ضربات إيران الصاروخية الأخيرة تُظهر استراتيجيتها

نشر في 22-09-2018
آخر تحديث 22-09-2018 | 00:02
جيل جديد من الصواريخ الإيرانية
جيل جديد من الصواريخ الإيرانية
تريد طهران أن تؤكد أنها تُحكِم قبضتها على العراق الذي يشكّل جوارها الأدنى، وأن أي محاولة أميركية لتشكيل حكومة موالية لواشنطن في بغداد يجب أن تأخذ هذا الواقع في الاعتبار.
أطلق حرس الثورة الإسلامية الإيراني سبعة صواريخ أرض- أرض على قواعد تابعة لمجموعات كردية معارضة في العراق، ويُظهر هذا الهجوم، الذي صورته طائرة من دون طيار تابعة لحرس الثورة، أن إيران تستطيع تنفيذ ضربات دقيقة، كما يؤكد للمجموعات الكردية المعارضة وداعمي واشنطن في بغداد أن إيران ستواصل عملياتها في العراق ضمن إطار سياستها لممارسة نفوذها في المنطقة. في الوقت عينه، نفذت مجموعات كردية أخرى، مثل حزب الحياة الحرة الكردستاني، هجمات عالية المستوى ودعت إلى تأليف جبهة موحدة في وجه إيران.

يترافق بروز التمرد الكردي في إيران مع العقوبات الأميركية وانسحاب واشنطن من الصفقة النووية الإيرانية، كذلك زار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني مصطفى هجري واشنطن وأعلن أنه يأمل أن تساعدهم الولايات المتحدة وقوى العالم «في مواجهة النظام».

تستعرض إيران قوتها بشمال العراق في وقت يواجه هذا الأخير فوضى سياسية مستمرة في بغداد مع عجز الأحزاب عن التوصل إلى اتفاق ائتلافي رغم مرور ثلاثة أشهر على الانتخابات. قبل يوم من الهجوم الصاروخي، استهدف متظاهرون عراقيون في مدينة البصرة القنصلية الإيرانية وأحرقوها. صحيح أن المتظاهرين كانوا مستاءين بسبب نقص الخدمات، إلا أنهم وجهوا غضبهم نحو الأهداف والأحزاب المرتبطة بإيران. ولا شك في أن رابطاً واضحاً يجمع بين هذه التظاهرات ضد النفوذ الإيراني في جنوب العراق والغارات التي شنتها إيران عبر الحدود. تعتبر إيران العراق «جوارها الأدنى» أي منطقة مصالح أمنية وطنية إيرانية حيث تسعى طهران إلى نشر نفوذها وقوتها كي تولّد حاجز صد في وجه المخاطر فيما تعمل على تعزيز المجموعات الموالية لها.

ولكن لمَ اختار حرس الثورة الإيراني هذا الوقت لتنفيذ ضربته؟ تملك المجموعات الكردية التي تعارض حرس الثورة الإيراني قواعد في شمال العراق منذ عقود، لكن معظم هذه المجموعات أوقفت عملياتها الهجومية في تسعينيات القرن الماضي بعدما نفذت إيران سلسلة من الهجمات ضدها شملت عمليات اغتيال وضربات بالمدفعية. أعلن حرس الثورة عبر وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية أنه نفذ الهجوم الأخير «بعدما تجاهل قادة مجموعات إرهابية عدداً من التحذيرات الجدية من مسؤولي إقليم كردستان العراق، فضلاً عن تصميم الجمهورية الإسلامية على تفكيك قواعد هذه المجموعات». تشير هذه الكلمات إلى أن هدف إيران كان توجيه رسالة إلى إقليم كرستان، الذي يتمتع باستقلال ذاتي في العراق، مفادها أن السماح للمجموعات المعارضة بالعمل قد يزعزع هذه المنطقة الكردية المستقرة نسبياً والمزدهرة اقتصادياً.

تفاخر حرس الثورة الإيراني بقدراته عقب هجوم كوية، فقد نشر صوراً التقطتها طائرة من دون طيار لصواريخ «فاتح-110» البالستية القصيرة المدى، وهي تضرب أحد الأهداف، مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، الذي انشق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. كذلك أعلن أن قواته الجوية الفضائية نفذت هذا الهجوم «بالتعاون مع وحدة الطائرات من دون طيار في سلاح البر في حرس الثورة الإيراني».

جيل صاروخي جديد

وأشار بيان أصدره الحرس إلى أن هذا الهجوم يُظهر أن حرس الثورة في إيران مستعد للدفاع عن حدود بلده، لكن توجيه ضربة على بعد مئة كيلومتر تقريباً داخل العراق، انطلاقاً من مواقع قرب مدينة تبريز في العمق الإيراني، يتخطى بأشواط ما حققته إيران في الماضي، فيُظهر استخدامها صواريخ فاتح-110، وفق أشرطة الفيديو التي نشرتها، وأسلحتها المميتة الدقيقة. وقد كشفت طهران عن الجيل الجديد من فاتح-110 ونفذت اختبارها الأول قبل أكثر من سنة، أما اليوم، فقد صوّر مدنيون في تبريز الصواريخ وهي تُطلق، وسقطت هذه الصواريخ على الباحة والغرفة التي كان يُعقد فيها اجتماع رفيع المستوى في مبنى أشبه بحصن تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) في كويه. وتشكّل القدرة على ضرب تلك الغرفة بالتحديد من بين مئات الغرف في المجمّع أول مرة تترجم فيها إيران قدراتها التي لطالما استعرضتها «على الورق» وتحولها إلى فاعلية ملموسة.

تعتبر الإدارة الأميركية الحالية برامج الصواريخ البالستية هذه تهديداً، لذلك فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أعضاء حرس الثورة المرتبطين ببرنامج الصواريخ وفيلق القدس. ولكن بقتلها 17 شخصاً في شمال العراق، تعلن إيران عن سياستها. تريد أن تؤكد أنها تُحكِم قبضتها على العراق الذي يشكّل «جوارها الأدنى» وأن أي محاولة أميركية لتشكيل حكومة موالية لواشنطن في بغداد يجب أن تأخذ هذا الواقع في الاعتبار. في الأسابيع الأخيرة، ندد قادة الميليشيات الشيعية العراقية بدور الولايات المتحدة في العراق. فقد حمّل أبو مهدي المهندس من كتائب حزب الله الولايات المتحدة مسؤولية أعمال العنف في البصرة. بالإضافة إلى ذلك، انتقد هادي العامري، قائد الحزب الأكبر الموالي لإيران الذي يسعى إلى تأليف الحكومة التالية، نفوذ الولايات المتحدة. كذلك حذرت تقارير المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية هذه السنة من أن الميليشيات المدعومة من إيران تهدد الولايات المتحدة في العراق. إذن، يُظهر الهجوم على المنطقة الكردية لصانعي السياسات الأميركيين أن أي دعم لهذه المجموعات الكردية سيواجَه بالقوة، حتى مع تطبيق الولايات المتحدة سلسلة من السياسات التي تهدف إلى التصدي لإيران في المنطقة والحد من نفوذها في العراق.

يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وغيره من المجموعات الكردية المعارضة في العقوبات الاقتصادية ضد طهران فرصة للسعي إلى التغيير في إيران. صحيح أن طهران تصف هذه المجموعات بـ»الانفصالية» و»الإرهابية»، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني يؤكد أنه يرغب في دولة إيرانية ديمقراطية فدرالية، ويتوافق هذا مع تأكيد إدارة ترامب أنها لا تسعى وراء تغيير النظام بل تغيير سلوك طهران.

لكن استخدام إيران صواريخ دقيقة يشكّل نقيض ذلك التغيير في السلوك، على العكس، يمثل جزءاً من إستراتيجية إقليمية تشمل الصواريخ التي يُطلقها الحوثيون المدعمون من إيران على المملكة العربية السعودية والصواريخ التي تطورها إيران في سورة وتُطلَق على إسرائيل. كذلك يرتبط استعمال الطائرات من دون طيار في هجوم كويه باستخدام إيران الطائرات من دون طيار لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي في شهر مايو، ولكن بخلاف إسرائيل حيث تصدت الدفاعات الجوية للاعتداءات الإيرانية، لا تملك كويه في العراق أي دفاعات صاروخية. ولا بد من أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق لأن الهجوم على كويه يشكّل عرضاً مذهلاً لقدرات إيران واستعدادها لاستعمال الصواريخ ضد مجموعات ودول مجاورة.

back to top