المكان في الدراما الكويتية

نشر في 29-05-2018
آخر تحديث 29-05-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري أغلب الأعمال الكويتية الدرامية بقيت محصورة بين ماضي الكويت الذي تم تحديده مكانيا في المناطق التي تسمى داخلية أو مناطق السور وبين عالم الفلل والقصور والسيارات الفارهة والحياة الباذخة. وأوصلت هذه الأعمال قناعات غير واقعية عن الواقع الكويتي سواء في الماضي أو الحاضر. فلم تكن حياة الكويت الماضي مقصورة على منطقتين داخل السور وكأن بقية الأرض وسكانها انضموا لاحقا للوطن أو تلك الأراضي لم تكن مأهولة. كذلك هو الحال فيما يخص الحياة الباذخة والمعيشة الفارهة التي تحاول بعض الأعمال تصويرها، فالواقع، كما نعلم جميعا، لا تمثله هذه الأعمال التي تختار للتصوير مواقع فلل يقتني جميع أفرادها سيارات ألمانية حديثة. ولن أناقش سبب تلك الصورة التي يحاول العمل الدرامي تقديمها كصورة نمطية للمواطن الكويتي ولا الهدف منها، ربما نتناول ذلك في وقت آخر، ولكنني سأبحث في محاولة هذه الأعمال البعد عن أمكنة أخرى أقل حظا في تسليط الضوء عليها.

سأستعير من النقد الكولونيالي وما بعد الكولونيالية مصطلح الأنا Self والآخر Other.

يمثل الأنا أو المستعمِر العنصر الأقوى في المعادلة صاحب السطوة الفكرية والثقافية واللغة المهيمنة، في المقابل يمثل المستعمَر أو الآخر العنصر المستلب والمهمش والسائر في ركاب مستعمره. علما بأن اختيار المصطلح هنا لا يعني تطابق الحالة أو تشابهها وما ستعرضه عن المكان في العمل الدرامي الكويتي.

في حالة الدراما التي تتناول الماضي والذي تم اختصاره في مكان واحد يمثل جميع الأماكن التي تم تهميشها حيث تم تجاهل البحث فيها سواء كانت قروية أو بدوية. ففي أغلب هذه الأعمال تم تناول حياة البحر ولهجة أهل البحر وتجاهل أماكن تمثل بالنسبة لهذا المكان/الأنا مكانا آخر، مكانا مغيبا وكأنه ليس سوى تابع لهذا الأنا. لم يكن في الواقع المكان/الآخر غير منتج اجتماعيا واقتصاديا ولم يكن عاقرا عن إنجاب كتاب يستطيعون التعبير عن تفاصيله الغائبة أو المغيبة. أغفلت الأعمال الدرامية في الكويت الحياة في أماكن كانت ستزيد الدراما تنوعا وثراء، أماكن لها أيضا خصوصيتها وتميزها. لا أريد أن أسيء الظن في أن تجاهل تلك الحياة كان متعمدا لإضفاء صبغة موحدة للحياة الكويتية التي اختلفت فيها العادات والتقاليد وتباينت فيها اللهجات وطرق العيش. فالماضي بالقرب من البحر لم يكن هو ذات الماضي بعيدا عنه ولا يقتسم معه الكثير كي يعبّر الأول عن الثاني. فلا نمط الحياة ولا طريقة العيش ولا اللهجات هي ذاتها.

لم يكن الوضع في الأعمال التي تناولت الحياة الجديدة بعد ذلك ليختلف عن سابقه. فتم اعتماد هذا المكان/الأنا الجديد بديلا للقديم وتم تجسيد صورة نمطية غير واقعية عن المجتمع. فأغلب هذه الفلل والقصور التي تصور الحياة فيها ولهجات أصحابها لا تمثل حقيقة حياة أغلب الكويتيين ولا مناطقهم من الشمال حتى الجنوب. الحياة في الجهراء، على سبيل المثال، وتطورها الطبيعي لم يكن انتقالا سهلا وليست حالات سكانها لتتطابق مع ما تصوره الأعمال الدرامية اليوم والتي اعتبرته مكانا/آخر.

يكمن السبب دون شك في تخلي كتاب هذه الأماكن عن سرد سيرة سكانها سواء في الماضي أو الحالي. وحتى الذين غامروا في خوض العمل الدرامي انضموا إلى المكان/الأنا مقابل المكان /الآخر. الوقت مازال متاحا لتقديم أعمال تظهر تنوع المجتمع كما يحدث في الأعمال العربية الأخرى والتي قدمت شرائح المجتمع في أماكن مجتمعية مختلفة. فمن يعلق الجرس؟

back to top