ترامب وبوتين... تنافس على عرش «مَلك الفوضى»

نشر في 26-05-2018
آخر تحديث 26-05-2018 | 00:00
إلى أين يتجه الصراع الأميركي - الروسي؟
إلى أين يتجه الصراع الأميركي - الروسي؟
نشهد اليوم سباق أحصنة في المضمار الجيو-سياسي على مَن يستطيع أن يتوَّج رسمياً ملكاً للفوضى، مع سعي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب للفوز بهذا اللقب؟ يكمن الاختلاف بينهما في أن تاريخ روسيا، وثقافتها، وبنيتها الاقتصادية الراهنة تقدّم منهجاً لجنون بوتين، ولكن في حالة ترامب كرئيس للولايات المتحدة، إذا استثنينا جشع الإنسان، يصعب علينا تمييز منهج مماثلة.

اعتُبرت روسيا الخاسر الوحيد في لعبة العولمة، فبعدما غرقت في كليبتوقراطيتها (نظام حكم اللصوص) ولم تنضم إلى العالم المعولم، عانت روسيا في السنوات الأخيرة تراجعاً اقتصادياً، فيتحوّل النفط، وهو منتجها الرئيس، بسرعة إلى منتج قديم، رغم الانتعاش الأخير الذي شهدته أسواق النفط، وبما أن النفط كان حتى وقت ليس ببعيد منتجاً لا بديل له، لم يحتج الاقتصاد الروسي إلى تعزيز مهاراته التجارية بغية تطوير منتجات أخرى وبيعها للعالم.

لعبة القوى العظمى

إذاً، يجني بوتين قوةً من زعزعة العالم المعولم، ويدرك أن روسيا تحتاج إلى تغييرات ضخمة كي تصبح لاعباً في العولمة، تغييرات تهدد السلطة، لذلك يدرك بوتين بوضوح أن الصين قد ترى مستقبلها في العولمة إلا أن قوة روسيا تكمن في لعبة القوى العظمى القديمة الطراز، ويعي بوتين أيضاً أن روسيا تستطيع مع تراجع عدد سكانها واقتصادها الصغير، أن تشكّل لاعباً مهماً في هذه اللعبة.

الرابح الأكبر

مع الكتلة البرية الكبرى التي تلامس معظم المناطق الساخنة في العالم وتجاور أوروبا والصين أيضاً ومع ثاني أكبر ترسانة نووية في العالم، فضلاً عن حق التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا داعي لأن يصلح بوتين اقتصاده ليكون لاعباً، فإذا لُعبت هذه اللعبة بطريقة تقليدية، تصبح روسيا لاعباً مهماً، مع أنها تملك اقتصاداً يعادل بحجمه اقتصاد إسبانيا وعدد سكان يفوق بثلاثة أضعاف عدد سكان هذا البلد.

يسمح نشر الاضطراب لبوتين بتسديد لكمات تفوق بقوتها وزن روسيا الاقتصادي، لكن هذا الاضطراب لا يسيء فحسب إلى النظام العالمي الذي خصته باستثمار كبير مربح، بل يلحق الضرر أيضاً بمستقبل الولايات المتحدة. فلا تزال الولايات المتحدة الرابح الأكبر من العولمة، لا شك في أن العولمة عادت بالفائدة على دول مثل الصين كانت تعيش في فقر مدقع وباتت ثرية بفضل العولمة، إلا أن الولايات المتحدة ازدادت ثراء.

لنتأمل في ما حدث منذ عام 1980عندما بدأت العولمة تبرز كعامل مهم، كانت الولايات المتحدة تملك آنذاك ناتجاً وطنياً إجمالياً يبلغ 2.8 تريليون دولار، في حين كان ناتج الصين 302 مليار دولار فقط، ولكن بحلول عام 2016، كان الاقتصاد الأميركي قد نما إلى 18.6 تريليون دولار، في حين بلغ الاقتصاد الصيني 11.3 تريليوناً. إذاً، نما الاقتصاد الأميركي كثيراً، حتى لو أخذنا في الاعتبار انهيار عام 2008. صحيح أن معدل نمو الصين خلال الفترة عينها جاء أعلى بكثير، إلا أن هذا منطقي. فإذا انطلقت من مقدار ضئيل، فعليك السعي لمجاراة الآخرين، وتبقى الفكرة الأهم أن الولايات المتحدة لم تفتقر فيما كانت الصين تزداد ثراء، بل العكس.

بما أن الصين انطلقت من الصفر تقريباً عندما بدأت العولمة، تبدو مكاسبها للعالم الخارجي أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع، فإذا تأملنا وضعها على صعيد الفرد، لا تزال الصين بالغة الفقر مقارنة بالولايات المتحدة، ففي عام 2017، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني للفرد، بالاستناد إلى تعادل القدرة الشرائية، 15660 دولاراً فقط مقارنةً بـ59501 دولار للفرد في الولايات المتحدة. حتى اليونان، رجل أوروبا السقيم مع دخل فردي يبلغ 27737 دولاراً، تُعتبر أكثر ثراء من الصين.

بينما كانت الصين تزداد ثراء، جنى المستهلكون الأميركيون الفوائد عموماً، بخلاف ما يوحيه الخطاب السائد، ويكفي أن ننظر إلى السلع الأساسية مثل ملابس الأطفال والأولاد، فإن أسعار هذه السلع بفضل الواردات من الصين، انخفصت بنحو 10 في المئة بين عامَي 1999 و2013، ويشير بنك الاحتياطي الفدرالي في دالاس إلى أن الأميركيين شهدوا اتساع خيارهم من المنتجات بمقدار الثلث خلال العقود الأخيرة بفضل العولمة.

لكن حروب ترامب، التي خاضها تطبيقاً لإستراتيجيته «الولايات المتحدة أولاً «، تتعارض مباشرةً مع مصالح الولايات المتحدة في عصر العولمة، فلا تساهم هذه الحروب في تقوية الولايات المتحدة في وجه عدد سكان الصين الضخم وقوتها الاقتصادية اليوم وفي وجه قوة الهند الاقتصادية قريباً. لنتوقف فقط عند فكرة الأصول الملموسة مقابل الأصول غير الملموسة. صحيح أن مصنع الفولاذ المحلي القديم الثابت يحقق النجاح كوحدة اقتصادية وطنية في عالم انعزالي، غير أن الشركات الجديدة التي تتمتع بأصول غير ملموسة، مثل آبل وغوغل، تستخدم العالم كمنصتها وتولّد أرباحاً ضخمة نتيجة ذلك. كذلك يشكّل الرأس مال البشري، الذي تعتمد عليه آبل وغوغل، النفط الجديد.

مكاسب ترامب

ما من دولة كبرى أخرى تتمتع، مثل الولايات المتحدة، بهذه الميزة الاقتصادية والفكرية الأساسية في هذا المجال، لذلك، ماذا يكسب الرئيس ترامب من دفع الولايات المتحدة نحو الفوضى؟ لا شك في أن هذا ينال رضا قاعدته السياسية على الأمد القصير، لكن المشكلة تكمن في أن هذه القاعدة لا تمثل المستقبل. إذاً، ما المنهج الذي يطبقه ترامب مع جنونه الجيو-سياسي؟

● إدوارد غولدبرغ - ذي هيل

back to top