تقرير سياسي الحركة الشعبية الدستورية... طريق مفروش بالورود أم بالألغام؟ تأبين مغنية بتر الذراع الشيعية في حشد نتيجة الضغوط القبلية مسؤوليتها كبيرة في تغيير الممارسة السياسية لمعظم أبناء المناطق الخارجية والقضاء على الفرعيات

نشر في 22-11-2010 | 00:00
آخر تحديث 22-11-2010 | 00:00
بعد النجاحات التي حققتها كتلة العمل الشعبي على الصعيد البرلماني - بحسب ما يراه أعضاؤها - وتكوينها قاعدة كبيرة من المؤيدين، بدأت الكتلة في التفكير جدياً في التحول إلى تنظيم سياسي على غرار التنظيمات السياسية المحلية الرئيسية (المنبر الديمقراطي، والحركة الدستورية الإسلامية، والتحالف الوطني الديمقراطي، والتجمع السلفي والتحالف الإسلامي) وخطت الكتلة خطوات واسعة في هذا الاتجاه برغم تحفظ بعض قياداتها عن قرار التحول، وينتظر أن تعلن الكتلة انتقالها إلى مرحلة «الحركة الشعبية الدستورية – حشد» خلال الأسابيع القليلة المقبلة على أبعد تقدير.

ورغم أن الأحزاب السياسية في الكويت غير مشهرة قانوناً ولا تنظمها نصوص تشريعية، فإنها تمارس دورها السياسي بحرية كاملة، من خوض الانتخابات بقوائم وعقد الجمعيات العمومية وإنشاء مقرات وغير ذلك، ويبدو أن السوق السياسي قادر على استيعاب المزيد من التنظيمات السياسية الحقيقية كـ»حشد»، والذي يُنتظَر أن يكون إشهارها إضافة جديدة إلى العمل السياسي.

التنظيمات والتجمعات السياسية في الكويت تعرضت لهزات عنيفة خلال مسيرتها وتاريخها، ومازالت معرضة لهزات جديدة خاصة أن افتقادها لقانون ينظم عملها خلق منها كيانات هشة البنية الداخلية، هذا من جانب، ومن جانب آخر استطاعت الحكومة فتح ثغرات عديدة داخل معظم التنظيمات الحالية، وزرع ألغام موقوتة فيها تستخدمها متى ما ارتأت الحاجة، هذا مع «سيطرتها» على تنظيمات أخرى بالكامل، ولعل من أهم مشاكل التنظيمات في الكويت غياب الالتزام مع التنظيم حتى وإن اختلفت الآراء، وهذا ما تعانيه جميع القوى السياسية في الكويت بلا استثناء، وهذا يشكل صداعاً مزمناً يصعب علاجه وفق الظروف الحالية المحيطة بالتنظيمات.

وتدرك كتلة العمل الشعبي أن الانتقال إلى مرحلة التنظيم السياسي سيعرضها لتلك التحديات والمشاكل وربما التصدعات، علماً بأن كثيراً من مؤسسي «حشد» أعضاء في تجمعات سياسية سابقة اختلفوا معها وانشقوا عنها، وتصدع التنظيم وهو في مهده أمر وارد بقوة وهو ما لا يتمناه أعضاؤها ولا المقربون منها.

ولأن «حشد» لا تنطلق من امتداد فكري ديني أو انتماء طائفي، ويحمل نوابها في البرلمان توجهات مبنية على النصوص الدستورية، فهي تمثل إضافة مهمة إلى مؤسسات المجتمع المدني بعد تفرد القوى الدينية بالسيطرة على مفاتيح اللعبة السياسية وتراجع القوى الوطنية والليبرالية وتفككها.

ولكن هل الطريق إلى «حشد» مفروش بالورود؟

قد يكون تأسيس «حشد» هو من أصعب تأسيسات الحركات السياسية في الكويت في تاريخها الحاضر، ولعل أبرز مشاكلها تمركز قواعدها في ما يسمى المناطق الخارجية ذات التوجه القبلي الديني، وانحسار مدها في المناطق الداخلية، وهي أزمة حقيقية تواجه «حشد» سنتحدث عنها بمزيد من التفصيل في سياق هذا التقرير.

ومن القضايا الرئيسية التي تحتاج «حشد» إلى إدارة ملفها بعناية فائقة والانتهاء منها قبل إعلان قيام التنظيم، هي العلاقة مع القوى السياسية الشيعية بكل أطيافها، فـ»الشعبي» مازالت تحصد ثمار موقف أعضائها من زميليهم السابقين النائب سيد عدنان عبدالصمد والنائب السابق أحمد لاري في ما عُرِف بقضية «تأبين مغنية»، والتي بتر فيها «الشعبي» ذراعه الشيعية نتيجة الضغوط «القبلية» على التكتل لفصلهما، وإعلان النائب السابق محمد الخليفة في حينه استقالته من «الشعبي» إن لم يُعزلا (أي عبدالصمد ولاري) من التكتل.

وقد يكون الرد على هذه المعضلة بالقول إن النائب د. حسن جوهر من المقربين لـ»الشعبي» بالإضافة إلى وجود مؤسسين وأعضاء ينتمون إلى التكتل أو «حشد»، غير أن واقع علاقة النائب جوهر مع «الشعبي» تخالف هذا القول، فهو قريب متى ما استدعت الحاجة السياسية وبعيد متى ما استدعت الضرورة الانتخابية، وله تصريحات عدة بأنه لن ينضم إلى التكتل الشعبي، وهذا خياره خلال الانتخابات البرلمانية السابقة، وهذا حاله الآن إذ إنه ليس عضواً في التكتل برغم مرور ثلاثة أدوار انعقاد من الفصل التشريعي الحالي، وانضمام كل من النائبين خالد الطاحوس وعلي الدقباسي إلى التكتل، غير أنه فضّل الاشتراك معهم في معظم الاقتراحات النيابية والتنسيق مع الكتلة مع الحفاظ في الوقت ذاته على مسافة أمان بينه وبينهم.

أما الأعضاء والمؤسسون من الشيعة فهم لا يمثلون وزناً وثقلاً داخل البيت الشيعي - مع كامل التقدير والاحترام لهم - وقد يكونون نواة مستقبلية إلا أنها قد لا تثمر مع الوقت بسبب الخلاف الرئيسي المعلق – حتى الآن – مع القوى السياسية الشيعية، وقد تنتهي هذه النواة إلى لا شيء، ويتحول «حشد» إلى تنظيم سياسي سني.

وعودة إلى المعضلة، التي نراها الأهم في مراحل تأسيس «حشد»، ألا وهي أن أغلب قواعدها من أبناء المناطق الخارجية ذات الانتماءات القبلية، الأمر الذي من شأنه أن يشكل مواجهة داخلية مبكرة بين مؤيديها وبين ممثليها في البرلمان ومرشحيها مستقبلاً.

فالحركة الشعبية الدستورية وبناءً على توجهاتها – المفترضة - فهي ضد الانتخابات الفرعية أو التشاورية أو أياً كان مسماها مستقبلاً، فالنائب مسلم البراك يخوض الانتخابات العامة ولا يشارك في فرعية قبيلته من منطلق إيمانه بعدم قانونيتها بعد أن جُرِّمت، وهذا بخلاف النائبين علي الدقباسي وخالد الطاحوس اللذين خرجا من رحم الانتخابات الفرعية، كما أن النائب السابق محمد الخليفة شارك في الانتخابات لكن لم يحالفه الحظ، أما مرزوق الحبيني فخاض الانتخابات الفرعية ولم ينجح فيها وهذا أبعده عن مقعده.

لذا تجد «حشد» نفسها وهي في أولى خطواتها أمام مسؤولية كبيرة في تغيير الممارسة السياسية لمعظم أبناء المناطق الخارجية، الذين يضعون الانتخابات الفرعية في مرتبة تسبق الانتخابات العامة، بل إن أي انتخابات تُجرى في المناطق الخارجية أصبحت «الفرعيات» من متطلباتها، حتى أنها وصلت إلى مرحلة من التفاصيل أنها تُجرى على مستوى الأفخاذ داخل القبيلة أولاً.

وتغيير هذا السلوك الانتخابي سيكون بمنزلة تحدٍّ كبير أمام «حشد» إذا ما أرادت أن تثبت نفسها ومبادئها الدستورية، والسؤال هنا، هل ستُلزم «حشد» مرشحيها في المستقبل عدمَ المشاركة في «الفرعيات»؟ وهل ستمنع أعضاءها من تلك الممارسة؟ علماً بأن «الشعبي» كثيراً ما كانت تقول إنها تجمع برلماني وليست تنظيماً سياسياً ولا علاقة لها بالطريقة التي وصل بها نوابها، ماداموا ملتزمين بمبادئ الكتلة تحت قبة البرلمان، حين يوجه إليها اتهامات بمخالفة بعض نوابها القوانين ومشاركتهم في «الفرعيات».

وإن فشلت في مهمتها تلك فسيتفشى سرطان «الفرعيات» إلى داخل جسد «حشد» مستقبلاً، وينتهي التنظيم مبكراً.

ويدرك «حشد» أيضاً أن الدستور ليس دفاعاً عن المال العام فقط، بل أيضاً حماية الحريات بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ منصوص عليها في الدستور، وهنا قد تدخل في تضاد ما بين التوجه القبلي الديني ومدنية الدستور وعلمانيته، مما سيضع «حشد» في نفق يتعارض مع كثير من النصوص الدستورية خاصة في ما يتعلق بحريات الأديان وحرية التعبير، وتلك مسؤولية أخرى ستتحمل وزرها «الشعبي» و»حشد» إذا ما أرادتا فعلاً الاستمرار على النهج الدستوري.

ومن المناطق الخارجية إلى الداخلية، فهناك تركيبة انتخابية وسياسية مختلفة تماماً عن مركز انطلاق «حشد» الرئيسي في الدائرتين الرابعة والخامسة، ولا يكفي وجود النائب أحمد السعدون زعيماً وعراباً يمثلها عن الدائرة الثالثة، بل إن التوجه «الشعبوي» العام للكتلة البرلمانية شكل هماً سياسياً – في كثير من الأحيان - على السعدون نفسه، فنجد مواقف له تتواءم مع توجه ناخبيه وقناعته ودائرته وتخالف زملاءه في الدائرتين الرابعة والخامسة وقناعة ناخبيهم.

وتدرك «الشعبي» جيداً أن خطها السياسي – في غالب الأحيان - لا يتواءم مع طبيعة ناخبي الدائرتين الثانية والثالثة، خاصة في القضايا ذات الطابع الاقتصادي، بل إن «التطرف» في القيام بالدور الرقابي على حساب التشريع، وحدة السجالات التي يدخل فيها أعضاء «الشعبي» مع زملائهم من النواب أو الحكومة، وتوالي التصعيد والتهديد بالأدوات الدستورية كأسلوب عمل سياسي لا يحظى بقبول في الدائرتين، بعكس الدائرتين الرابعة والخامسة.

ولتحقيق التوازن في الخطاب السياسي ما بين الدوائر الانتخابية، وكذلك المواقف، لتحقيق الانتشار وزيادة المؤيدين والقواعد يحتاج إلى إعادة شاملة في آلية العمل، ولا يبدو أن العملية ستكون سهلة على المديين القريب والمتوسط، وقد لا تنجح أيضاً على المدى البعيد، فالعوامل والمتغيرات السياسية في الكويت وتسارع الأحداث تجعل من المستحيل التكهن بالمستقبل. إذن طريق «حشد» مليء بالألغام والأشواك.

تأسيس تنظيم سياسي لا يخلو من المعوقات والألغام، والانشقاقات والإخفاقات، والإنجازات الشخصية والتاريخ لا يمكن أن يكونا - فقط - قاعدتين أساسيتين يُبنى عليهما المستقبل، وما تحتاج إليه «حشد» وهي في طور التأسيس أكثر من أسماء لامعة أمثال النائبين أحمد السعدون ومسلم البراك، وكتاب لهم حضورهم الإعلامي أمثال الزملاء سعد العجمي ومحمد الوشيحي وسعود العصفور.

وما ذكره النائب البراك عن توقعاته بحضور ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص في المؤتمر السياسي الأول لـ»حشد» يمكن أن نطلق عليه «غروراً سياسياً» - وليعذرنا في هذا الوصف البراك – ليس بالضرورة أن يزيل المعوقات. وللتنظيمات السياسية في لعبة الأرقام تجارب.

ما تحتاج إليه «حشد»، وهي تدرك جيداً أن خصمها الأول اليوم يتمثل في السلطة والنظام، التأكد من فهم قواعدها لمبادئ التنظيم وأهدافه، وفهم التنظيم لمتطلبات قواعده ورغباتها، وأن العلاقة ما بين التنظيم والقواعد يجب أن ترتكز على مسطرة الدستور، فلا ينجرف التنظيم لأهواء القواعد وقد تكون غير سليمة، ويمارس دوره في التوجيه والقيادة وليس العكس.

كما أن التعامل مع التنظيمات السياسية، وخاصة الصديقة منها يجب أن يكون على مستوى أفضل من الوضع الحالي، إذ تنفرد «الشعبي» في كثير من المواقف السياسية والبرلمانية دون التنسيق مع القوى الأخرى والنواب، فـ»حشد» لا تريد أن تكون كاليتيم في الساحة. ومد جسور التعاون والتنسيق من شأنه تعزيز التنظيم أولاً وتحقيق الأهداف بيسر بعيداً عن تحركات اللحظة الأخيرة التي تعيشها معظم القوى السياسية اليوم.

أما العلاقة مع النظام والحكومة، فهي ستكون رهينة الأحداث، ولأن السياسة فن الممكن، ولا يوجد فيها عدو أو صديق دائم، فعلى «حشد» التخلي عن التشنج السياسي في ما لا يخالف مبادئها ولا يتعارض مع الدستور، وليست المعارضة أن تكون ضد السلطة والحكومة في جميع الأمور.

ستظهر «حشد» في نهاية المطاف، وغيرها تنظيمات سياسية أخرى تنتظر دورها ستملأ الساحة، وتلك قراءة في مستقبل «حشد» قد يجانبها الصواب أو الخطأ، في بعضها أو مجملها.

back to top