هاني نقشبندي: أرفض الجوائز وأريد أن أموت خاوياً

نشر في 20-02-2019
آخر تحديث 20-02-2019 | 00:03
صنع الروائي السعودي هاني نقشبندي بإبداعه حالة أدبية مغايرة، تتماشى مع توجهاته الفلسفية في الكتابة. «الجريدة» التقته في حوار أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، وناقشته في ملامح إبداعه وقضايا أخرى.
لماذا تبدو رواياتك أحياناً وكأنها صادمة للمجتمع. هل هي رغبة الظهور من مبدأ خالف تعرف؟

لا هذا ولا ذاك. الرواية ليست إنساناً يصفي حساباته مع المجتمع. الكاتب الناجح هو الأناني. بمعنى من يكتب إرضاءً لنفسه، لا إرضاءً أو إقصاءً لمجتمع أو ثقافة ما. إن أتت الرواية متفقة فهي خُلقت هكذا، وإن أتت متصادمة، فهي أيضاً خُلقت هكذا.

لكنك في روايتك الأولى «اختلاس» عريت مجتمعك السعودي.

من قال ذلك؟ أتحدث عن عقلية الرجل الشرقي التي لا تتنازل عن مبادئ عتيقة ومتشددة مهما سافرت وابتعدت عن أرضها. أتحدث أيضاً عن المرأة التي تعاني سطوة الرجل عليها من دون أن تفعل ما يزيح عنها الظلم. ثم من قال إن مجتمعاتنا مثالية لا أخطاء فيها؟ ولماذا نفترض أن الكاتب عندما يتحدث عن ظاهرة مجتمعية فهو متهم بأنه يعري مجتمعه بسوء نية؟ فوق هذا كله وذاك، فمتعة العمل الروائي تكمن في النص لا الحبكة. أي كما هي القصة وأحداثها، ما يجذب القارئ إليها، فصناعة النص القوي هي ما يطمح إليه الكاتب بصرف النظر عن المضمون.

قراءة وسفر

لا بد من أنك تقرأ كثيراً، فبمن تأثرت في أعمالك؟

لا ينبغي على الكاتب أن يقرأ كثيراً ليكون كاتباً، لكن عليه أن يكون مثقفاً، بالقراءة كما التواصل مع الناس والشارع. ويجب على كل كاتب أن يصنع مدرسته الخاصة. وأعود بك إلى ما ذكرت سابقاً من أن الكاتب الناجح هو الأناني بالمطلق، بمعنى أن يكتب ما يرضيه شخصياً، لا ما يرضي الآخرين.

تنقلت بين عواصم عربية وأجنبية عدة. إلى أي مدى أثرى ذلك تجربتك الإبداعية؟

السفر أهم من القراءة. بشر وأماكن وأحداث تراها أو تصنعها أو تراقبها. ذلك كله يثريك ويربكك أحياناً. أعرف كتاباً أصدقاء لا يسافرون، بل لا يبرحون منازلهم، ومع هذا يسبقونني بأشواط في أبداعهم كماً ونوعاً. هي النفس إذاً. واحدة تحب السكون، وأخرى تنشد الحركة. وأعتقد أنني من الفئة الثانية. وأعزز رأيي هذا بقناعتي أن السفر يعني الحرية.

الخيال هو الأصل

يحمل معظم رواياتك مسحة فلسفية، ويعتمد أسلوب الخيال والواقعية السحرية. هل يعكس ذلك تماشياً مع روح الكتابة الحداثية أم يعبر عن إيمانك بقدرة الخيال على إيصال المعاني والدلالات؟

الخيال في الرواية هو الأصل. أول رواية في التاريخ كان اسمها «الحمار الذهبي» منذ أكثر من ألفي عام. يتحدث كاتبها الروماني عن وصفة دواء تناولها بالخطأ فحولته إلى حمار. في رواية مثل «اختلاس» لن تجد شيئاً من الخيال. لكن في «سلاَم» ستجده. لن أقف عند شكل واحد. أصنع مدرستي بألوانها كافة، وبعيداً عن مسميات الواقعية السحرية أو الجادة. أنا لست مثل أحد ولا أريد لأحد أن يكون كما أكون أنا.

روايتك «الخطيب»، لماذا تعمدت فيها إخفاء الزمان والمكان؟

ليست «الخطيب» فحسب، بل جل رواياتي لا مكان فيها ولا زمان. أريد أن يشاركني القارئ في صنعها، فيطابق الرواية على الزمان والمكان الذي يريد. أيضاً لا أضع نهايات لرواياتي، وللغاية ذاتها، أي أن يشارك القارئ معي في صنع النهاية التي يراها أقرب إليه. هذا بافتراض أن ثمة نهاية للقصة. ذلك أنه لا يوجد شيء اسمه نهاية القصة، فما النهاية سوى بداية جديدة لقصة أخرى.

أعرف أنك ترفض الجوائز الأدبية، فلماذا، ومن برأيك يصفق للأديب المبدع؟

قال بعضهم إن رفضي للجوائز سببه أنني لم أفز بجائزة. صحيح. فأنا أرفض ترشيح أي من أعمالي لأية جائزة. فوق هذا، ثمة أعمال أكثر أهمية من أعمالي بكثير، فأي عدل أن أفوز بجائزة على حساب من هم أفضل مني؟ جوائز الأدب إهانة كبيرة للأدب. أما سؤالك من يصفق للأديب المبدع فاسمح لي بأن اسألك: هل المبدع مثل طفل ينتظر من يصفق له على عمل أحسنه؟ الأديب الذي يكتب لينتظر من يكرمه أو يصفق له لا يستحق حتى قلماً يحمله. أكبر تكريم للأديب، هو أن تقرأ له، لا أن تصفق له.

أهمية الترجمة

لهاني نقشبندي أعمال تُرجمت إلى الإسبانية. حول أهمية الترجمة العكسية من العربية إلى لغات العالم، يقول: «في العالم العربي مراكز الترجمة المدعومة من الدولة. ما الذي تفعله هذه المراكز؟ تترجم الأعمال الأجنبية إلى العربية. حسن، أولاً هي لا تحسن اختيار ما يترجم. ثانياً، غالبية الأعمال الأدبية العالمية تُترجم عن طريق دور النشر من دون حاجة إلى مراكز قومية أو رسمية للترجمة».

يتابع: «إن شئنا أن نخدم الأدب العربي حقاً، فعلينا فعل العكس. أي نشر الأعمال العربية إلى الأجنبية. ذلك أن ما يحول دون انتشارنا في الخارج هو عامل الترجمة المرتفع الثمن».

الكاتب الناجح أناني لا يكتب لإرضاء الآخرين
back to top