شيعة الولايات المتحدة... والمرجعية (1)

نشر في 22-03-2018
آخر تحديث 22-03-2018 | 00:10
 خليل علي حيدر اهتمت الباحثة الأميركية لندا ولبريدج (Linda S.Walbridge) بأوضاع المهاجرين العرب الشيعة في الولايات المتحدة وتوجهاتهم السياسية، ومدى ارتباطهم بالقيادات والأحزاب في العراق ولبنان وإيران، إذ إن الشيعة في أميركا يأتون "من المنطقة الجنوبية في العراق ولبنان، وهما معقلان قديمان للسكان الشيعة، حيث جعلت الحرب والاحتلال والاضطهاد مواطنهم لا تطاق، كما سببت الثورة في إيران هرب آلاف من الإيرانيين الذين اختلفوا مع الحكومة الجديدة حول مجموعة واسعة من المسائل".

وتلاحظ الباحثة في دراسة منشورة عام 2003 ضمن كتاب بعنوان "العرب في أميركا" صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، أن العرب الشيعة من لبنانيين وعراقيين يهتمون بوضعهم الطائفي ومؤسساتهم "أما الإيرانيون الشيعة في هذه البلاد فإنهم يميلون على الأرجح إلى أن يكونوا علمانيين أو على الأقل يخالفون نوع الحركة الشيعية التي تدعو إليها جمهورية إيران الإسلامية".

ماذا عن الإيرانيين في كاليفورنيا؟ تقول الباحثة: "الإيرانيون في منطقة لوس أنجلوس على سبيل المثال على الرغم من التعبير عن الرغبة في بناء حياة دينية طائفية، يرغبون عموما في أن يفعلوا ذلك من دون إشراك علماء الدين في نشاطاتهم، وينجذب الإيرانيون المشاركون في نشاطات المساجد الشيعية الى المساجد التي يشيدها ويقودها علماء الدين العراقيون".

وتشير د. ولبريدج إلى اختلاف الشيعة عن السنّة في مسألة الإمامة، وتقول إن العلماء أدوا دورا جوهريا في حياة الأمة في الحركة الشيعية الاثني عشرية، حيث "يبتّ العلماء تقليديا، عن طريق المحاكم الشيعية، في المسائل المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية كالخلافات الزوجية وغيرها، ولهم نظام مراتب يعكس مستوى معرفتهم ويشير الى درجة المكانة الاجتماعية التي أحرزوها بين الناس، ويقف المجتهدون في قمة هذا الهرم التراتبي الاجتماعي والديني. إن الذين يكملون المستويات الثلاثة من الدراسة في الحوزة ويبرزون في دراستهم يصبحون مؤهلين لتفسير الشريعة والتصرف كممثلين للإمام. وفي قمة هذا النظام التراتبي مرجع التقليد". وقد وقع كما هو معروف انقسام أو صدع كبير داخل المذهب الشيعي الاثني عشري وداخل صفوف علمائه في القرن السابع عشر بين أتباع "المدرسة الإخبارية" التي دعت إلى الالتزام بالنصوص الدينية دون الاجتهاد في تفسيرها، و"المدرسة الأصولية" التي قامت على الاجتهاد والتفسير وإعمال العقل في النص الديني، وانتصر الأصوليون، حيث إنهم اليوم التيار الفقهي المهيمن في إيران والعراق ولبنان، غير أن الإخباريين لا يزالون موجودين في منطقة الخليج.

ومن الأمور الأساسية في الفقه الشيعي أن يكون الإنسان مقلدا لـ"مرجع تقليد"، أي أن يتبع أحد علماء الدين الشيعة الأحياء البارزين، وكثيرا ما يصبح لمجتهد واحد أتباع كثيرون منتشرون على نطاق واسع، غير أن له دائما منافسين في أرجاء العالم، ولهؤلاء المنافسين دائما بعض المقلدين. ويراد بالتقليد اتباع آراء هذا العالم الديني الفقهية في مسائل العبادات والمعاملات والحلال والحرام ومختلف الاجتهادات والفتاوى الصادرة عنه.

ويدفع المقلدون ضريبة مالية تسمى "الخُمس" لهذا المرجع، وكلما ازداد عدد مقلدي أحد مراجع التقليد ارتفعت كمية المال التي ينبغي أن تصرف على التعليم الديني ومساعدة طلبة الحوزات والمحتاجين وعلى المرجع الديني نفسه كي يتفرغ لمهمته الدينية.

وتقول الباحثة إن الشيعة اللبنانيين المرتبطين بحزب الله، والذي دعا إلى إقامة حكومة إسلامية في لبنان، كانوا مقلدي "الخميني" عموما أثناء حياته، ومنذ وفاته مال مؤيدو حزب الله في لبنان والمتعاطفون معه في الغرب إلى تقليد السيد علي الخامنئي، وتضيف عن أتباع حزب الله، "ولما كان هؤلاء عقائديين أكثر من أؤلئك الذين يرغبون في الالتزام بحركة شيعية لا سياسية، فالأرجح أنهم يتخذون إجراءات لتأكيد مواقفهم، مثل حمل صور الخميني وخامنئي والإصرار على تمسك أقوى بالتعاليم الإمامية، وبالذات الشيعية في المساجد".

وتضيف أن العرب الشيعة المؤمنين بفصل الحياة السياسية عن الدين يتبعون "أبا القاسم الخوئي"، الذي توفي أثناء الإقامة الجبرية في منزله بعد حرب الخليج. كما "قتل كثيرون من كبار العلماء المقيمين في العراق أو اختفوا أثناء سجنهم، وكان محمد باقر الصدر أشهر وأبرز هؤلاء العلماء".

وتقول الباحثة إن محمد باقر الصدر، "كان نجما صاعدا في المرجعية والشخصية الدينية القيادية في حركة "الدعوة"- حزب شيعي معروف- وكثيرا ما يلقب بـ"خميني العراق"، وأصبح أهل الفكر بين الشيعة العراقيين، الذين ابتعد كثيرون منهم عن الدين، شيعة متحمسين ثانية بسبب نفوذ محمد باقر الصدر. وقد ترك إعدامه في عام 1980 فراغا لمن أيدوا أفكاره في دور الشيعة في العالم الحديث، وقد وجد محمد باقر الصدر في مؤسسة مرجع التقليد إمكانية هائلة في قيادة الشيعة، غير أنها تتطلب إصلاحات كثيرة".

إن محمد باقر الصدر، تضيف الباحثة، بطل في نظر طائفة واسعة من شباب الشيعة في الغرب، وترى مجموعة منهم "أن كتاباته تمثل القوة المرشدة لإصلاح العقيدة الشيعية".

وتتحدث الباحثة عن السيد علي السيستاني مرجع التقليد الحالي للشيعة، أن معظم الشيعة خارج إيران يرون في السيستاني خليفة للخوئي في النجف، وتضيف أنه "يمثل وجهة نظر معتدلة وتقليدية في التطبيق الشيعي ولا يورط نفسه في أمور سياسية خطرة، وصورة السيستاني هي المعلقة في مساجد مؤسسة الخوئي في "كوينز" في نيويورك وفي لندن، وقد أفادت السيستاني حقيقة اعتراف عائلة الخوئي به بصفته المرجع الأكبر للعالم الشيعي".

ماذا عن السيد محمد حسين فضل الله؟

تقول: "ثمة منافسون آخرون على منصب المرجع غير أن الحكومة الإيرانية حيدتهم أو تم التخلص منهم في العراق، إلا أنه يوجد مرجع بقي عموما خارج نطاق الحكومتين، إنه السيد محمد حسين فضل الله من لبنان الذي يعد ناشطا وقدوة لكثير من شباب الشيعة، وينظر إليه كبديل للنموذج الإيراني.

وعلى الرغم من أن موقعه كمنافس على المرجعية يبقى جامعا بين ضدين، فمن الواضح لمن يعرفون علامات من يعتبر المرجعية ضالته المنشودة أنه يشير إلى رغبته في تولي المنصب".

وتقول الباحثة إن السيد فضل الله كان قريبا على نحو وثيق من السيد الصدر، ويواصل إلى حد كبير تراثه، ويعد حاليا كثيرون ممن أيدوا حزب الدعوة فضل الله خليفة للسيد محمد باقر الصدر.

وتقول الباحثة، وكلامها بالطبع قبل عام 2003، إن مقلدي الخميني في السابق قد يعارضون تصدي "خامنئي" للمرجعية الآن على أساس أنه ليست له المؤهلات الفقهية الكافية ليكون مرجعا، وأنه شخصية سياسية في الواقع. "وعلى الرغم من أن فضل الله يعد نموذج العالم المسيس والمؤيد لإيران في لبنان، فإنه أيد الخوئي صراحة حتى قبل رحيل الخميني، ويقول أشخاص قريبون من أوساط العلماء إنه خشي أنه لو كان قد أيد الخميني وخامنئي كمرجعين لكانت المرجعية قد تركزت في إيران تحت سيطرة الحكومة الإيرانية. وإذا وصل إلى مركز "المرجع" المرموق الذي يمكنه أن يؤثر في العالم الشيعي كله فإنه يعرف أنه توجد مرجعيات في إيران ستعمل ضده وضد خططه في النهاية. ولذا فإنه يبقى غامضا فيما يخص موقفه. لقد أعلن تأييده لآية الله السيستاني وأغضب حزب الله اللبناني، وفي الوقت نفسه ألف كتابا بعنوان "المسائل الفقهية"، وهو مؤشر على رغبته في أن يكون مرجعا، وكان السيد فضل الله قبل وفاة الخميني والخوئي قد عمل ممثلا لكلا هذين المرجعين الكبيرين".

في زيارة لمسجد في "سان دييغو" بالولايات المتحدة، تقول الباحثة تعرفت على شيعي واسع المعرفة في أواخر الثلاثينيات نشأ في جنوبي العراق، وعلى الرغم من أن والده كان ورعا فإن معظم الناس حوله لم يكونوا يهتمون بالدين خاصة، إذ إنهم كانوا متأثرين باتجاهات أخرى ومهتمين بالنجاح الاقتصادي. وتضيف: "لقد قدم الرجل المعني إلى الولايات المتحدة قبل ذلك بعشرين عاما للدراسة، وبقي فيها، غير أنه كان قد تأثر بكتابات محمد باقر الصدر وقال إن فضل الله صاحب النفوذ الأقوى بين المثقفين الشيعة، وإنه مهتم بأن يرى الفكر الشيعي يتناول مسائل العالم الحديث".

وتروي الباحثة أنها تحدثت في مسجد بلوس أنجلوس مع امرأة في العقد الثالث هي في الأصل من بغداد، وكانت تدرس لنيل الدكتوراه في أحد العلوم الطبيعية، وكان أحد أسباب انجذابها إلى الحركة الإسلامية تأثير محمد باقر الصدر وشقيقته اللامعة "بنت الهدى"، التي أعدمت مع شقيقها. وتقول الباحثة الأميركية إن طالبة الدكتوراه العراقية "كانت ترتدي حجابا معدلا وتتسم بالدقة ولاسيما بشأن أفكارها تجاه المرأة ومساواتها بالرجل، وكانت مقلدة لفضل الله ومتضلعة من آرائه ومؤمنة بأنه يمثل الإسلام الحقيقي، الإسلام المتوافق بدرجة عالية مع العالم الحديث".

ماذا عن موقف الحكومة الأميركية من السيد فضل الله؟ وما تأثير ذلك على أتباعه بين شباب الشيعة في أميركا؟

وُصم فضل الله في الولايات المتحدة بأنه إرهابي، غير أنه بين أتباعه بطل ونصير لحقوق المرأة، وقد زار الولايات المتحدة ورأى في جولة سياحية البيت الأبيض، وبقي على اتصال بالشباب الشيعة المقيمين هناك. كانت "أوهايو" مركزا للنشاط الإسلامي للسنة والشيعة في أميركا.

ففي عقد السبعينيات قام الطلبة السنّة والشيعة ببعض النشاطات المشتركة ضمن جمعية الطلبة المسلمين، ثم انفصل الإيرانيون ليشكلوا منظمتهم بسبب اتجاههم السياسي، فقد كانوا ضد الشاه وشواغلهم الرئيسة قومية، وتشكلت مجموعة أخرى من الشباب الشيعة باسم المجموعة الإسلامية كان معظم مؤسسيها من بلدان الخليج، وكانوا من أتباع آية الله الخوئي ومحمد باقر الصدر. وكانت إحدى المهام التي قام بها هؤلاء إرسال الأسئلة إلى آيات الله الخوئي والخميني والصدر. "وقد نشر هؤلاء المجتهدون كتبا غير أنهم، باستثناء الصدر، مالوا إلى الكتابة بأسلوب القرون الوسطى، ما لا يلقي الضوء على مشكلات المجتمع الأميركي في القرن العشرين. لقد أدرك فضل الله حاجات هذه المجموعة الذكية من الشباب الشيعة فألف في هذا كتابه، وبدلا من اتباع نموذج "الرسالة" المألوف، وضع كتابه "المسائل الفقهية" بلغة أبسط كثيرا وأسهل فهماً، ومنذ ذلك الحين حذا خامنئي حذوه ونشر كتابا مشابها".

back to top