أشعار عمر الزعنّي في الانتخابات اللبنانيّة

نشر في 28-05-2009 | 00:00
آخر تحديث 28-05-2009 | 00:00
في خضم الانتخابات النيابية اللبنانية تعود الذاكرة الى الشاعر الانتقادي عمر الزعنّي الذي اشتهر في أربعينات القرن الماضي بأشعاره اللاذعة. لم تتحقق العودة لأهمية قصائد هذا الشاعر، بل لأن كلمته تذكرنا بالواقع الراهن، الواقع السياسي اللبناني المنبري، و{طقوس» العضلات الكلامية على هذا المنبر أو ذاك... طقوس الجنون السياسي في لبنان.

من أين نبدأ مع عمر الزعني؟ من ألقابه، أم من كلماته وطريقته في الانتقاد؟! بعدما ولدت جمهورية الاستقلال في لبنان عام 1943، اتخذ رياض الصلح، أول رئيس وزراء لبناني في عهد الاستقلال، إجراءً بضرورة تشجيع الشعراء اللبنانيين على كتابة الشعر الغنائي، باللهجة اللبنانية المحلية بدلاً من المصرية. وكانت دار الإذاعة اللبنانية تأسست عام 1938، وكان الزعني أحد أبرز أعضائها الذي قال عنه الناقد عمر فاخوري إنه «أحد أعظم الهجّائين بين شعرائنا لأنه استحدث الهجاء الاجتماعي»، وقال عنه أمين الريحاني: «عمر الزعني ليس شاعراً فحسب، إنه مربي الأجيال».

الزعني أشبه بحكاية لم تُكتب فصولها. كثيراً ما يحكي المغني والموسيقي أحمد قعبور عنه، خصوصاً عندما يتحدث عن بيروت، ويستشهد به كثيراً بعض الكتاب في إطار التوظيف السياسي والكلام الساخر، لكن لم يلجأ أحد الى كتابة دراسة رصينة عن سيرته وكتاباته. كل ما يقال عنه أشبه بنثرات من هنا وهناك.

كان الزعني الأساس الصلب لرصيد الفكاهة والسخرية في الأغنية اللبنانية، وتعددت تأويلات فكاهته في النسيج الثقافي، فمنهم من يراها انعكاساً لألوان بيروت المتنوعة، وبعضهم لا يصنفها في خانة الشعر، وثمة من يضعها في إطار إيديولوجي - سياسي، وآخرون يوظفونها في بعض الحملات السياسية راهناً.

سخر الزعني من الواقع المزري لمحدودي الدخل في لبنان، ورفاهية الخيل في إسطبلات الطبقة اللبنانية الميسورة التي كان بعض أفرادها من هواة تربية خيول السباق. يقول في أغنيته «لو كنت حصان»:

لو كنت حصان شو عَ بالي

أبو زيد خالي راسي عالي

من الهمّ خالي عايش سلطان

لو كنت حصان.

لو كنت حصان في بيت سرسق

باكل فستق باكل بندق

ما كنت بسرق زي الزعران

لو كنت حصان

من سوء حظّي مخلوق إنسان

في جبل لبنان ذليل مُهان

جوعان هفيان حافي عريان

آه يا ريتني حصان.

أثارت الأغنية ضيق الوزير الراحل هنري فرعون، فتقدّم بشكوى من كاتبها الذي سُجن ثلاثة أشهر في سجن الرمل، كما يروي الدكتور فاروق الجمال في كتابه «حكاية شعب». وشاعر بيروت لم يكن يحلم بأن يمتطي الحصان، بل تمنّى أن يكون حصاناً في إسطبلات فرعون في ميدان السباق، وفي وصفه المشهد السياسي يقول:

«من القنطاري إلى رأس النبع

اشتغل السفّ اشتغل البلع».

آنذاك كان بشارة الخوري يعيش في القصر الجمهوري في القنطاري! وكان رياض الصلح يسكن في رأس النبع! أما الشاعر فوجد نفسه في حبس الرمل حيث أُصيب بمرض السكري وبدأت صحته في التدهور.

ورغم أن الزعني كتب وغنّى كثيراً في مديح العهد الاستقلالي الأول، وزعيمه رئيس الجمهورية بشارة الخوري، فإنه لم يتأخر في النقد اللاذع لسلبيات العهد الاستقلالي الأول، خصوصاً عندما قرر الخوري مخالفة الدستور، وتجديد ولايته في رئاسة الجمهورية، فغنى له الزعني إحدى أشهر أغنياته في النقد السياسي:

جددلو ولا تفزع

خليه قاعد ومربع

بيضل أسلم من غيره

وأضمن للعهد وأنفع.

وكتب عن بيروت:

يا ضيعانك يا بيروت

في مناظر عالشاشة

يا خداعه وغشاّشة

يا عروس بخشخاشه

يا مصمودة بالتابوت

يا ضيعانك يا بيروت

الخواطر مكسورة

والنفوس مقهورة

والحرية مقبورة

والكلام للنبوّت

الجهّال حاكمين

والأرذال عايمين

والأنذال عايشين

والأوادم عمّ بتموت

ما في هيبة ولا وقار

بالأحكام إستهتار

وين ما مشيت لعب قمار

بالنوادي وبالبيوت

يا ضيعانك يا بيروت

الغريب بيتمخطر

والقريب بيتمرر

واللي بيفوت ما بيضهر

واللي بيضهر ما بيفوت

يا ضيعانك يا بيروت

لو بقي الزعني الى اليوم، ماذا يكتب في موسم الانتخابات النيابية اللبنانية؟ ربما كان فقد دوره في زمن التلفزيون، ليتحوّل أقطاب السياسة الى زجالين على المنابر.

اللافت أن الثقافة اللبنانية تسرف في إطلاق الألقاب على الزعني، فتارة هو «شاعر الشعب» رغم أن معظم صوره يضعه الى جانب رجال السلطة، فهو وإن انتقد رجال السياسة، إلا أنه انطلق بدعم من رياض الصلح، وتارة هو «موليير الشرق» وأخرى «فولتير العرب» كأن الشاعر أو الكاتب لا يكتمل إبداعه الا إن تمت مقارنته بأحد أقطاب الغرب.

نبذة

أعطاه أبوه الشيخ محمد اسم جده عمر. ولد في محلة زقاق البلاط ببيروت عام 1898، ودخل عام 1900 الكليّة العُثمانيّة. من زملائه في الكليّة، الأديب عمر الفاخوري، الشاعر عمر حمد، الأخوان محمد ومحمود المحمصاني، محمد عز الدين، عبد الله المشنوق، رياض الصلح، عبد الغني العريسي، والدكتور مليح سنو.

في العام التالي، التحق عمر بفرقة المدرسة الموسيقية، وظل فيها حتى تخرّجه عام 1913. بعد ذلك عمل مدرساً في مدرسته حتى عام 1914، حين اندلعت الحرب العالمية الأولى. فسافر إثرها من بيروت إلى حمص في سوريا، والتحق بالمدرسة الحربية، التي تخرّج فيها بعد ستة أشهر برتبة ضابط إداري. وبعد انتفاضة 1916 وإعدام الشهداء على يد جمال باشا في 6 مايو (أيار)، أُبعد الزعني إلى فلسطين. ولم يعد إلى مدينته إلاّ مع نهاية العهد العثماني عام 1918.

في فلسطين عمل الزعني مدرّساً، وبعد عودته إلى بيروت عمل مديراً في الكلية الإسلامية عام 1919، ومدرساً للموسيقى في مدرسة ماري كسّاب، ثم موظفاً في المحكمة البدائية، وبدأ دراسة أكاديمية في الجامعة اليسوعية. وانطلق برحلته الحقيقية في الشعر بقصيدة «الحجاب» واستمر حتى وفاته عام 1961، مخلفاً تراثاً كبيراً يضم أكثر من ألف قصيدة انتقادية فولتيرية، تتكلّم بلسان الشعب، باللغة المحكية والكلام اليومي، الواضح والجارح.

back to top