ثنائية اللغة والعولمة

نشر في 03-03-2019
آخر تحديث 03-03-2019 | 00:05
 د. خالد عبداللطيف رمضان أقام الملتقى الثقافي لطالب الرفاعي ندوة بعنوان "ثنائية اللغة والعولمة"، تحدث فيها د. سعد بن طفلة، بحضور كوكبة من المثقفين والمهتمين باللغة، ركز فيها المتحدث على مستقبل اللغة العربية في ظل العولمة، ومن المعلومات التي طرحها، أن هناك ما يقارب 7000 لغة يتحدث بها البشر، لكن هناك 85 لغة يتحدث بها 85 في المئة من البشر. ويرى المتحدث أن الكثير من هذه اللغات ستختفي مع نهاية القرن، حيث تختفي بعض اللغات يوميا، فيما هناك لغات تتعزز مكانتها، مثل اللغة الإنكليزية، التي فرضت نفسها لغة ثانية بمختلف أنحاء العالم، لأنها لغة العلوم والطيران والسياحة والمال، ورغم ما للغة العربية من إمكانات كبيرة، فإنها تظل في المرتبة الخامسة بين لغات العالم، فتطور اللغة وانتشارها يتحققان بفضل ما تحمل من نتاجات علمية وإبداعات. ويخلص الباحث إلى اطمئنانه على اللغة العربية من الانحسار والضياع، لعوامل كامنة فيها، إضافة إلى حفظ القرآن لها.

من البديهي أن اللغات تتسم بالحيوية، فهي تتطور أو تندثر تبعاً لحال الناطقين بها، وهناك شواهد على تطور بعض اللغات العالمية، فاللغة الفارسية اليوم ليست نفس اللغة التي كانت قبل مئات السنين، والإنكليزي اليوم لا يستطيع القراءة لشكسبير دون الاستعانة بمعجم لغوي، وحتى في اللغة العربية، وإن كنا نفهم الشعر الجاهلي عند قراءته، إلا أن بعضنا يتوقف كثيرا عند بعض المفردات التي تعتبر غريبة في عصرنا.

حتى اللهجات العربية تطورت كثيرا، أتذكر عند مشاركتنا في المخيم الكشفي العربي بغابة جوددائم في ليبيا صيف عام 1966 كان بجوارنا مخيم المغرب ومخيم الجزائر لم نستطع التفاهم مع زملائنا من هذين البلدين الشقيقين، للاختلاف الكبير بين اللهجات، فكنا نستعين بالمفردات الفصيحة ولغة الإشارة للتفاهم.

الآن اختلف الوضع، إذ تقاربت اللهجات العربية، بفضل التطور التقني الذي أسهم في انتشار الإنتاج السينمائي والإذاعي والتلفزيوني، ثم الثورة المعلوماتية، وانتشار وسائل التواصل، مما قرب أكثر بين شعوب الوطن العربي، وأصبح من السهل على المواطن العربي أن يتفاهم مع محدثيه في أي بلد عربي، يضاف إلى ذلك مساهمة انتشار التعليم في تطور اللهجات العربية واقترابها من الفصحى. لكن هل اللغة العربية في مأمن من التراجع والاضمحلال؟ من المؤكد أن هناك عوامل تؤثر سلبا على العربية الفصحى، أولها الضعف الواضح في المستوى اللغوي للطلاب بمختلف المراحل، ومن يزاول التدريس يدرك ذلك عند تصحيح اختبارات الطلاب، فهناك خلل كبير، حيث يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية ومستواه في اللغة العربية لا يؤهله لاجتياز اختبارات المرحلة الابتدائية في اللغة العربية، فكيف اجتاز كل المراحل وهو بهذا الضعف؟ والأدهى والأمرّ مستوى الأساتذة الجامعيين في لغتهم الأم. يضاف إلى ذلك استماتة بعض العائلات على تدريس أبنائهم في المدارس الأجنبية، ربما من قبيل الوجاهة الاجتماعية أحيانا، بغض النظر عن مدى قدرتهم المالية. لذا غالبا ما نشاهد أطفالنا وهم يلعبون يتخاطبون باللغة الإنكليزية، ربما يساعد على ذلك أننا نوكل تربيتهم إلى مربيات أجنبيات، كما نوفر لهم أجهزة اللعب التي تستخدم اللغة الإنكليزية، لذا كثير من الشباب عندما يكتبون الرسائل في وسائل التواصل يكتبون باللغة الإنكليزية أو باللغة العربية، لكن بحروف لاتينية، وقد اخترعوا بدائل للحروف العربية التي ليس لها مقابل في الحروف اللاتينية.

ويكفي أن نقارن بين مذيعي الأمس ومذيعي اليوم، سواء في الإذاعة أو التلفزيون، لندرك الفرق في القدرات اللغوية. كما أن العامية بدأت تجور على الفصحى في تقديم البرامج. والأغرب من ذلك أن هناك إصدارات يفترض أنها أدبية تنشر باللهجة العامية.

لذا يجب أن نقر بأننا نهمل لغتنا الأم، ويزداد الإهمال يوما بعد يوم، فمن يحمل راية الدفاع عنها؟ من الطبيعي أن تكون البداية من المدرسة، وبتعاون من البيت ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية، لعل في الجيل الجديد من يتحمل مسؤولية حماية اللغة العربية والحفاظ عليها، باعتبارها عنوانا لهويتنا.

back to top