الإمام الشعبي... نموذج لتواضع العلماء

نشر في 07-06-2018
آخر تحديث 07-06-2018 | 00:00
No Image Caption
لستِّ سنواتٍ خَلَتْ مِن خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وُلِد طفل نحيل الجسم، ضئيل الجِرم، قصير القامة، أسمر اللون، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار أبو عمرو الهمداني الشعبي، والمشهور بـ"الإمام الشعبي".

نشأ الفتى مولعاً بالعلم، شغوفاً بالمعرفة، يبذل في سبيلهما النفس والنفيس، ويستسهل من أجلهما المصاعب، حتى بلغ الشعبي في العلم منزلةً جعلته رابع ثلاثةٍ في عصره، فقد كان الزهري يقول: "العلماء أربعة؛ سعيد بن المسيِّب في المدينة، وعامر الشعبي في الكوفة، والحسن البصري في البصرة، ومكحولٌ في الشام"، وجمع الشعبي إلى العلم الحلم، فقد روي أن رجلاً شتمه أقبح الشتم، وأسمعه أقذع الكلام، فلم يزِدْ عن أن قال له: "إن كنت صادقاً فيما تقول: فغفر اللهُ لي، وإن كنت غير صادق، فغفر اللهُ لك".

وقد أوتي الشعبي من بلاغة الكلام الشيء الكثير، وكان عذب الروح، حلو المفاكهة، لا يفوِّت الطُرفة إذا لاحت له، ويروى أن رجلاً دخل عليه، وهو جالسٌ مع امرأته، فقال: أيكما الشعبي؟، فقال: هذه"، وسأله مرة أحدهم: مَن تكون زوجة إبليس؟، قال له: واللهِ هذا عرسٌ ما شهدته، وكان يقول: لا تمنعوا العلم أهله فتأثموا، ولا تحدثوا به غير أهله فتأثموا.

ومن جميل ما قال الشعبي: اتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين فإنهما آفة كل مفتون، وقال: ليس حسن الجوار أن تكف أذاك عن الجار ولكن حسن الجوار أن تصبر على أذى الجار."، وكان الشعبي يكره المراء، ويصون نفسه عن الخوض فيما لا يعنيه، فقدْ كلَّمه أحد أصحابه ذات يومٍ فقال: يا أبا عمرو، فقال: لبيك، قال: "ماذا تقول فيما يتكلَّم فيه الناس من أمر هذين الرجلين، قال: أي الرجلين تعني؟، قال: عثمان، وعلي، قال:"إني والله لفي غنىً عن أن أجيء يوم القيامة خصيمًا لعثمان بن عفَّان، أو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما جميعاً"، مَن أنا حتى أكون حكمًا بينهم؟، أنا غني عن أن أكون خصمًا لأحد هذين الصحابيين الكبيرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا".

ولمَّا آلت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، كتب إلى الحجَّاج عامله على العراق: أن ابعث إليَّ رجلاً يصلح للدين والدنيا، أتخذه نديماً أو جليساً، فبعث إليه بالشعبي، فجعله من خاصَّته، وأخذ يفزع إلى علمه في المُعضلات، ويعوِّل على رأيه في الملمَّات، ويبعثه سفيراً بينه وبيـن الملوك.

اختلف المؤرخون فى تحديد تاريخ وفاة الشعبي قالوا: توفي بالكوفة سنة خمس ومئة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقالوا: توفي سنة أربع ومئة. وعن أبان بن عمر بن عثمان قال: مات الشعبي سنة أربع ومئة. وقال غيره: توفي سنة ثلاث ومئة، يرحمه الله.

back to top