الصنمية!

نشر في 24-03-2018
آخر تحديث 24-03-2018 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم موضوع اليوم عن الأصنام البشرية المرصعة بالألقاب الكاذبة، التي صنعت في معامل النفاق البشري المركّز على امتداد التاريخ.

• قبل البدء لابد من وقفة قصيرة أمام الأصنام غير البشرية التي صنعها الإنسان، ليخِرّ لها عابداً ساجداً، وهي تندرج أيضاً تحت بند النفاق البشري، لأنها تصب في النهاية في منفعة الكُهان والكهانة، التي غالباً ما تكون من أهم المصادر في تعزيز السلطة المتفرعنة!

• العقول النيرة -أيضاً- على امتداد التاريخ تتصدى لعبادة الأصنام، فتعمل على تهشيمها، وتدفع الثمن مهما كان باهظاً، فكان نصيب أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- الحرق، وكذلك دفع الفيلسوف سقراط حياته، بعد أن صدر عليه الحكم بتجرُّع السم، وهناك المئات من القصص في هدم الأصنام وتهشيمها، وما قام به نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم في مكة لم يكن نهاية المطاف لهُبل، واللات، والعزى، ومنات.

لقد بُعثت هذه الأصنام، التي هشمها رسول الله عليه الصلاة والسلام، على شكل أنماط صنمية من البشر، بما حملوه من ألقاب تسبق أسماءهم وتُكتب بعدها.

***

• أعود إلى المبالغة في التصنيم البشري، وهو موروث عربي منذ ما قبل عمرو بن أم كلثوم، الذي تَخِرُّ الجبابرة صاغرين لصبيه الذي بلغ الفطام، بينما هو يعيش في صحراء قاحلة تحدها حضارتان عظيمتان هما الرومانية والفارسية، ثم يشرب الماء زلالاً، بينما غيره يشربه كدراً وطيناً، مع أن ماءه يُستخرج من بئر في الصحراء، وليس منحدراً من جبال الألب.

• هذه السلسلة من المبالغات الصنمية جعلت الشاعر ابن هانئ الأندلسي يقول لحاكمه:

"ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار"

أمثلة لا تُعد ولا تحصى في تاريخنا العربي لتصنيم البشر، ومنها على سبيل المثال:

• اجتمع بعض شعراء عشرينيات القرن الماضي لاختيار أمير للشعراء سنوياً، فوقع اختيارهم الأول على أحمد شوقي، وكان المفترض أن يكون الشاعر الذي يلي شوقي هو الأخطل الصغير، ولكنهم لسبب أو لآخر لم يجتمعوا لانتخاب الأخطل، فبقي شوقي أميراً للشعراء إلى أن مات.

• خرجت مظاهرة تهتف ضد طه حسين، لكن أنصاره خرجوا بمظاهرة مضادة شعارها "أنت لست عميداً لكلية الآداب، بل عميد للأدب العربي"، فأصبح هذا اللقب قسراً على طه حسين.

• صحافي أطلق "كوكب الشرق" على أم كلثوم، فأصبح لقبها طوال حياتها... وهكذا دواليك.

***

• أما عن الألقاب الصنمية، التي حظي بها الساسة، فالحديث بلا حرج، وألقاب صدام ليست ببعيدة عنا، فالذي قيل عن زعماء عرب من الألقاب قبل أسمائهم وبعدها أشياء خرافية لا تصدق، بل إنها فُرضت على مناهج الدراسة، ووضعت لها الألحان الموسيقية كي يرددها الطلاب والطالبات!

• مع أن هناك قناعة لدى الذين يضعون هذه الصنمية للقادة، أنهم يمارسون الكذب والنفاق والخداع بهذه الألقاب التي يخلعونها على إنسان يُفترض أن أعماله هي التي تجعل حبه يتجذر في وجدان الناس، لا الألقاب التي هي محض نفاق وكذب تردده وسائل الإعلام، ليعطي في النهاية مدلولاً عكسياً إذا لم يصحبه عمل مطابق يليق بالإشادة بهذا القائد.

• هناك قادة تجذّر حبهم في نفوس شعوبهم دون الحاجة إلى مثل هذه الألقاب الصنمية.

back to top