خاص

أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة د. أحمد موافي لـ الجريدة.: العبادات لها مقصود إصلاحي للفرد والمجتمع

«الصوم وسيلة إيمانية لإحداث التغيير الهادئ»

نشر في 22-05-2018
آخر تحديث 22-05-2018 | 00:02
أكد رئيس قسم الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة د. أحمد موافي، أن العبادات لها مقصود إصلاحي يهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع، لافتا إلى أن شهر رمضان المبارك يعلمنا خلق المراقبة، أي أن تعبد الله كأنك تراه. وشدد موافي، في مقابلة مع «الجريدة»، على أن الصوم يعد وسيلة إيمانية لإحداث التغيير الهادئ في المجتمع، وفيما يلي نص المقابلة:
• كيف يمكن تحقيق إصلاح الفرد والمجتمع المسلم؟

- بداية يجب تأكيد أن العبادات في الشريعة الإسلامية لها مقصود إصلاحي واضح، بحيث يتحقق من خلالها إصلاح الفرد والمجتمع، ومن ثم نستطيع الوصول إلى إصلاح الدولة والأمة، فهذه هي وظيفة العبادات، ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال مطالعتنا لآيات القرآن الكريم في الصلاة والزكاة والصوم والحج، وبالنسبة إلى الصيام، فالإمساك عن الطعام والشراب والشهوات طوال شهر رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يُعلم المسلم كيف يكون قوياً، جلداً، صبوراً، متحكماً في نفسه وشهواته، ونحن نريد شخصية في المجتمع تتحقق فيها هذ المواصفات، حيث يمكنها أن تمارس الحياة الطبيعية، وعندما تضاف إليها الأدوار في مختلف المجالات، سواء كان الشخص طبيباً، أو مهندساً، أو معلماً فإنه يستطيع أداءها بكفاءة عالية دون أي خلل أو تقصير.

• لماذا انتشر الفساد الأخلاقي حتى خلال شهر رمضان الكريم؟

- مما لا شك فيه أن شهر رمضان المبارك يعلمنا خلق المراقبة، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فمن صام بطريقة معتادة من غير أن يتحقق في نفسه شيء من المعاني التي أشرنا إليها بأن قام بالغش أو اكتسب ماله من حرام وغيره من السلوكيات المشينة، فلا شك أن هذا صوم معيب مردود على صاحبه، فلا يصح أن تقتصر العبادة على الأداء الظاهري لها، وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى انتشار الفساد الأخلاقي في المجتمع، ومن أهمهما غياب القدوة الحسنة.

• ما آليات التغيير إلى الأفضل في المجتمعات الإسلامية؟

- نحن جميعاً لدينا رغبة جامحة في التغيير، وعشنا ما قيل عنه وقتها الربيع العربي الذي أدركنا بعد فترة قصيرة أنه لم يكن ربيعاً، بل كان شراً ووبالا على الأمة، فهناك آلية إسلامية للتغيير من غير أن تقع ثورات أو فتنة أو اقتتال، هذه الآلية تتلخص في تغيير نفوس الأفراد من خلال الأداء الصحيح للعبادات التي تُكسب الشخوص هذه الأخلاق، فنحن أمة تمتلك الكثير من المواد المادية والبشرية والمقومات الطبيعية، ولا ينقصنا شىء، والمشكلة الرئيسة ليست في تغيير الحكام، ولكن في أن تتغير نفوس الناس، كما جاء في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»، وعندما يعتقد الناس أن التغيير سيأتي من خلال الثورات يكونون مخطئين، لكنهم لم يغيروا ما بأنفسهم، فلم يتعودوا هذه الأخلاق التي جاء بها الإسلام ليكتسبها الإنسان، فمن المؤلم حقاً أن يكون المسلم صائماً ويتقاضى رشوة، أو أن يقوم بأداء الصلاة في المسجد ثم يكسب رزقه بالغش، ولذلك أول آية في سورة البقرة جاءت بعد آيات الصيام: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ». وكأن هناك علاقة بين الصيام وبين أن تصح معاملاتك مع الناس في الأخذ والإعطاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لم يَدَعْ قول الزُور والعملَ به والجهل، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه»، فلابد مع الصيام من يقظة النفس.

• مَن يتحمل مسؤولية إحداث هذا التغيير في سلوك المسلم؟

- الحقيقة أن لدينا قصورا شديدا في العملية التعليمية بداية من المناهج وانتهاء بالمعلم الذي يقوم بتدريسها، ومن المفترض أن يكون هذا المعلم قدوة للطالب، وكذلك هناك مشكلة كبيرة في ما تقدمه وسائل الإعلام خلال شهر رمضان من سهرات ومسلسلات تتضمن إبراز النماذج السيئة في المجتمع من عري ومخدرات وبلطجة وغش وخروج على النظام والقانون، فهناك خلل كبير في المجتمع، رغم أن معظم انتصارات المسلمين كانت خلال شهر رمضان، وآخرها نصر العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر عام 1973، فالصوم إذا أحسن المسلمون توظيفه والاستفادة منه سيكون وسيلة إيمانية للتغير الهادئ من خلال تغيير النفوس بأن تكتسب النفس الصائمة هذه الأخلاق وتنقلها إلى الأب والأم والأولاد، ومن ثم إلى الأسرة والمجتمع، هذا ما تحتاج إليه، وليتنا نوفق في تحقيق ذلك الهدف.

شهر رمضان يعلمنا خلق المراقبة
back to top