خطأ يجب تصحيحه

نشر في 25-03-2018
آخر تحديث 25-03-2018 | 00:09
حكومتنا غير الرشيدة تاهت عن الطريق الأقرب للصواب، وهو تعويم الثقافة بمفهومها الواسع والرحب الذي يجمع ولا يفرق كخطابات الدينيين الانعزالية بل العدائية لكل ما هو مختلف.
 مظفّر عبدالله أول العمود:

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ترى أن الإلحاد منتشر بين الشباب الكويتيين، السؤال هنا: ما دور الوزارة طوال عقود من الزمن تجاه ما يرونه إلحاداً، أليس هذا دليلا على فشل سياساتكم؟

***

قناعتي لم تتغير يوما من اعتقادي بأن مسألة التطرف الفكري لدى الشباب سببها الرئيس- لا الأوحد- هو التغييب المتعمد لأثر العرب والمسلمين في إغناء الحضارة الإنسانية من قِبَل المتصدرين للعمل الإسلامي، بل محاولة هؤلاء تجاهل قضايا مفصلية في التاريخ العربي والإسلامي كالتسامح والتعايش في مجتمعات مختلطة كالهند وإندونيسيا وماليزيا، فضلا عن العداوة للفلسفة وعلوم الطبيعة والمنطق.

وكنت ولا أزال أشعر بالخيبة من طريقة تعامل الجهات الرسمية مع المتطرفين من خلال لجان، أُطلق عليها مسمى الوسطية! يا لضحالة الأسلوب.

حكومتنا غير الرشيدة تاهت عن الطريق الأقرب للصواب وهو تعويم الثقافة بمفهومها الواسع والرحب الذي يجمع ولا يفرق كخطابات الدينيين الانعزالية، بل العدائية لكل ما هو مختلف، بل إنها شجعت هذا الخطاب من أجل معارك سياسية أو انتخابات مجلس الأمة.

ما نشهده اليوم من محاولات تنشيط المشهد الثقافي في الكويت يعكس وجود حاجة ماسة لدى جيل من الشبان وتوقه للعودة إلى الثقافة عبر الكتابة والشعر والرواية والتدوين بشكل عام، وبجهود خاصة وفردية، وهو جهد يساهم في جمع الناس وتشجيعهم على التحاور في أجواء مختلطة صحية.

ما دفعني لكتابة ما سبق، مؤتمر عقد في الإسكندرية في الفترة من ٢١ - ٢٣ مارس الجاري بعنوان "الفن الإسلامي في مواجهة التطرف" حيث تطرق للعديد من القضايا التي تكشف بلا زيف أن للحضارة الاسلامية دورا مهما في التفاعل مع الحضارات الأخرى، وتقديمها غذاءً للإنسان عبر قرون من الزمن أدى إلى خلق إنسان إيجابي وعَالِم وفيلسوف مُنفَتح على عكس ما أنتجناه نحن اليوم من نموذج يميل إلى التطرف والتزمت.

أحيا المؤتمر قيمة المتاحف ودورها في نبذ التطرف، ودور الفلسفة الإسلامية في الجمال والفن، والتنوع واحترام الآخر في الحضارة الهندية نموذجا، وتمازج العمارة المسيحية والإسلامية في بناء المساجد في القاهرة، واستعراض تجربة متحف "باردو" في تونس في مقاومة التطرف، كما تم عرض العديد من المبادرات المدنية الداعمة لفكرة التعايش والتسامح كمبادرة "لوِّنها بالأمل" و"التراث للجميع".

خلاصة الحديث، والحديث هنا للحكومة تحديدا، بأن تتراجع فورا عن حزمة القوانين السُبة في مجال الإعلام والرقابة، وأن تَحُل ما يسمى بلجان الغفلة والتبذير والتمصلح المسماة بلجان الوسطية لأنها غلطة يجب تصحيحها، والاستعاضة بذلك بدعم كل ما له صلة بالثقافة والفن والأدب، ومن خلال توظيف جزء أموال أمانة الأوقاف المرصودة من المال العام، وزيادة ميزانية الجهات الرسمية المعنية بالثقافة بدلا من تبذير المال العام وهدره الذي بلغ نسبة ٤٠٪ لكل ١٠٠ ألف دينار حسب حديث وزير المالية في ملتقي الكويت للاستثمار ٢٠١٨ المُقام في مركز جابر الثقافي وبحضور رئيس الحكومة!

والخلاصة أيضاً أن الثقافة كانت يوما تسير جنباً إلى جنب مع جهود السياسة الخارجية لتثبيت أركان دولة الكويت في المجتمع الدولي، فوُلِدت يومها مجلة العربي في الخمسينيات ولاحقا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في السبعينيات.

محاربة التطرف الفكري بين الشباب لن تنجح إلا بنشر الثقافة والفن الراقي الذي كان عنواناً للإسلام في عصوره المتقدمة.

back to top