إسقاط القروض... و«كأنك يا بوزيد ما غزيت»!

نشر في 29-12-2018
آخر تحديث 29-12-2018 | 00:04
 عبدالله بن سالم السلوم إسقاط القروض، حلم يعود مجددا إلى دائرة الضوء بحماسة سياسية، مستهدفا مشاعر مواطن انهالت عليه الديون كحل بعيد المنال، يكفل تغيير مصيره، ويتزين بهامة خداعة؛ لغرض حشد الأصوات الشعبية والهتاف والتصفيق الذي اعتدنا شيوعه، حتى مللناه. حماسة حامية الوطيس، جاءت بذريعة جديدة هذه المرة، حل يدعي أن هذا المطلب «لا يكلف الدولة شيئا»! ويتردد هذا القول شعارا اتخذه كل من ينتفع بتحقق هذا الحلم، تزامناً مع إجحافه للإلمام به دون فهم سليم.

إنه اقتراح بقانون يقضي بـ «إسقاط القروض الاستهلاكية والشخصية عن المواطنين ولا يكلف المال العام دينارا واحدا، بحيث تقوم الدولة بإيداع قيمة القروض كوديعة لدى البنوك، كل حسب قيمة القروض المشتراة منه، على أن تحصّل البنوك قروضها وفوائدها من أرباح الودائع وتعيدها بعد إتمام السداد للبنك»، داعياً بدوره إلى تكليف البنك المركزي بإدارة العملية.

وبناء على إحصاءات وزارة المالية والبنك المركزي، فإن قيمة القروض الاستهلاكية بلغت قرابة المليار دينار، وعدد المقترضين يقدر بـ ٥٤١ ألفا، من بينهم ٤٧٦٨ اتخذت ضدهم إجراءات قانونية إثر تخلف السداد، أي ٠,٨٨ في المئة من إجمالي المقترضين، بما هو أدنى من ١ في المئة.

وعلى الرغم من أن قانونا مماثلا يخدم قرابة ٤٠ في المئة من إجمالي المواطنين فقط، بدافع إنساني كان سببه ٠,٣٥ في المئة من ذات الإجمالي، يعد مؤشرا قاطعا لعكس افتقاره لقيم العدل والمساواة بين المواطنين؛ صانعا بذلك محور شك شائك في دستوريته، إلا أنها رغم ذلك ليست المعضلة الأساسية! إنما المعضلة الأساسية تكمن في مدى استطاعة البنوك المحلية تحقيق إجمالي عوائد يعادل مليار دينار في فترة زمنية قصيرة، ١٠ سنوات على سبيل المثال، إذ يتطلب الأمر إيداع ٣,٣ مليارات دون الاعتبارات التراكمية غير مستحقة الذكر، وذلك على افتراض أن معدل عوائد الودائع يساوي ٣ في المئة سنويا.

فربحية النظام المصرفي قائمة على فوائد القروض، ولتحقيق فوائد الوديعة الحكومية المعنية بإسقاط القروض على البنوك أن تقرض السوق بقيمة تلك الوديعة لمدة ١٠ سنوات. إن السوق المحلي غير قادر على استيعاب هذا المعروض النقدي؛ لأسباب اقتصادية لا نود الاسترسال بها، مما يجبر البنوك المحلية على الإقراض الخارجي، فالاستفهام الذي يجب أخذه بعين الاعتبار يقف خلف السؤال المرتهن حيال «مدى استعداد البنوك للمخاطرة بالإقراض الخارجي بحجم كهذا؟» محتم أن السؤال لا ينتظر إجابة!

هنا، يأتي دور إيداع هذا المبلغ في البنوك الخارجية الأكبر حجما؛ لتحقيق هدف القانون. وبيت القصيد، أن هذا بالضبط هو الأمر الحاصل الآن من الهيئة العامة للاستثمار في إدارة رؤوس أموال الصندوق السيادي، محققة الأرباح، إذن، فلتقم الهيئة بتحويل الأرباح مباشرة لإسقاط القروض! فإن كنا نردد ملبين لهذا المقترح المثير للشفقة، فكم خابت مساعينا!

وبغض النظر، سواء كانت تلك الوديعة محلية أو خارجية، فإن تكلفة قانون مماثل هي الاستغناء عن أرباح وديعة مليارية أو أرباح فرص استثمارية تحقق عوائد قد تفوق إجمالي القروض، أو عوائد تنموية تصنع الفرص الوظيفية وتساهم في زيادة إجمالي الناتج المحلي بشكل مستدام، فالتكلفة أيضا تكمن في تجميد ٣.٣ مليارات دينار كويتي مدة ١٠ سنوات، تتحمل قيمته تراكمات الفائدة السنوية التي يحددها البنك المركزي»، ولا شك في أن أمرا مماثلا يعد هدرا صريحا بالمال العام، ويصب في صالح فئة ضد أخرى!

وكون القضية اقتصادية ذات أساس عميق، أعمق من أن تحبطها تلك الحلول البسيطة، فما يجب أخذه في عين الاعتبار، في حال تم إسقاط القروض اليوم، وانتفع بالأمر من انتفع، أن صاحب الانتفاع سيطرق أبواب المؤسسات التمويلية لا محالة إذا ما أصبح صباحه الجديد مطالبا إياهم بقرض جديد، «وكأنك يا بو زيد ما غزيت»!

back to top