طوابع بريدية تسرد تاريخ الإمارات العربية

تعتبر شاهداً على التطورات الكثيرة التي عاشتها البلاد

نشر في 22-05-2019
آخر تحديث 22-05-2019 | 00:00
طوابع بريدية
طوابع بريدية
لا يقتصر التاريخ على الكتب، بل يُلصق أيضاً على الجهة الأمامية من الظروف. وفي حالة الإمارات العربية المتحدة، تشكّل قطعة الورق المربعة الملونة هذه في الزاوية اليمنى العلوية مرشداً معبراً عن التطورات الكثيرة التي شهدتها قصة هذا البلد. وضمن هذا الإطار، احتضنت إمارة رأس الخيمة معرضاً للطوابع القديمة يستعرض تاريخ هذه القطعة الورقية المربعة.
تشمل هذه الطوابع الأولى التي أصدرتها حكومة رأس الخيمة، وقد ظهرت عليها صورة الحاكم الراحل الشيخ صقر بن محمد القاسمي، فضلاً عن شجر نخيل وداو مبحر. كذلك حملت عبارة "Ras Al Khaima"، اسم الإمارة بالخط العربي القديم، وقيمتها بالروبية الهندية. تُظهر هذه الطوابع التي صدرت في عام 1964 أن رأس الخيمة كانت تسير على الدرب نحو الاستقلال مع أنها ما كانت قد بلغته بعد.

القرن التاسع عشر

كانت هذه السنة التي أسست فيها رأس الخيمة مكتبها البريدي، علماً أنها كانت آخر إمارة تتخذ هذه الخطوة بين الإمارات السبع. كانت العملة المتبعة الروبية، كما فرضت بريطانيا التي تولت شؤون رأس الخيمة الخارجية بعد سلسلة من المعاهدات في القرن التاسع عشر والحملة التي شنها جنودها على هذه المدينة في عام 1809.

وانطبق الأمر عينه على الإمارات الست الأخرى، لذلك من الممكن ملاحظة يد الإمبراطورية البريطانية الطولى في الترتيبات البريدية طوال أكثر من مئة سنة في الإمارات العربية المتحدة، التي دُعيت آنذاك إمارات الساحل المتصالحة.

طالبت مجموعة من التجار من كراتشي تعيش في دبي بإقامة فرع لخدمات البريد الهندية في المدينة. وحصلت على مبتغاها في 19 أغسطس عام 1909. وطوال خمسين سنة، خرجت الطرود والرسائل من المدينة وهي تحمل علامة تعطيل لطوابع تحدد مصدرها "دبي".

كانت الطوابع المستعملة أحياناً بريطانية وهندية، وصارت بعد الاستقلال عام 1947 من باكستان ولاحقاً من مسقط في سلطنة عمان حتى عام 1961 حين صدرت طوابع إمارات الساحل المتصالحة.

خدمات بريدية

في أبوظبي، كان النظام أكثر تعقيداً، قليلون الأجانب الذين كانوا يزورون هذه الإمارة قبل خمسينيات القرن الماضي. ولم تنشأ حاجة حقيقية إلى خدمات بريدية إلا مع وصول أعداد كبيرة من المهندسين وعمال البناء بغية التنقيب عن النفط.

كان كثيرون من هؤلاء يعيشون في جزيرة داس، وبدءاً من منتصف خمسينيات القرن الماضي، صار البريد يصل مباشرةً من البحرين، حيث أقامت وكالة البريد البريطانية لشرق شبه الجزيرة العربية مقرها، وهكذا حملت الرسائل التي بُعث إلى الوطن علامة "البحرين" البريدية، وإن أُرسلت من مكتب الوكالة في داس.

تبدل هذا الوضع عام 1963، بحلول تلك الفترة، كان النفط يتدفق وراحت مدينة أبوظبي تتوسّع يومياً مع تنامي عدد سكانها بسرعة. في شهر مارس من تلك السنة، فتحت وكالة البريد البريطانية أول فرع لها في أبوظبي، واقترحت أن تستعمل طوابع إمارات الساحل المتصالح التي صدرت بادئ الأمر في دبي وحملت صور أشجار نخيل ومراكب داو.

الروبية الهندية

حُددت قيمتها بخمسة بيزات، التي كانت كل مئة منها تشكّل روبية واحدة. لم تحظَ هذه الفكرة برضى حاكم أبوظبي الشيخ شخبوط الذي أراد طوابعه الخاصة. وفي 30 مارس عام 1964، أصدرت أبوظبي طوابعها الأولى التي حملت صورة الشيخ شخبوط، فضلاً عن غزال، القصر الملكي في قصر الحصن، وحتى حفار نفط في صحراء تجوبها جمال.

حُددت قيمة هذه الطوابع بنسخة من الروبية الهندية عُرفت بروبية الخليج العربي، مع أن أبوظبي كانت تستخدم أحياناً الدينار البحريني كعملة لها.

في عام 1966، انتقلت السلطة من الشيخ شخبوط إلى الشيخ زايد، الأب المؤسس. استمر العمل في البداية بالطوابع القديمة، لكن صورة الحاكم السابق غُطيت بطباعة حددت قيمة الطابع بالدينار. وبعد سنتين، أُصدرت طوابع جديدة في الذكرى الثانية لتسلم الشيخ زايد السلطة وحملت صورة الحاكم مع شعار الإمارة.

طبعت هذه الطوابع شركة Harrison and Sons في لندن، التي تولت إنتاج طوابع المملكة المتحدة كافة، وقد حُددت قيمتها بالفلس، وهي فئة أصغر من الدينار.

بحلول تلك الفترة، كانت بريطانيا قد تخلت عن سيطرتها على الخدمات البريدية في الإمارات السبع كافة. كان الكثير من الإمارات الشمالية يُرسل البريد عبر دبي، لكن التغييرات سمحت لها بإصدار طوابعها الخاصة. وقد أتاح هذا أمام البعض فرص عمل.

جمع الطوابع

من أبرزهم فينبار كيني، أميركي متخصص في جمع الطوابع ودراستها أدار قسم الطوابع في متجر "ماسي" في نيويورك. وتشمل إنجازات كيني الكبرى ترتيبه بيع الطابع الأكثر ندرة في العالم: طابع غويانا البريطانية بقيمة سنت واحد، في عام 1940 لقاء 40 ألف دولار أميركي.

في عام 1963، عقد كيني سلسلة من الصفقات لإنتاج طوابع لعدد من الإمارات، وخصوصاً عجمان والفجيرة، وأجرى أيضاً ترتيبات مماثلة على ما يبدو مع إمارات أخرى منها رأس الخيمة.

وهكذا أُعدت طوابع كبيرة حديثة غنية بالألوان شملت شتى الأمور من لوحات ميكيلانجيلو في كنيسة سيستينا إلى حياة الرئيس الأميركي جون كينيدي وحتى الألعاب الأولمبية الشتوية.

مرتفعات القمر

على سبيل المثال، تشمل مجموعة ريتز-كارلتون طابعين مخصصين لمهمات الفضاء في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته يكرّمان رواد الفضاء الروس وأبولو 14، أول مركبة تحط على مرتفعات القمر وثالث مركبة تنزل على القمر.

تشير التقديرات إلى أن رأس الخيمة وحدها أصدرت أكثر من 900 طابع في تلك الفترة. وتشمل الأمثلة المعروضة الأخرى احتفالاً بألف ليلة وليلة وتكريماً لمستكشف القرن الخامس عشر أحمد بن ماجد الذي وُلد في هذه المنطقة. تحتفل مجموعات معروفة أخرى بعيد الأم وتشمل صوراً للموناليزا، مسرحيات أوبرا شهيرة، والفصول الأربعة لفيفالدي، فضلاً عن طابع عام 1968 عن عيد الميلاد.

غرامة كبيرة

شكّلت هذه الطوابع، التي كان الهدف منها جذب هواة جمع الطوابع لا لصقها على الرسائل، مصدر عائدات مهماً للإمارات الفقيرة. فقد وصلت عائداتها في ذروتها إلى 70 ألف جنيه استرليني سنوياً وفق تقرير نُشر عام 1969 في الصحيفة البريطانية "تايمز"، أي ما يعادل خمسة ملايين درهم اليوم.

أصدرت عجمان أيضاً سلسلة من تسع طبعات في المنامة، منطقتها الصغيرة المحاطة باليابسة، وفتحت مكتب بريد هناك في شهر يوليو عام 1966 كي تُختم هذه الطوابع بالشكل الصحيح. لكن هذه الطوابع، التي يعرفها هواة جمع الطوابع الدوليون باسم "الكثبان"، أُنتجت بكميات كبيرة، ما أدى إلى تراجع قيمتها لا محالة.

نتيجة لذلك، ما عاد معظمها مدرجاً في فهارس جامعي الطوابع. كذلك لم تسر الأمور على ما يُرام مع كيني، الذي أُدين في النهاية وفُرضت عليه غرامة كبيرة بسبب صفقة عقدها مع جزر كوك، بعدما خُصصت الأموال، التي كان يُفترض أن تؤول إلى صندوق تقاعد في الحكومة، لتمويل حملة انتخاب رئيس الوزراء آنذاك.

في عام 1972، أُنشئت خدمات بريد وطنية. ومع ولادة الدرهم الإماراتي في عام 1973، أُعدت كل الترتيبات ليُصدر هذا البلد الجديد طوابعه البريدية الأولى بعملته الخاصة.

صور مختارة

حملت الطوابع الإماراتية الأولى صورة الشيخ زايد إلى جانب صور مختارة من كل إمارة من الإمارات، مثل جسر المقطع الجديد في أبوظبي، برج الساعة بديرة في دبي، وقصر الحاكم في عجمان. كذلك ظهرت على طوابع أخرى خارطة للخليج العربي مع تمثيل الإمارات العربية المتحدة بعلم البلد وشعاره الجديد المتمثل بالصقر. تراوحت قيمة هذه الطوابع بين خمسة فلوس و1.25 درهم.

منذ ذلك الحين، واصلت خدمات البريد الإماراتية إصدار الطوابع، سواء للاستخدام العام أو ضمن طبعات تحيي مناسبات خاصة أو اليوم الأول لصدور الطابع. كرّم آخر طوابعها زيارة البابا فرانسيس، سباق الدراجات الهوائية في أبوظبي، مهرجان الشيخ زايد التراثي، وشرطة دبي.

رغم انتشار طوابع "الكثبان" القليلة القيمة، يبقى بعض الطوابع الأقدم مطلوباً، حسبما يؤكد ستانلي غيبونز الذي يُعتبر مرجعاً لجامعي الطوابع.

صحيح أن قيمتها لن تبلغ الـ9.4 ملايين دولار التي دُفعت أخيراً لقاء طابع غويانا البريطانية، إلا أن الطبعة الأولى من طوابع أبوظبي ما زالت تحقق نحو 1500 درهم.

على سبيل المثال، تُعرض راهناً على موقع eBay ورقة من خمسة صفوف من الطوابع تعود إلى عام 1971، ويظهر فيها الشيخ زايد مع حرف عربي، لقاء 2700 دولار.

* جيمس لانغتون ذي ناشونال

الطوابع الإماراتية الأولى حملت صورة الشيخ زايد آل نهيان إلى جانب صور أخرى مختارة

في عام 1909 أنشئ مكتب لخدمات البريد في دبي
back to top