خاص

العقوبات على إيران تقلص فرص ضبط أسواق النفط

خبراء لـ الجريدة•: من المحتمل إنشاء تحالفات خارج إطار المنظومة العالمية المتعارف عليها

نشر في 14-05-2019
آخر تحديث 14-05-2019 | 00:05
No Image Caption
تفاعلت أحداث العقوبات الأميركية على إيران، خصوصاً فيما يتعلق بسوق النفط العالمي، وسط تحذيرات من حدوث انحراف في السوق وعدم قدرة المنتجين والمستوردين على ضبط السوق.
وفي هذا الصدد، قال خبراء نفطيون إن العامل الجيوسياسي هو المؤثر المباشر على أسعار النفط، مبينين أن له في هذه الآونة مؤثرات تتمثل في الأزمة السياسية الأميركية الإيرانية، والخلاف الأميركي الفنزويلي، إلى جانب الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين، في موازاة انخفاض إنتاج روسيا بسبب عيوب في أنابيب التوصيل.
واعتبر الخبراء أن أسعار النفط معادلة صعبة، لاسيما مع عدم تحقق آمال الوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والصين، مما يعزز فرص هبوط أسعار النفط عن وضعها الحالي، مشيرين إلى أن «أوبك» لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستسعى للتنسيق وتنظيم العرض والطلب لاستمرار أسعار النفط على ما هي عليه الآن... وإلى التفاصيل.
في البداية، يقول الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، إن سوق النفط وصل الى قرب التوازن بين العرض والطلب بعد قرار "أوبك" خفض الإنتاج في الفترة ما بين يونيو ونوفمبر 2018، وعليه فإن إلغاء قرار الخفض هو إضافة براميل من المنتجين ستكون فائضا إضافيا، الأمر الذي قد يفضي الى عودة الفائض العالمي عن معدل 5 سنوات، والتي عانت "أوبك" لإرجاعه الى معدله المقبول، بعد أن انعكس ذلك على أسعار النفط مباشرة، فانخفضت الأسعار الى 50 دولارا للبرميل، ثم ارتفعت الى 75 دولارا بعد قرار خفض إنتاج "أوبك"، وبدء عودة السوق الى التوازن.

وأضاف أن العامل الجيوسياسي هو المؤثر المباشر على أسعار النفط، ويمكن تحديده في 3 موثرات وهي الأزمة السياسية الأميركية - الإيرانية والخلاف السياسي الأميركي - الفنزويلي، وكذلك الخلاف التجاري الأميركي - الصيني.

انعكاس جماعي

وأوضح أن قرار الولايات المتحدة فرض العقوبات الاقتصادية النفطية على إيران والتي تمنعها من تصدير 2.4 مليون برميل نفط يوميا لن ينعكس على إيران فقط، بل سيشمل دول آسيا الكبرى كالصين والهند كذلك روسيا ودول أوروبا، بل سيمتد اثره إلى أسواق المال العالمية.

ولفت بهبهاني الى أنه قد تكون هناك ردات فعل إيرانية مؤثرة على قرار العقوبات الأميركية، منها:

١- إبرام عقود طويلة الأجل، في محافظ.

٢- خصومات مالية جذابة للبرميل.

٣- بيع النفط الخام والمنتج الإيراني بنظام المبادلة والعملات المحلية للدول المشترية مع نظام تأجيل الدفع.

٤- شحن النفط الإيراني بواسطة الناقلات الإيرانية وضمان تأمين الحكومة الإيرانية.

٥- بناء أنبوب تصدير من مصفاة "عيسلوي" المطل على الخليج العربي الى ميناء "إجاسك" المطل على خليج عمان، أي لا تمر الشحنات عن طريق مضيق هرمز.

٦- زيادة إنتاج المشتقات النفطية.

وقال إن الولايات المتحدة كانت قد راهنت على الوصول الى اتفاق خلال المفاوضات التجاريه مع الصين، إلا أن المفاوضات تعثرت، كما صرح الرئيس الأميركي، مما سبب إطالتها وتعقيدها من خلال إعلان الولايات المتحدة زيادة فرض ضرائب على الواردات الصينية بمقدار الضعف (25 في المئة).

وأضاف أن النمو التجاري والاقتصادي الصيني المتسارع أصبح مصدر قلق للولايات المتحدة لثلاثة أسباب، أولها السبق في الابتكارات الإلكترونية التي غزت السوق الأميركي (أبرزها تكنولوجيا الجي 5) التي تتهمها بسرقة التكنولوجيا الأميركية، وثانيا ازدياد فارق التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين بما يفوق 350 مليار دولار، وأخيرا عدم التزام الصين بالقرارات الجيوسياسية الأميركية، خاصة بالنسبة الى المقاطعات الاقتصادية، وكذلك التوجه السياسي الجديد في علاقاتها الدولية.

وقال إنه على الرغم من تلك العوامل السلبية في العلاقة بين أكبر اقتصادين، فقد أعرب عن تفاؤله بالنتيجة التي ستنعكس إيجابا على النمو الاقتصادي بين البلدين، ومن ثم على حركة أسواق الطاقة.

فقدان الثقة

وذكر أنه إضافة الى الصين، فهناك ردات فعل من دول أخرى مستهلكة للنفط، بعد أن فقدت الثقة بالأساسيات الاقتصادية الضامنة، فاتجهت هذه الدول الى:

1. إنشاء تنظيمات بديلة، ومنها "منظمة الدول المستهلكة للنفط (OPCC) المنبثقة من منظمة "البريكس"، لتتحاشى التدخلات الجيوسياسية في عمليات الإنتاج والتصدير للنفط.

2. مصافي القطاع الخاص التي أنشئت في الصين بقدرة إنتاجية 1 مليون برميل يوميا ومصفاة في الهند وكل هذه المصافي من القطاعات الخاصة التي لا تنضبط بالنظام المالي المتبع دوليا.

3. تفاوض دول الاتحاد الأوروبي مع إيران حول إنشاء نظام مالي جديد "الفاتف" (FATF) يتحاشى النظام الأميركي "السويفت" (swift)، مما يعني أن إيران تستطيع أن تنجز تعاملاتها خارج النظام المالي الأميركي، فهو لايزال عامل ضاغط رغم تعثره.

وأعرب بهبهاني عن اعتقاده بأن مشروع مقاطعة النفط الإيراني وتصفيره قد فشل، وهو العامل المؤثر المباشر لأسعار النفط، مدللا على ذلك من خلال تصريحات لوزير الخارجية الأميركي عندما عبّر عن استعداد الولايات المتحدة الاستثناء لبعض الدول لشراء النفط الإيراني وأسواق النفط العالمية، لافتا الى أنه قرأ هذا التصريح على أنه فشل في جمع الموافقات الدولية على هذا القرار.

عثرات مالية

وأعرب كذلك عن اعتقاده بأن إصرار الولايات المتحدة على تطبيق العقوبات على إيران سيؤدي الى عثرات مالية في عملة الدولار من خلال إنشاء تحالفات خارج إطار المنظومة العالمية المتعارفة! لافتا الى أن الصين ستكون الرابح الأكبر من ذلك، حيث إن عملتها "اليوان" ستكون هي المرشح البديل للدولار الأميركي في التعاملات المالية، وسوق النفط شنغهاي للعقود الطويلة الأجل سينتعش، وخسائر مفاوضات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، التي يبدو أنها فشلت، سيعوضها توجّه جديد لبيع وشراء والاستثمار في النفط عموما، وليس في النفط الإيراني فقط، حيث ستضيف الولايات المتحدة ضغوطا سياسية، إضافة الى الضرائب والقوانين التجارية الأخرى.

وأكد بهبهاني أن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مازالت الأقوى في تحديد توازنات أسواق الطاقة، وحتى المالية، وانهيار تلك المنظمة يعد بمنزلة فلتان للأسواق، وإضافة تعقيد الى الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين.

وأوضح أن الطلب على النفط لم يتباطأ (1.5 مليون برميل يوميا زيادة لـ 2019)، لكن المعروض الحالي يفوق الطلب، ومن ثم الفائض العالمي في ازدياد عن معدل السنوات الخمس.

معادلة صعبة

من جهته، قال أستاذ التمويل في الجامعة العربية المفتوحة، د. عواد النصافي، إن أسعار النفط معادلة صعبة، خاصة مع عدم تحقق الآمال في الوصول إلى اتفاق بين القوتين الاقتصاديتين الولايات المتحدة والصين، مما يعزز فرص هبوط أسعار النفط عن وضعها الحالي.

وأضاف أن هذه الحالة قابلتها حالة أخرى من منظمة أوبك من خلال تخفيض الإنتاج للوصول الى أسعار مقبولة من المنتجين، كما أن العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا قد تعزز ارتفاع الأسعار من جديد.

ولفت الى أن البيانات المعلنة للطاقة تشير الى انخفاض المخزونات النفطية في الولايات المتحدة بحدود 4 ملايين برميل، مما يعزز التوجه الى ارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب عليه، لافتا الى أن هذه الحالات مجتمعة ستؤدي الى تواصل صعود الأسعار وتكسر حاجر 75 دولارا للبرميل.

وذكر النصافي أن دول "أوبك"، ومع توقعات عدم الوصول إلى الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين، تحاول جاهدة المحافظة على المعروض النفطي، حتى لا تحدث اهتزازات بالأسواق تؤثر على أسعار النفط، خاصة أن الخلافات بين القوتين الاقتصاديتين ستعمل على تباطؤ النمو في كثير من الدول، مما سيؤثر على طلب النفط.

وقال: إضافة الى ذلك، فإن الأزمة السياسية في فنزويلا وإيران والعقوبات الأميركية ساعدت على تماسك الأسعار، مع توقعات تباطؤ النمو واحتمالات انخفاض الطلب وأسعار النفط.

التحدي الأكبر

وأضاف: إذا ما وضعنا في الحسبان الاضطرابات في نيجيريا وليبيا، سوف تساعد أيضا على تماسك أسعار النفط في المدى القصير، لكن التحدي الأكبر هو معرفة آثار التصعيد الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، وقدرة "أوبك" على كبح جماح المعروض النفطي، وإلى أي مدى يمكنها البقاء على مستويات الإنتاج التي تساعد على تماسك الأسعار.

واختتم النصافي بالقول إن اللاعب الرئيسي في هذا الجانب سيكون السعودية وقدرتها التفاوضية مع الولايات المتحدة من جهة والولايات المتحدة وقدرتها على امتصاص الانكماش الاقتصادي الذي قد يتسبب فيه هذه الحرب التجارية.

عوامل عدة

من جانبه، قال الخبير النفطي أحمد كرم إن أسعار النفط تتأثر بعدة عوامل، لكن أهمها هو عامل الطلب، حيث إنه بسبب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادية للدول الصناعية يزداد معها الارتفاع على الطلب النفطي.

وأضاف: تعتبر الصين من أكبر الدول الصناعية ومعدلات نمو اقتصادها تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط، فمع ارتفاع معدل نمو الاقتصاد الصيني ترتفع أسعار النفط، لكن مع التدخلات الأميركية لوقف هذا النمو الذي بدأ يؤثر على اقتصادها، أصبحت هناك حرب تجارية خفية بين البلدين، لافتا الى أنه إذا نجحت أميركا من الحد من ارتفاع معدلات النمو اقتصاد الصين، فستكون أسعار النفط منخفضة قليلا عما هي عليه الآن.

وأكد أن منظمة أوبك لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستسعى بكل السبل من أجل التنسيق وتنظيم العرض والطلب النفطي، لتستمر أسعار النفط على ما هي عليه الآن، وهي الأسعار المرغوبة للدول الأعضاء.

قطع الإمدادات

من جهته، قال نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة عربي القابضة، حامد البسام، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، الى جانب قطع إمدادات ايران التفطية، وكذلك الحرب الدائرة في ليبيا والمشاكل الاقتصادية والفوضى التي تسود فنزويلا، كلها أمور تصب في الضرورة في مصلحة زيادة أسعار الخام.

وأضاف أنه من الطبيعي أن يكون هناك تحرك لتعويض الحصص الغائبة عن السوق النفطية، وإلا ستحدث أزمة في الأسعار قد تؤدي الى وصول سعر البرميل الى مئة دولار، وهذا الأمر غير مرغوب فيه من قبل دول "أوبك" بلس التي تريد توازن الأسواق حتى لا يتباطأ الطلب على النفط.

وأشار البسام الى أن الدول التي ستقوم بتعويض السوق قد لا تستطيع فعل ذلك لفترات طويلة، فضلا عن أنه من الممكن أن تكون الأمور الفنية المتعلقة بالإنتاج معيقة لزيادة الإنتاج، وذلك في حالة افترضنا أن تلك الدول لديها مخزون كاف من الخام.

ولفت الى أن الولايات المتحدة تمتلك مخزونا كبيرا للغاية، إلا أنها لن تفرط فيه إلا عند الضرورة القصوى.

وشدد البسام على ضرورة أن تجد الصين وأميركا حلولا للأزمة الدائرة بينهما.

وحول التزام الدول بالخفض المتفق عليه بين "أوبك" ودول من خارجها، فقد أكد البسام أن هناك دولا داخلها أزمات ومشاكل، ولا تستطيع التحكم في عملية الخفض ضمن الاتفاق، لكون حكوماتها لا تسيطر بشكل كامل على الأوضاع في بلدانها.

تعويض الحصة

بدوره، أكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية المفتوحة، د. عبدالمحسن المطيري، أن هناك عوامل مهمة ستؤثر على أسعار النفط، أهمها عملية العرض والطلب، وهي عوامل تعتمد على مجريات الأمور، سواء الإقليمية أو الدولية، ولعل العرض هو الأهم، وهو العامل المؤثر، سواء على المديين المتوسط أو البعيد، أما على المدى المتوسط فسيكون التأثير ضعيفا، وبذلك ستكون الأسعار معتدلة، وتسير في معدلاتها الطبيعية المرجوة بين 70 و73 دولارا للبرميل.

وقال المطيري إن العقوبات على إيران وكذلك انخفاض الإنتاج في روسيا بسبب بعض العيوب في أنابيب التوصيل سوف تؤثر كذلك على الأسعار.

وأوضح أن الإدارة الأميركية لن توافق بأي شكل من الأشكال على ارتفاع أسعار الخام، لكونه سيتسبب في حدوث تضخم في أسواقها، مما يؤدي الى تباطؤ في الاقتصاد الأميركي.

وقال إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف سيتم تعويض حصة إيران؟ ولا ننسى كذلك الأزمة الفنزويلية التي قد تكون سببا في حدوث أزمة في المعروض.

عبدالسميع بهبهاني: الصين ستكون الرابح الأكبر... واليوان هو المرشح البديل للدولار في التعاملات المالية

عواد النصافي: العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا قد تعزز ارتفاع الأسعار من جديد

أحمد كرم: «أوبك» ستسعى بكل السبل من أجل تنظيم العرض والطلب في الأسواق النفطية

حامد البسام: الدول التي ستقوم بتعويض السوق قد لا تستطيع فعل ذلك فترات طويلة

عبدالمحسن المطيري: الإدارة الأميركية لن توافق على ارتفاع الأسعار لأنه سيتسبب في تضخم أسواقها

العامل الجيوسياسي يبقى المؤثر الأول على أسعار النفط

السعودية ستكون اللاعب الأساسي في تعويض الحصة الغائبة
back to top