2019 سنة محورية لـ«أوبك» وقد تضيف إلى عضويتها روسيا ودولاً من آسيا الوسطى

اتفاق خفض الإنتاج أقل من حاجة السوق إلى التوازن بنحو 200 إلى 600 ألف برميل

نشر في 15-12-2018
آخر تحديث 15-12-2018 | 00:03
No Image Caption
سوف يتقرر مستقبل «أوبك» في الأشهر القليلة المقبلة، ومن خلال النظر إلى الوضع الراهن توجد حاجة إلى استراتيجية جديدة تؤدي روسيا فيها دوراً مهماً. ومن دون دعم من جانب موسكو سوف تكافح المنظمة من أجل الحفاظ على مركزها. وقد تتعرض استراتيجية وزير النفظ السعودي خالد الفالح المتبصرة والواعية إلى تحديات في ظل الوضع الجديد.
يتبين من المنحى المتقلب الذي اتسمت به المحادثات الأخيرة لدول منظمة «أوبك» التي جرت في مقر المنظمة بفيينا حالة الانقسام المتزايد السائد داخل هذا الاتحاد الاحتكاري - الكارتل النفطي. وسقط الكثيرون من المحللين وخبراء المال في شرك وسائل الإعلام القديمة في العالم، كما يظهر هذا الخلاف المتنامي في المنظمة أن عصراً جديداً للنفط يوشك أن يبدأ.

ولم يكن ما يدعى بالخفض غير المتوقع في الإنتاج الذي قدمه عبقري إعلام «أوبك» وزير النفط السعودي خالد الفالح كافياً لتقليص مساحة عدم اليقين السائدة حاليا في أسواق النفط. فبعد أن أشار أولاً إلى خفض بـ 800 ألف إلى مليون برميل يومياً في الإنتاج، وهي الإشارة التي أفضت إلى خفض الأسعار على الفور، فاجأ الفالح بالتعاون مع زميله الروسي ألكسندر نوفاك السوق بعد 24 ساعة بالإعلان عن اتفاقية خفض للإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يومياً وكان الاتفاق اقل من حاجة السوق إلى التوازن بنحو 200 إلى 600 ألف برميل.

وكانت ردة فعل السوق، كما توقع كل الاختصاصيين واضحة، إذ قفزت أسعار الخام لتعكس الاعتقاد بأن الاستقرار عاد إلى أسواق النفط. ومن دون معرفة الحقائق الفعلية التي تقف وراء هذا الاتفاق، اتجهت مؤشرات سوق النفط ومشاعر المتعاملين فيه إلى التحسن على الفور. وبحسب البيان الذي صدر عن منظمة «أوبك» والشركاء غير الأعضاء فيها، فإن الخفض سوف يعتمد على المقارنة بمستويات إنتاج شهر أكتوبر 2018، وتضمن ذلك الاتفاق بعضاً من الالتزامات المبهمة من جانب الدول غير الأعضاء في المنظمة. ويبدو أن مشاعر التحسن قد عادت ولكن عدة عوامل رئيسية تظل غير واضحة.

سيناريو الأزمات

من خلال استعادة ما حدث في خطوة سابقة مماثلة بشأن مشاعر سوق النفط والاستراتيجيات الإعلامية لمنظمة «أوبك» فقد برزت بشكل حقيقي عوامل أزمة جديدة. تمثل العامل الأول في أساسيات السوق الحقيقية. فمن خلال النظر إلى الارتفاع المستمر في إنتاج نفط بعض الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» كالعراق والدول غير الأعضاء فيها، وخصوصاً إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، كذلك البرازيل يبدو أن التخمة النفطية لا تزال قائمة.

ولم يتم اتخاذ أي إجراء يشير إلى قدرة منظمة «أوبك» وروسيا على مواجهة هذه التطورات بزخم فعلي. كما أن الصورة تصبح أكثر قتامة إذا ما تصاعدت وتيرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وكان النمو الاقتصادي الأوروبي والآسيوي أدنى من المتوقع.

كما ينبغي التحسب من تأثير الخروج الصعب لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أكثر احتمالاً الآن بعد الانهيار السياسي الأخير الذي شهدته المملكة المتحدة، الذي سيفضي أيضاً إلى تداعيات اقتصادية سلبية.

وغيرت هذه العوامل الاقتصادية الواسعة صورة الطلب في 2019 وربما تفضي الى ارتفاع في مخزون النفط في الأشهر المقبلة.

الحل الوحيد

الحل الوحيد لدى منظمة «نوبك» (أي أوبك الجديدة) في الوقت الراهن إذا أرادت حقاً تغيير قواعد لعبة السوق وإعادة تأسيس هيمنتها كان يتمثل في التوصل الى اتفاقية خفض إنتاج في حدود 1.4 – 1.8 مليون برميل يومياً على أساس إنتاج شهر أكتوبر الماضي. وتظهر بعض التحليلات الاضافية أن إنتاج سبتمبر – أكتوبر 2018 كان في الأساس عالياً جداً لأن معظم المنتجين القادرين على زيادة الإنتاج – مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات – زادت بالفعل من إنتاجها بشكل جوهري قبل الاجتماع. كما عادت الدول المنتجة الأخرى في منظمة «أوبك»، وخصوصاً العراق وليبيا، إلى السوق في الوقت نفسه. وتفوقت كل هذه العوامل بقوة على التأثير المتوقع للعقوبات الأميركية على إيران ويبدو أن قرار منظمة «أوبك» لشهر ديسمبر الجاري لم يقدم ما يكفي من أجل مواجهة الشريحة الواسعة للأخطار المعروفة في عام 2019.

ويبدو في الوقت نفسه أن تماسك منظمة «أوبك» بدأ يتبدد، ومنذ سنة 2017 أظهر الكارتل النفطي أنه في حاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيته الداخلية. كما أظهر الاجتماع الأخير للمنظمة في فيينا الذي كان مركزاً الى حد كبير على التأثيرات السلبية المحتملة للعقوبات الأميركية على إيران خلافاً عميقاً ومتزايداً بين الأطراف القيادية في داخل الكارتل النفطي.

وتم تهميش الائتلاف المتشدد السابق، الذي يضم إيران وفنزويلا وبعض الدول الصغيرة، كما أثرت النزاعات العربية الداخلية الإقليمية في هذا المسار، وأصبح ذلك واضحاً بشكل مؤلم في الاجتماع الأخير عندما تمت مقاطعة مسؤولين قطريين من بعض نظرائهم في المنظمة.

ويبدو أن قرار قطر مغادرة الكارتل النفطي لم يكن مرتبطاً بأي شكل من الأشكال بالاستراتيجية الجديدة للغاز الطبيعي الحر أو الغاز المسال لتلك الدولة، بل كان مرتبطاً بشكل تام بعلاقاتها المتأزمة على نحو متواصل مع كبار المنتجين في «أوبك» أي السعودية والإمارات وبعض البلدان العربية الأخرى.

ويجادل البعض في أن قرار الانسحاب القطري قد زاد من قدرة الكارتل النفطي على التماسك في الأجلين المتوسط والطويل لكن من المحتمل أن تفضي هذه الخطوة إلى مزيد من الخلافات داخل منظمة «أوبك».

ومع خروج قطر من معادلة منظمة «أوبك» بحلول شهر يناير المقبل تشعر إيران بتراجع التأثيرات الحقيقية للعقوبات الأميركية، كذلك استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في فنزويلا وهي مؤشرات سوف تظهر بجلاء لاحقاً.

وفي ضوء ذلك، فإن منظمة «أوبك» لا تشكل ائتلافاً منسجماً إذ أنها تجمع الدول الكبيرة والصغيرة المنتجة للنفط التي يسعى كل منها لجني أعلى العوائد الممكنة.

لقد تميزت منظمة «أوبك» في شهر ديسمبر 2018 بكونها «أوبك» لدول الخليج العربي تقودها دولتان رائدتان رئيسيتان هما السعودية والإمارات، وفي ركابهما البلدان العربية الأخرى المنتجة للنفط أي الكويت وسلطنة عمان والجزائر وليبيا.

ويحاول العراق في الوقت الراهن إيجاد موقع له بين الائتلاف العربي، الذي تقوده السعودية وإيران. ويظهر أن منظمة «أوبك» في مرحلة تحول، وقد بدأت برسم علامات لطرق جديدة، وفيما يحاول البعض من الدارسين وضع علامات في الأرض فمن المحتمل أن يشهد الشهران المقبلان مبادرة من السعودية والإمارات لصياغة استراتيجية جديدة تهدف إلى إصلاح منظمة «أوبك».

ومن المحتمل أن يصبح الكارتل النفطي ائتلافاً بقيادة عربية تشارك فيه روسيا وربما بعض من دول آسيا الوسطى. وقد تواجه المجموعة المكونة من السعودية والإمارات وروسيا والمدعومة من ليبيا والجزائر والدول الأصغر حجماً في الخليج العربي معارضة محتملة من جانب بلدان أميركا اللاتينية الأعضاء في منظمة «أوبك».

وسوف يكون موقف نيجيريا، الذي لا يزال يدعم المملكة العربية السعودية وكذلك أنغولا حيوياً ومهماً في هذا المسار. وسوف تضع بنية «أوبك» الجديدة ضغوطاً على نفوذها داخل الكارتل، وتتمتع الدول المنتجة للنفط في أميركا اللاتينية، مثل فنزويلا أو الاكوادور، بقدر ضئيل من النفوذ في المنظمة.

مستقبل منظمة «أوبك»

سوف يتقرر مستقبل منظمة «أوبك» خلال الأشهر القليلة المقبلة. ومن خلال النظر إلى الوضع الراهن توجد حاجة إلى استراتيجية جديدة تؤدي روسيا فيها دوراً مهماً. ومن دون دعم من جانب موسكو سوف تكافح منظمة «أوبك» من أجل الحفاظ على مركزها. وقد تتعرض استراتيجية خالد الفالح المتبصرة والواعية إلى تحديات في ظل الوضع الجديد.

ومن دون موسكو لن يشهد السوق استقراراً – وعلى تلك الجبهة يمكن أن يكون لتأزم العلاقات بين الرياض وبعض الدول الغربية عائد جيد يزيد من قوة العلاقات السعودية – الروسية. وبات واضحاً دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة في قمة مجموعة العشرين. كما أن الصداقة المتنامية والتحالف الاقتصادي والعسكري الأقوى بين دول الخليج العربية وموسكو واضح ويمكن لـ«أوبك» الجديدة أن تكون أول إشارة حقيقية للواقعية الجيوسياسية الجديدة.

ويستمر معظم وزراء النفط في القول إن منظمة «أوبك» ليست تحالفاً جيوسياسياً بل اقتصادي لكن المعطيات الواقعية قوية. إذ يرتبط النفط والجوانب الجيوسياسية بقوة كما أن منظمة «أوبك» وروسيا هما قيادة القوة النفطية العالمية الجديدة. ونحن لا نعرف الشكل الدقيق الذي سوف تكون عليه «أوبك» الجديدة «نوبك» ولكن سنة 2019 قد تشكل بداية عصر جديد يكون فيه الغرب وآسيا بحاجة إلى التعامل مع قوة جيوسياسية جديدة. والوضع الراهن داخل منظمة «أوبك» ليس مستداماً والمخاطر عالية، والكل يشعر أن السوق يجب ألا يحكم من خلال تغريدات رئاسية أميركية. ويتعين على مراقبي أسعار النفط الاستعداد لمواجهة تقلبات حادة مع استمرار «أوبك» وشركائها من خارجها في مباغتة الأسواق.

* سيريل ويدرشوفن

* (أويل برايس)

back to top