السجون محاضن للفكر المتطرف

نشر في 06-08-2018
آخر تحديث 06-08-2018 | 00:06
 د. عبدالحميد الأنصاري العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والتنظيمات المتطرفة، علاقة صراع مستمرة، وتنافس على الاستحواذ على عقول الشباب: وفيما تسعى الأنظمة الحاكمة، بحكم مسؤوليتها المجتمعية، إلى تحصين الشباب وتقوية مناعتهم أمام أفكار هذه التنظيمات، عبر مختلف الوسائل والأساليب: تطوير المناهج، وتجديد الخطاب الديني، وتفنيد طروحات التنظيمات المتطرفة، وتحصين المساجد ومنع غير المؤهلين من اعتلاء منابرها، إضافة إلى رفع كفاءة الإعلام في مواجهة غزو الفكر المتطرف، وكذلك السعي لتجفيف كل منابعه وروافده، وقطع تمويله دولياً، نجد أن هذه التنظيمات تجاهد في ابتكار وسائل جديدة لجذب الشباب إلى أفكارها، ومن ثم تجنيدهم لعملياتها الإرهابية.

كانت المساجد، بيوت الله تعالى، فيما مضى، مرتعاً خصبا لتجنيد الشباب للفكر الضال، وكذلك معاهد وبيوت تحفيظ القرآن الكريم، حيث تمت عمليات غسيل أدمغة لآلاف الشباب المسلمين، ودفعهم إلى أعمال ضارة بأنفسهم وبمجتمعاتهم، حتى انتبهت الحكومات إلى خطورة التسامح مع هذه التنظيمات في استغلال المساجد والمعاهد، فاتخذت الإجراءات اللازمة في حماية بيوت الله تعالى من المد المتطرف، كما عمدت هذه التنظيمات إلى المناهج الدينية، وجمع الأموال الخيرية لإقامة مدارس على امتداد العالم الإسلامي، بأقسامها الداخلية، وبخاصة في الدول الفقيرة، وذلك لاحتضان الشباب وتربيتهم على أفكارها وأيديولوجيتها، وتهيئتهم ليكونوا جنودها، ورصيدها الاسترتيجي، فقامت الحكومات والأنظمة بمراقبة هذه المدارس وضبط تمويلها، ومحاولة تطوير مناهجها، وإبعاد المدرسين المتشددين عنها، إلا أن هذه التنظيمات لم تعدم الوسائل التي تجتذب الشباب إلى طروحاتها، إذ نجحت في استغلال الشبكة العنكبوتية، وسائر وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر أفكارها والوصول إلى شباب العالم الإسلامي أينما كانوا إلكترونيا، فيما سمي "التجنيد الإلكتروني"، وتقف الأنظمة الحاكمة عاجزة عن السيطرة الكاملة على هذه الوسيلة الإلكترونية رغم تطور آليات المراقبة والتحكم.

وهكذا هي طبيعة الصراعات بين الأنظمة والتنظيمات، فكلما نجحت الأولى في سد ثغرة في وجه التطرف، سبقت الأخرى إلى ابتكار وسائل أخرى لنشر فكرها، في سلسلة عمليات كَر وفر، لا تكاد تنتهي. خذ مثالاً: السجون.

السجون، اليوم، أخطر وسائل احتضان الفكر المتطرف واصطياد الشباب وتجنيدهم، ليست السجون العربية فحسب، بل السجون الأوروبية، ففي تقرير خطير نشرته "واشنطن بوست" لمراسلتها أماندا إريكسون، أن السجون الأوروبية أصبحت محاضن خاصة للتطرف الإسلامي، مع عودة ما لا يقل عن 1500 عنصر متطرف داعشي، مطلوبين قضائياً، مما يشكل معضلة أمام السلطات، طبقاً للخبير البلجيكي توماس رينارد، الذي تساءل: كيف نجمع هذا العدد الكبير من السجناء المتهمين بالإرهاب في مكان واحد، بذلك نسهل عليهم قدرات التجنيد!

وتستطرد المراسلة: على مدى تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة، كانت السجون في مختلف الدول عبارة عن حضانات للمجموعات الإرهابية، لماذا؟ لأن الأشخاص المتطرفين، عندما تنقطع صلاتهم تماماً بالأسرة والتأثيرات الاجتماعية المعتدلة، ويتعرضون لما يعتبرون أنه عقاب غير منصف ولا عادل، تتزايد حدة الغضب ومشاعر السخط لديهم، ويتحولون إلى التطرف في محاولة للانتقام، في السجون، يجد هؤلاء أنفسهم محاطين بالشباب المضطربين نفسياً واجتماعياً وفكرياً من الذين يبحثون جاهدين عن (هوية ما) تميزهم، و(قضية ما) يعيشون حياتهم لأجلها.

وتضيف: وبالنسبة إلى المتطرفين تصبح السجون فرصة ذهبية سانحة لتعميق صلاتهم بعالم الالتزام الأيديولوجي، وفِي الوقت نفسه يحاولون المساعدة في تجنيد وتدريب الجيل الجديد من المتطرفين الشبان.

أصبحت السجون من أهم المحاضن للفكر المتطرف، وتحولت إلى مرتع خصب لزرعه ونشره، بل تعد معيناً لا ينضب لتخريج المتطرفين الجدد، فعتاة الإرهابيين تخرجوا من السجون، وجميع الذئاب المنفردة الذين روعوا أوروبا بإرهابهم، هم خريجو سجونها، لأن الإنسان السجين خلف أربعة جدران، بعيداً عن الصحب والأهل والخلان، يكون في أضعف حالاته، لا حصانة فكرية، ولا مناعة نفسية، بل بيئة كراهية، ورفقة ناقمة على الحياة والمجتمع، وعوامل تضعف مناعة الإنسان تجاه فيروسات التطرف، فسيد قطب ألف "معالم في الطريق"، وكفر المجتمع والدولة، في السجن، صحيح أنه لم يعذب، لأنه كان مريضا ومحتجزاً يتلقى الرعاية الطبية بمستشفى السجن، لكن أجواء السجون جعلته ناقما.

ختاماً: ليس كل من دخل السجن خرج ناقماً متطرفاً، هناك مفكرون عظماء دخلوا السجون وخرجوا وأصلحوا مجتمعاتهم.

* كاتب قطري

back to top