ربيع أم جحيم؟!

نشر في 25-10-2018
آخر تحديث 25-10-2018 | 00:19
 حسن العيسى يعود الباحث الأستاذ مروان المعشر، وزير أردني سابق ونائب الرئيس في مؤسسة كارنجي للدراسات، لطرق موضوع احتمال عودة الربيع العربي، ففي مقاله الأول في إصدار المؤسسة أبدى المعشر خشيته أن أنظمة الحكم العربية في قمتها الأخيرة لم تستوعب درس ثورة 2011، الذي تمت تسميته بالجحيم العربي، فهو يرى وإن كان الوصف الأخير دقيقاً من الناحية التقنية لأن لا أحد ينكر "... ما حدث في المنطقة من قتل وتشريد ونزاعات طائفية وتفكك الدول..."، لكن هذا التوصيف يوحي بإمكانية "دحر هذا الجحيم أمنياً والعودة للوضع القائم قبل 2011... هذا يعني أن أنظمة الحكم لم تستوعب درس 2011 أو تتجاهل أن الوضع القائم قبل الثورة العربية كان في أزمات عميقة، وإلا لماذا نزل الناس للشارع... كما أن محاولة تصوير الثورات، وكأنها نتاج لمؤامرة خارجية يوحي ببعد الحكومات عن الناس وحاجتهم إلى أنظمة حكم رشيدة تحترم عقولهم وتشركهم في القرار..."!

في بحثه الآخر عن عودة الربيع "الجحيم كما أرادوا تسميته" بشهرية "فورن افيرز" العدد الأخير، يتوسع مروان في تـأصيل الحالة العربية، ويقرر بأن الحكومات العربية استخدمت الثروة النفطية لتوفر الرعاية الاقتصادية والاجتماعية (مباشرة في دول الخليج وغير مباشرة عبر المساعدات التي تقدمها دول الخليج للدول العربية التي تفتقد الثروة النفطية)، وكان هذا يتم "بعقد اجتماعي يتمدد من الأعلى للأسفل، من النظام الحاكم إلى الناس، إلا أن الظروف تغيرت، فهناك هزة هبوط أسعار النفط بعد عام 2014، وهناك تصور بأن الأسعار ومهما يحدث لها من تقلبات لن تعود لسابق عهدها".

فكيف لهذه الحكومات أن تنفق على أكبر قطاع عام في العالم، وكيف يمكن الاستمرار في دعم هذا الجهاز البيروقراطي الكبير من الموظفين وشراء الولاءات في الداخل والخارج بعد أن تقلصت الثروات! البطالة الآن تتوسع إلى فوق العشرة في المئة، ومع جيل الشباب شكلت فوق الثلاثين في المئة في عدد من الدول العربية، فكيف يمكن الاستمرار بهذا الحال!

من دون عقد اجتماعي جديد، الذي يجب أن يتمدد أفقياً بين الناس وأنظمة الحكم، عبر مشاركة الشعوب في صنع مصيرها، فلا جدوى من الحديث عن إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي.

كيف يمكن الشروع في الإصلاح السياسي في بلدان تتنازعها صراعات الهويات بصورة مخيفة، قضية الهويات (قومية أو عرقية أو طائفية)، والتعصب لعرق ورفض الغريب كدخيل على الهوية، تتوسع في أوروبا الشرقية، مثل هنغاريا وبولندا، ولها صورها في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها في منطقتنا العربية هي حرب البسوس الممتدة، فهل تنتهي بصندوق الانتخابات دون تجذر الوعي السياسي بهوية موحدة عند شعوب عاشت حقباً ممتدة من القهر والتفكك؟! هل من جدوى لنبش وهم أو حقيقة "المستبد" الذي يمكن أن يقود ويشرع للتغيير الاجتماعي قبل تأهيل المؤسسات السياسية والاجتماعية، مثل الارتقاء بالتعليم واستقلال القضاء وضمان حقوق الإنسان وغيرها؟ ماذا تعلمنا من تجربة الشاه في إيران قبل الثورة أو سوهارتو إندونيسيا مثلاً...؟! ليست هناك أجوبة قاطعة وخريطة سهلة تنير الطريق... الذي سيبقى مرعباً في دولنا مع أنظمة لا تقرأ التاريخ ولا تتعلم من تجارب الآخرين.

back to top