دبلوماسية حساسة في الصحراء الغربية

نشر في 10-11-2018
آخر تحديث 10-11-2018 | 00:00
الملك محمد السادس
الملك محمد السادس
يصوّت مجلس الأمن الدولي على تمديد ولاية «بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية» (المينورسو)، وهي قوة حفظ السلام التي تراقب المنطقة العازلة الفاصلة بين الصحراء الغربية التي تسيطر عليها المغرب وبين الجزائر وموريتانيا، منذ عام 1991. وفي ذلك العام تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد حرب دامت خمسة عشر عاماً للسيطرة على الإقليم المتنازع عليه بين المغرب و»جبهة البوليساريو» التي تدعمها الجزائر، ويدّعي هذا التنظيم أنه يمثّل السكان الصحراويين الأصليين، وفي حين يكاد يكون من شبه المؤكد أن يتم تجديد ولاية «المينورسو»، فإن الزخم الدبوماسي الأخير يوحي بأن الوضع في تلك المنطقة قد يدخل مرحلة جديدة.

وتحمل حصيلة هذا الزخم آثاراً على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ومن بينها الحفاظ على الاستقرار في شمال غرب إفريقيا، واحتواء التهديدات الإرهابية الناشئة من المغرب العربي وحدوده الجنوبية، وتأمين الأمن البحري لـ»الأسطول السادس للبحرية الأميركية» في البحر الأبيض المتوسط، ومن شأن تدهور الوضع في الصحراء الغربية أن يقوّض تلك المصالح ويزعزع استقرار الدول المحيطة، في ظل سيناريو الخلافة غير المؤكّد في الجزائر المجاورة، والتهديدات الجهادية المستمرة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، وجهود روسيا لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، وعلى هذا النحو ينبغي على واشنطن أن ترّكز على الخطوة الأكثر فعاليةً في هذا الصدد، وهي تشجيع التقدم على الصعيد الدبلوماسي دون تقويض التحالفات الضرورية لهذا التقدم.

تعطل الاستفتاء

كان المبرر الأساسي لإنشاء «المينورسو» هو تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار في الوقت الذي وضعت فيه الأطراف المتناحرة الأساس لإجراء استفتاء يُفترض أن يختار فيه الصحراويون ما بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب، ولم يتم بعد إجراء هذا الاستفتاء بسبب العديد من العقبات، بما فيها الخلاف حول ما إذا كان يجب عرض الاستقلال الكامل كخيار في عملية الاستفتاء، وعدم التوصل إلى توافق في الآراء حول شروط أهلية الناخبين، واندلاع أعمال عنف بصورة دورية.

ومنذ أواخر التسعينيات حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي، عقد المغرب وتنظيم «البوليساريو» عدة جولات من المفاوضات غير الناجحة، توسطت في بعضها الولايات المتحدة وأُجريت أخرى برعاية الأمم المتحدة، وفي عام 2007، اقترحت حكومة الرباط خطةً لمنح الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، واعتبرت الولايات المتحدة هذا الاقتراح «جدياً وواقعياً وموثوقاً»، ووافقت فرنسا على هذا الرأي، إلا أن «البوليساريو» والجزائر رفضتاه. وفي العقد التالي، ومع تجمّد الصراع إلى حدٍّ كبير، واصلت الأمم المتحدة تجديد ولاية «المينورسو» لفترات فاصلة أمد كل منها عاماً واحداً، مدركةً على الأرجح دوْر تلك القوة في الحفاظ على الاستقرار النسبي في المنطقة.

وتم تجديد ولاية «المينورسو» مرةً أخرى في أبريل الماضي، ولكن لمدة ستة أشهر فقط، بناءً على إلحاح واشنطن كما أفادت بعض التقارير. وفي تصريحٍ لممثل عن الولايات المتحدة بعد تصويت الأمم المتحدة، أشار إلى «عدم إمكانية تسيير المزيد من الأعمال كالمعتاد»، الأمر الذي يوحي بأن الغاية من تقصير فترة التجديد هي حثّ الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات. ويتلاءم هذا التحوّل مع الاستراتيجية العامة لإدارة ترامب القائم على إرباك الوضع الراهن، الذي يشمل الأمور المتعلقة بالدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، كان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قد أعرب- خلال شغله منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بين عامَي 2005 و2006- عن استيائه من تعويق الاستفتاء في الصحراء الغربية بإشارته إلى «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية» باعتبارها عقبة أمام حل النزاع بدلاً من كونها أداة للاستقرار.

وهناك تطوران ملحوظان أعقبا تجديد ولاية «المينورسو» في أبريل: الأول هو قطْع المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في مايو، مدّعية أن إيران ساعدت «حزب الله» على تقديم الدعم المالي واللوجستي لجبهة «البوليساريو» عن طريق السفارة الإيرانية في الجزائر العاصمة. ولم تكشف الرباط علناً عن الأدلة الخاصة بها لهذا الاتهام، على الرغم من أنه تم سابقاً إيجاد شخصيات مسيطرة من «حزب الله» تعمل في المغرب، وهذه ليست المرة الأولى التي قطعت فيها الرباط علاقاتها مع طهران، لكن الصدع الأخير في العلاقات بين البلدين يتماشى بوضوح مع المسعى الأميركي الأخير لعزل النظام الإيراني.

والتطور الثاني هو ما حدث في 29 سبتمبر حين أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة هورست كولر عن خطط لإعادة إطلاق المفاوضات المباشرة حول نزاع الصحراء، وبعد زيارته للمنطقة وتشاوره مع نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل، دعا كولر رسمياً ممثلين من الجزائر وموريتانيا والمغرب والصحراء الغربية لإجراء مفاوضات في جنيف بين 5 و6 ديسمبر، وقبلت جميع الأطراف الأربعة هذه الدعوة، وإذا أتت إلى المفاوضات في ديسمبر، فستمثل تلك المحادثات الجولة الأولى من مفاوضات متعددة الأطراف منذ أكثر من عقد من الزمن.

المخاطر والمكافآت

من المرجح أن تحدد كيفية قراءة المسؤولين الأميركيين لهذه التطورات أسلوب تعاملهم مع جلسة التصويت المقبلة لتجديد ولاية «المينورسو» وما بعدها، فقد تميل إدارة الرئيس ترامب إلى تفسير قطع المغرب علاقاتها مع إيران كتصديق لنهجها الخاص القائم على «الحُب القاسي». وبالفعل، ربما سعت المملكة إلى إظهار قضيتها المشتركة مع الولايات المتحدة من أجل تجنّب موقف غير ودي بشأن الصحراء الغربية. وبالمثل، قد تجادل واشنطن بأن الزخم الواضح الذي يبديه كولر نحو المفاوضات المباشرة يثبت صحة قرار تقصير ولاية «المينورسو»، ولكن بغض النظر عما إذا كانت التطورات الأخيرة قد تُعزى إلى ذلك القرار، ينبغي على الإدارة الأميركية التركيز على وضع استراتيجية دبلوماسية للأشهر المقبلة لا تأخذ في الاعتبار الفوائد الظاهرية الناتجة عن السعي إلى تغيير الوضع القائم فحسب، بل تفكّر أيضاً بالمخاطر المصاحبة التي يمكن أن تعرقل الحل السلمي للخلاف وتقوّض المصالح الأميركية الأوسع نطاقاً.

وستظهر هذه المخاطر في طليعة المشاكل إذا اعتمدت الإدارة الأميركية سياسةً يعتبرها أي من الأطراف المعنية أحادية الجانب بشكل صارخ، فهذا الوضع قد يدفع الجهات المتضررة إلى القيام بأعمال عنف، وبالرغم من كل الاستياء المفهوم الناتج عن عدم إحراز تقدم في هذه المسألة، فإن اندلاع نزاع مسلح مرةً أخرى في إحدى البقاع القليلة المتبقية التي تشهد استقلالاً نسبياً في العالم العربي سيدفع واشنطن سريعاً إلى الشعور بالحنين إلى العقود التي تميزت بالهدوء الهش.

ولتقليل هذه المخاطر، يجب على واشنطن أن تُطمئن حلفاءها في الرباط- حيث تبقى الصحراء الغربية قضية مثيرة للعواطف بشكل كبير- بأن الدعم الأميركي للمبادرات الدبلوماسية الأخيرة لن يقوّض العلاقات الثنائية بين البلدين، ويشير التاريخ إلى أنه كلما لمست المملكة المغربية تردداً في الموقف الأميركي، كانت النتيجة حدوث ضرر في العلاقات الأميركية-المغربية، وتزايد النشاطات المسلحة لجبهة «البوليساريو» ورعاتها الجزائريين، وتراجع النفوذ الأميركي الكفيل في توجيه كل جانب بعيداً عن العنف.

كما أن الطبيعة الحساسة للوضع الراهن تُبرز ضرورة إقرار الكونغرس لمرشح الإدارة الأميركية لسفيرها إلى المغرب. وبالمثل، ففي حين سبق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن ناقش مسألة الصحراء الغربية مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تشكّل دعوة الملك محمد السادس إلى البيت الأبيض الخطوة الأكثر أهمية من حيث النتائج، ومن شأن هذا التطوّر أن يشير إلى أن الولايات المتحدة تنوي تعزيز علاقتها مع حليف رئيسي لها حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي منذ أمد طويل.

back to top