إشارات الدخان المرسلة من صفقات الأسلحة الروسية؟

نشر في 05-05-2018
آخر تحديث 05-05-2018 | 00:00
جانب من الأسلحة الروسية المتطورة
جانب من الأسلحة الروسية المتطورة
في أعقاب الهجوم الكيماوي الأخير في سورية، يبدو أن روسيا قررت الالتزام بصفقة أسلحة عُقدت قبل نحو عقد من الزمن.

بعدما شن النظام السوري، حسبما أُفيد، هجومه الكيماوي الأخير في دوما في مطلع شهر أبريل، ردت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا بتنفيذها سلسلة من الضربات الجوية استهدفت منشآت الأسد للأسلحة الكيماوية.

بعد هذه الضربات، هرعت روسيا لتدعم الأسد بإعادة التزامها بتسليم نظام صواريخ إس-300 في صفقة عقدتها دمشق مع موسكو عام 2010. كان هذا الاتفاق قد وُضع جانباً آنذاك، بعدما عبّرت إسرائيل، وهي حليف إقليمي آخر لروسيا، عن مخاوفها من أن تستعمل سورية نظام الصواريخ هذا لاستهداف أراضيها.

قد يؤدي قرار روسيا اليوم المضي قدماً في هذه الصفقة إلى تعقيد الوضع في جنوب سورية إلى حد كبير، فقد يشعل نشر الأسلحة الجديدة هذه رداً عسكرياً من إسرائيل ينتهي بمواجهة مباشرة مع إيران، لكن هذه الخطوة تُبرز أيضاً عادة موسكو استغلال صفقات الأسلحة للفوز بالنفوذ بين حلفائها والتصدي لخصومها.

لطالما كانت صادرات الأسلحة جزءاً من دبلوماسية روسيا المتعددة الأوجه في الشرق الأوسط، وبرهنت أنها وسيلة فاعلة لتوجيه الرسائل السياسية.

بدأت موسكو باستخدام صناعتها الدفاعية كأداة لصوغ التحالفات وتدعيمها منذ الحرب الباردة، فقد اعتمدت آنذاك مجموعة من الأنظمة العربية المستبدة، مثل مصر، والعراق، وليبيا، وسورية، على الأسلحة السوفياتية للاستمرار.

استفاد حلفاء الاتحاد السوفياتي، الذين كانوا يواجهون غالباً صعوبات اقتصادية، من صفقات الأسلحة التي ترافقت مع قروض أو حسومات كبيرة، والتي لم ترتبط بأي أجندة سياسية، فقد تبنى بعض عملاء السوفيات في الشرق الأوسط العقيدة الشيوعية، بخلاف البعض الآخر، لكن هذا الواقع لم يمثل مشكلة بالنسبة إلى موسكو.

كان هدف الاتحاد السوفياتي أن يسمح له عملاؤه الإقليميون بمواجهة التوسع الأميركية في الشرق الأوسط وإنشاء جبهة بعيداً عن حدوده الخاصة.

من السهل التشكيك في فاعلية الإستراتيجية السوفياتية القائمة على ضخ كميات كبيرة من الأسلحة في الشرق الأوسط كوسيلة لنشر النفوذ في المنطقة، لكن بروز روسيا القوي مجدداً في المنطقة في السنوات الأخيرة يُظهر مدى اعتماد عودتها هذه على أنظمة كانت من عملاء الاتحاد السوفياتي.

التلاعب بصادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط بغية تبديل سلوك الحلفاء مناورة أتقنتها موسكو منذ الحرب الباردة وما زالت تلجأ إليها اليوم. على سبيل المثال، عندما احتل الجيش السوري لبنان عام 1967، علّق الاتحاد السوفياتي مساعدته العسكرية لحافظ الأسد وحدّ من عدد مستشاريه العسكريين، موضحاً لدمشق أنه ما كان يدعم هذا التدخل.

على نحو مماثل، التزمت روسيا عام 2010 بعقوبات الأمم المتحدة ووضعت جانباً صفقة كانت قد عقدتها عام 2007 مع إيران تقضي بتسليمها أنظمة دفاع جوية من نوع إس-300، ولكن في المراحل الأخيرة من المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، أعلنت موسكو نيتها استئناف الصفقة، ما دفع طهران على ما يبدو إلى قبول الاتفاق النووي الذي لعبت فيها الأمم المتحدة دور الوسيط.

دبلوماسية الأسلحة

إلى جانب ظهور روسيا مجدداً في الشرق الأوسط، احتاجت موسكو إلى إستراتيجيةٍ لا تقوم على المواجهة تسمح لها بالتطلع إلى أبعد من تحالفاتها خلال الحرب الباردة، فشكّلت دبلوماسية الأسلحة الحل، بما أتاحته لروسيا من صوغ شراكات جديدة وتحسين علاقاتها مع حكومات اعتُبرت تقليدياً من خصومها.

أدركت دول الخليج العربي، فضلاً عن تركيا، أن صفقات الأسلحة تساهم في تأكيد جدية نواياها بالتحالف مع موسكو.

تتطلع الرياض وأنقرة كلتاهما إلى شراء أنظمة دفاع صاروخية من نوع إس-400، ما قد يولّد روابط عسكرية- تقنية قوية مع موسكو. لا عجب، إذاً، في أن يرى البيت الأبيض هذه الخطوات تهديداً لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

صحيح أن عملاء روسيا الجدد يعتقدون أن الطريقة الفضلى لتغيير سياسة موسكو الخارجية تقوم على وعدها بمنحها حصة من سوق الأسلحة الإقليمية، ما يعزز بالتالي مكانتها كلاعب مؤثر إقليمياً، إلا أن جدية هذه المحاولات مشكوك فيها غالباً.

يسعى عدد متزايد من الحكومات في الشرق الأوسط إلى شراء دعم موسكو بوعدها بصفقات أسلحة مربحة، إلا أن الكثير منها يبقى مجرد كلام لا طائل فيه.

إذاً، ماذا يعني رفع روسيا الحظر الذي فرضته هي بنفسها على تسليم نظام إس-300 بالنسبة إلى تفاعلات القوى في الشرق الأوسط؟ من المستبعد أن يبدّل هذا القرار بحد ذاته توازن القوى في المنطقة، ولا شك في أن موسكو تدرك ذلك جيداً.

إشارة إلى إسرائيل

صحيح أن وزير خارجية روسيا حمّل الضربات الجوية الغربية في سورية مسؤولية تبدّل السياسة الروسية، إلا أن هذا التبدّل يشكّل في المقام الأول إشارة إلى إسرائيل.

يشعر حليف روسيا القديم بخيبة أمل تجاه موسكو بسبب إخفاقها في اعتبار إيران وعملائها خطراً يهدد وجود إسرائيل. ويعني تفاقم عدم الثقة هذا أن نتنياهو ما عاد مرغماً على التنسيق مع موسكو، التي لا تشاطره تقييمه المخاطر في سورية.

إذا حصلت حكومة الأسد فعلاً على نظام إس-300، يعزز ذلك أمنها، لكنه لن يردع إسرائيل عن تنفيذ ضربات ضد ما تقول إنه قواعد عسكرية إيرانية داخل سورية. صحيح أن الأسلحة الجديدة ستمثل تحدياً لإسرائيل، غير أن تخطي هذه العقبة ليس مستحيلاً نظراً إلى قدرة إسرائيل على تجاوز هذه الأنظمة.

لكن تسليم أنظمة إس- 300 إلى حكومة الأسد يشكّل رسالة إلى إسرائيل وتأكيداً على أن موسكو تقف إلى جانب سورية، وبالتالي إيران في مسألة الأمن الإسرائيلي، علماً أن هذه الخطوة بدت شبه مستحيلة قبل زمن يسير.

تعمل روسيا اليوم على رسم خطوط حمراء جديدة في سورية، وتستخدم أسلحتها كأداة لتطبيق دبلوماسيتها القسرية هذه.

● يوري بارمين

back to top