شكوى مُرّة من رسائل الماجستير والدكتوراه!

نشر في 18-04-2019
آخر تحديث 18-04-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر أصيب أستاذ الفلسفة د.حسن حنفي بما قد يعتبر "صدمة أكاديمية"، وهو يستعرض رسائل الماجستير والدكتوراه ويحلل مضامينها في الجامعات المصرية!

لاحظ المفكر المصري المعروف مثلا أن هذه الرسائل في مجال "الفلسفة"، ولكن، كما قال في مقاله الساخط "أكثر من ثلاثة أرباع الرسائل في الإسلاميات بفروعها المختلفة الكلام والفلسفة والتصوف". وحتى في هذا المجال، لمس د.حنفي ندرة الاهتمام بعلم الأصول، وغياب تسجيل أي رسالة في "العلوم النقلية" كالقرآن والحديث والتفسير والسيرة. والأخطر من ذلك ملاحظته أن "معظم الموضوعات مكررة عدة مرات ويغلب عليها الموضوعات المعروفة، وبالتالي يقل الاختيار المبتكر، ويندر أن يكون الموضوع نشر نص قديم وتحقيقه بينما المكتبات والجامعات المصرية ودار الكتب الوطنية مازالت زاخرة بالمخطوطات الإسلامية التي في حاجة إلى تحقيق ونشر".

(مجلة الفيصل، مارس - أبريل 2019).

ولاحظ أن اختيار الموضوع يكون "عادة من اختيار المشرف وطبقا لتجاربه واهتماماته وآرائه، والطالب مجرد متلقٍّ". ورأى د.حنفي أن الموضوعات قد اختيرت رغم ذلك ورغم كل الإشراف "بشكل عشوائي"، مما جعلها تتكرر أكثر من مرة، في غياب خطة للدراسات العليا على مستوى القسم، ومما لاحظه د.حنفي في مجال البحث "تغيب الموضوعات الفلسفية التي تعتمد على التنظير المباشر للواقع دون التوسط بنصوص الآخر"، وكذلك "استسهال موضوعات الفكر العربي المعاصر نظرا لتوافر نصوصه وسهولة فهمها لطبيعتها الصحافية والإنشائية من دون تطوير". وأيضا "غلبة الموضوعات القديمة على الموضوعات الحديثة"، و"دراسة الموتى على دراسة الأحياء".

ويقول د.حنفي إن المنهج هو أضعف جزء من الرسائل، فمعظمها بلا منهج واضح بالرغم من تكرار عبارة "المنهج النقدي" أو "المنهج النقدي التاريخي"، ولا يعني "التحليل" أكثر من قراءة النصوص، و"المقارن" هو مجرد إشارات عابرة ومقارنات سطحية، وعادة ما تكون المقارنة داخل الحضارة الواحدة وليس بين حضارتين مختلفتين. ولاحظ الكاتب د.حنفي كذلك، أنه نادرا ما تستعمل مناهج أخرى مثل "المنهج البنيوي" أو "المنهج الوصفي"، أو "منهج تحليل المضمون".

ولا وجود في مقدمة الأبحاث لما يسمى "الإشكال الفلسفي" المراد بحثه، وثمة غياب لرأي الباحث الخاص باستثناء بعض الأحكام التي تصدر في آخر الرسالة، فالملاحظ كذلك دخول الباحث ميدان بحثه "بلا أي افتراض نظري يريد التحقق من صدقه أو كذبه... فالرسالة كتلة صماء لا حياة فيها، ويغيب عنها الجدل الفلسفي".

من جانب آخر، يغلب على كثير من الرسائل "الأسلوب الإنشائي الخطابي الذي ينفعل بالموضوع أكثر مما يحلله"، وبذلك يقول د.حنفي ناقدا "يتحول الباحث إلى خطيب" كما أنه يستعمل أسلوب "الماينبغيات" والأخلاقيات بألفاظ مثل "يجب" و"لابد"، ويظهر الأسلوب الشخصي وضمير المتكلم من دون فصل بين الذات والموضوع، والأهم هنا "غياب الأسلوب الفلسفي للحكم والمصطلحات الفلسفية المعروفة".

(الفيصل ص21).

عندما نطالع رسائل الدكتوراه القديمة في مجال الفلسفة والتاريخ وغيرهما، من التي أعدها طلاب الجامعات المصرية آنذاك، نجد أنهم كانوا يتقنون بعض اللغات الأوروبية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية وربما غيرها. أما في السنوات الأخيرة، كما اكتشف د.حنفي في تتبعه لرسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية، فقد تغيرت الحال!

يقول: "تغيب عن الطالب أدوات البحث العلمي مثل اللغات الأجنبية"، ولهذا يعتمد الطالب على المترجمات إلى العربية، ونحن نجد عادة ترجمة إنكليزية أو فرنسية للأعمال الكاملة لهذا الأديب وذاك الفيلسوف مهما كانت اللغة التي كتب بها كتبه، ولكن الترجمة إلى العربية إما أنها غير كاملة أو غير دقيقة أو الاثنان معاً!

ويعاني طلاب الدراسات العليا، فيما لاحظ د.حنفي، "ضعفا في استعمال وسائل جمع المعلومات الحديثة وشبكات الإنترنت"، "وصعوبة في الحصول على المصادر والمراجع بلغاتها الأصلية، وكذلك متابعة الدوريات الفلسفية لنقص المكتبات العامة".

وينتقد د.حنفي على وجه الخصوص، "غياب العمل الجماعي وحلقات البحث المشتركة، إذ يستفرد المشرف بالطالب ويعتقله فلا يتصل بأحد غيره، ويصبح تابعا له إلى آخر الزمان، إلا إذا اختلفت المصالح وشق التلميذ عصا الطاعة فتكون القطيعة والخصام".

وثمة مشاكل أخرى يشير إليها د.حنفي، ومنها عدم سفر طلاب الدراسات العليا للخارج لتحسين اللغة والاطلاع على المراجع، ومنها "غياب الحماس العلمي للبحث والنظر لأن الجامعة نفسها لا تقدر أهمية البحث العلمي، بل إن المجتمع كله ليس مجتمع المعرفة بل مجتمع الكسب السريع والإثراء وتيسير المصالح".

ويلاحظ كذلك "فرض رسوم دراسية على الطلاب العرب لأسباب سياسية منذ اتفاقية "كامب ديفيد" والقطيعة مع مصر، ولم يقدر عليها إلا الخليجيون في الغالب".

وتعتمد الرسائل في كثير من الأحيان على الدراسات الثانوية أكثر من النصوص موضوع الدراسة، كما يعمد الطالب إلى "الإكثار من المراجع لإضفاء الطابع العلمي على الرسالة ومعظمها خارج الموضوع، مع إضافة القواميس والمعاجم ومعظمها لم يستعمل في البحث لاستكمال الشكل"!

والآن، هل تُطبع هذه الرسائل والبحوث للاستفادة منها والاطلاع عليها؟

يقول: "لم تطبع معظم الرسائل، وإن طُبعت فلاستعمالها ككتاب مقرر للتدريس، ولم تؤثر الرسائل في تطور الفلسفة في مصر ولا في بلورة اتجاهات فلسفية ولا على تشجيع البحث النظري، بالرغم من تساؤلات الصحف: هل لدينا فلاسفة"؟!

ما إن يفرغ د.حسن حنفي من طلاب الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه، في الجامعات المصرية، حتى يفتح النار "وبالمليان"، على أساتذتهم كذلك، متّهماً إياهم بالنفعية والانتهازية!

يقول بمرارة: "نظراً لغياب قضية عامة تجمع الأساتذة، علمية أو وطنية، لم يبق إلا التنازع فيما بينهم على الفتات، مثل توزيع المواد المقررة من أجل بيع الكتب الخاصة بها، والساعات الإضافية من أجل أجر إضافي، والتعليم المفتوح من أجل رزق أوسع".

حتى الظروف الخارجية والإقليمية باتت تعاكس هؤلاء الأساتذة، "فلم تعد الإعارات إلى الخليج باقية إلى الأبد بعد أن تخرج مواطنوه من الجامعات الأجنبية أو العربية وملؤوا الفراغ الذي كان موجودا منذ نشأة الجامعات الخليجية أو السعودية في السبعينيات".

وتحول النزاع بين الأساتذة على فتات الدنيا، يقول، "إلى معارك شخصية بدافع الغيرة والحسد اللذين يتحولان أحيانا إلى كراهية وحقد، يستعمل القوة الفارغة حتى يخيف الباقي، والآخرون يتملقون صاحب السلطة الإدارية، وفريق ثالث يرقص على كل الحبال طبقا للمصالح، وفريق رابع يظهر غير ما يبطن، يظهر الصداقة ويبطن العداوة... وانعدمت المدارس الفكرية". (ص23).

وإذا كانت هذه هي الحال في دراسة الفلسفة التي تبحث في الحكمة وتتسم بالتروي وعمق التفكير، والترفع عن الماديات والدنيويات، فما الحال في مجالات الاقتصاد والتجارة والقانون والطب والهندسة وغيرها؟ ومن يمتلك جرأة وصراحة المفكر د.حسن حنفي ليكشف الغطاء؟!

back to top