مسار ترامب المجهول في الشرق الأوسط

نشر في 12-05-2018
آخر تحديث 12-05-2018 | 00:00
دونالد ترامب - حسن روحاني - مايك بومبيو
دونالد ترامب - حسن روحاني - مايك بومبيو
لست الوحيد الذي يتملكه القلق من أن الرئيس دونالد ترامب المحاط بالمستشارين الجديدين جون بولتون مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، ومايك بومبيو وزير الخارجية، وتحت ضغوط محلية كبيرة يوشك أن يرسم مساراً للولايات المتحدة لا يمكن التنبؤ به في منطقة الشرق الأوسط.
يبدو جناح الصقور في إيران في وضع جيد في هذه الأيام، وبعد تسلم جون بولتون منصب مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، وتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية، إذ يشعر هذا الجناح بقدر كبير من الرضا لهذا التطور في الإدارة الأميركية لأن هدف بولتون وبومبيو المعلن هو تمزيق الاتفاق النووي مع إيران وتغيير النظام في طهران ومواجهتها بقوة في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط، ولكن ما الذي يثير القلق في هذا الشأن؟

أعلم أنني لست الوحيد الذي يتملكه القلق من أن الرئيس دونالد ترامب المحاط بهذين المستشارين الجديدين وتحت ضغوط محلية كبيرة يوشك أن يرسم مساراً للولايات المتحدة لا يمكن التنبؤ به في منطقة الشرق الأوسط، حتى إنه أعلن قبل أيام انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، والسؤال هو ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وكان ريول مارك غيريشت وهو ناقد بارز للاتفاق النووي الإيراني في الآونة الأخيرة قد كتب في صحيفة «الواشنطن بوست» يقول ليس ثمة حاجة إلى الهستيريا نظراً لأن إيران في رأيه «لا يحتمل أن تندفع بجنون وتعزز برنامجها النووي وتقتل الجنود الأميركيين في الشرق الأوسط».

وهذا صحيح ولكن ما من أحد من أنصار الاتفاق النووي يظن أن إيران ستندفع في حال انهياره نحو إنتاج سلاح نووي، وتستدعي بذلك إدانة دولية مبررة وعزلة مع احتمال التعرض لضربات جوية أميركية أو إسرائيلية، وبدلاً من ذلك فإن طهران في حال إلغاء الاتفاق النووي ستصبح ببساطة حرة في استعادة بعض الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي فككتها وبصورة تدريجية والقيام بصورة تدريجية بتوسيع مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (وربما الى أكثر من 20 في المئة) واستئناف البحوث النووية وإعادة بناء مفاعل الماء الثقيل القادر على إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة، وكل هذا في ظل غياب آلات التصوير التي تعمل طوال اليوم وعمليات التفتيش الدولية التي نص عليها الاتفاق النووي.

الخطة الإيرانية المحتملة

وعلى أي حال فإن إيران ستعمد على الأرجح إلى توسيع برنامجها النووي وبشكل تدريجي فقط، كما سبق لها أن فعلت، وبصورة ثابتة ومستمرة منذ سنة 2003 عندما كان لديها حفنة صغيرة فقط من أجهزة الطرد المركزي، وحتى عام 2014 عندما ارتفع عدد تلك الأجهزة الى أكثر من 20000، ثم أفضت اتفاقية الى تجميد تلك العملية وإعادة البرنامج النووي إلى الوراء للمرة الأولى.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: أي عالم سيكون أفضل من العالم الحالي الذي نعيش فيه الآن، حيث ليس في وسع إيران توسيع مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب أو مستوى التخصيب حتى عام 2030، وهي ملتزمة بقبول عمليات تفتيش شاملة الى الأبد، وتتمتع فيه الولايات المتحدة بدعم بقية دول العالم؟

وتوجد سيناريوهات قيد النقاش في حال قيام واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي خلال شهر مايو الجاري أو إمكانية بقائه واستمراره، ويتمثل أحد الحلول الممكنة في أن يقنع التهديد باستخدام القوة حكومة طهران بعدم استئناف برنامجها النووي في حال تبدد الاتفاق بصورة ما من جانب أحد أطرافه.

وكان جون بولتون دعا صراحة الى استخدام القوة العسكرية من أجل منع إيران من تطوير قنبلتها النووية، كما أن مايك بومبيو وكعضو في الكونغرس الأميركي أكد عدم وجود صعوبة في القضاء على القدرات النووية الإيرانية من خلال ضربات جوية محددة، وإذا استأنفت طهران أنشطتها النووية المعلقة أو أقدمت على طرد المفتشين الدوليين فهل يتوصل الغرب الى استنتاج يقول إن استخدام القوة مسألة ضرورية؟ وماذا ستكون عتبة اللجوء الى القوة العسكرية؟ هل هي تركيب 5000 جهاز جديد من أجهزة الطرد المركزي؟ أم طرد المفتشين؟ أم إجراء اختبارات ميكانيكية على نوعية متقدمة من تلك الأجهزة؟ أم استئناف التخصيب بنسبة 20 في المئة؟ أم توسيع مخزون اليورانيوم المخصب من 300 كيلوغرام إلى 1000 كليلوغرام؟

مما لا شك فيه أن هذه أسئلة صعبة، ولكننا في حاجة الى أجوبة واضحة على الصعيد الداخلي، إضافة إلى نقل تلك الأجوبة بصورة جلية وموثوقة الى إيران، ونحن طبعاً في حاجة أيضاً إلى أن نكون راغبين في إطلاق النار في حال تجاوز أي «خطوط حمراء» حددتها الإدارة الأميركية، ثم إن الكثير من مناوئي الاتفاق النووي المشار إليه تزعجهم فكرة أن التخلي عنه يمكن أن يفضي الى حرب، ولكن تلك إمكانية واقعية.

وأنا لم أفهم قط كيف أن من الممكن الإصرار على أن الانتشار النووي يمكن منعه من خلال «التهديد المؤكد باستخدام القوة»، وفي الوقت نفسه نستخف بفكرة أن النزاع العسكري يمثل خطراً حقيقياً.

تغيير النظام

وأخيراً توجد مسألة تغيير النظام في طهران، وهي الإمكانية التي يظن الكثير من صقور إيران حقاً أنها ضرورية ليس من أجل إيجاد حل للبرنامج النووي فقط، بل لضمان الأمن في الشرق الأوسط، وكان غيريشت كتب يقول إن علينا «السعي الى وجود نظام مختلف» في إيران، وتلك رغبة منطقية.

والنظام الحالي في إيران عدو للولايات المتحدة، ويشكل تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط، وقد أساء بصورة متكررة لحقوق الإنسان، ويرعى الإرهاب، وحسب معلوماتي فهو غير محبوب من أكثرية الشعب الإيراني، ولكن كيف تخطط الولايات المتحدة على وجه التحديد من أجل التخلص من هذا النظام؟ وهل هناك فرصة حقيقية للقيام بذلك في الوقت المناسب لمنع طهران من امتلاك قدرات نووية إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي في الأسبوع المقبل؟ وهل سيفضي جهد مدعوم من الولايات المتحدة لإسقاط نظام طهران إلى طرح نظام جديد تتوافر لديه رغبة أكبر للتخلي عن الطموحات النووية؟ أم أن ذلك قد يفضي إلى فوضى واسعة ونزاعات كما حدث في حالات كثيرة أخرى في المنطقة تمت إطاحة أنظمة فيها؟

ويدعو غيريشت إلى فرض عقوبات اقتصادية واسعة على نظام طهران وإلى وضوح الخطاب وإرسال مزيد من القوات الأميركية إلى العراق وسورية، إضافة إلى دعم مجموعات المعارضة الإيرانية من أجل تحقيق تلك الغاية، ولكن ذلك يبدو مثل نوع من التفكير الرغبي الذي دفع الولايات المتحدة في السابق إلى مواجهة الكثير من المشاكل في منطقة الشرق الأوسط.

وأنا آمل أن يتمكن الشعب الإيراني ذات يوم من العثور على طريقة تفضي إلى التخلص من هذا النظام، لكنني أشكك في قدرة الولايات المتحدة على تسريع مثل هذا التطور من دون حدوث عواقب غير مقصودة، كما أنني أشعر بقلق من أن لبعض ما يقترحه صقور إيران يمكن أن يؤدي الى وضع أسوأ. صحيح أن الاتفاق النووي مع إيران يبعد كثيراً عن الكمال كما سبق أن اعترفت مع الكثيرين أيضاً بصورة دائمة، ولكننا نعيش في عالم من الفوضى والتعقيد وفي بعض الأحيان يكون الأفضل في الواقع العدو للشيء الجيد.

وفي مطلع عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن عارض بولتون محاولة وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول تحقيق تسوية مع كوريا الشمالية التي لم تكن تملك أسلحة نووية، ودعا بولتون بدلاً من ذلك الى عزلتها، وبعد أكثر من 15 عاماً أصبح لدى بيونغ يانغ ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية وستفاوض ترامب من موقع قوة، فهل سنكرر تلك اللعبة مع إيران اليوم؟

في الصيف الماضي بعث بولتون برسالة الى ترامب حول «كيفية الخروج من الاتفاق النووي مع إيران»، مشيراً الى خطوات تشمل إعادة فرض العقوبات وتعزيز الخيار العسكري والضغط على الحلفاء ودعم المعارضة الإيرانية، ولكنه لم يوضح ماذا يمكن أن يحدث عندما نتبع نصيحته، هل يستمر نظام طهران في تجميد برنامجه النووي، ويرجع إلى الطاولة لتحقيق اتفاق أفضل، ويتوقف عن التدخل في سورية والعراق، وينهار بصورة سلمية ليفسح المجال أمام معارضة ديمقراطية ملتزمة بنزع الأسلحة النووية؟

أرجو أن تكون لدى أحد ما أجوبة أفضل مما لدى بولتون.

● فيليب غوردن – أتلانتيك

back to top