، فهي ترضيني لجرأة بعضها وعمق بعضها الآخر وتضمنها بعض الترفيه القيّم أحيانًا. لكن لا شك في أن الدراما لا تعكس الشارع اللبناني.

ما السبب؟

تؤمن المحطات المحلية الإنتاجات الدرامية بنفسها بعد فشل تجارب الشركات الخاصة في الإنتاج ومن ثم البيع، إضافة إلى الاستثمار الرديء والخشية من صرف مبالغ ضخمة وغياب فريق العمل المحترف وعدم انتشارها عربيًا.

كيف يمكن مواجهة هذه المشاكل؟

عبر قانون يفرض ساعات معينة لعرض الدراما اللبنانية على محطاتنا الأرضية والحدّ من الأعمال الغربية والعربية، تسويقها في الدول العربية لتمتعها بخصوصية معينة وحرية، وهي لا ترضخ للرقابة العربية متى عرضت على فضائياتنا اللبنانية.

back to top