أقوال ترامب بشأن سورية يجب أن تقترن بالأفعال

نشر في 03-02-2018
آخر تحديث 03-02-2018 | 00:00
مع أنّ إدارة ترامب تؤكّد علناً أنّ للولايات المتحدة مصالح بعيدة المدى في سورية، إلا أنها لم تربط كلامها بأي خطة حقيقية ملموسة في المنطقة، والواضح حتى الآن هو أنّ الالتزام الأميركي الحالي في سورية ليس كافياً، وبينما تستمرّ العمليات التركية ضدّ القوات الكردية على الحدود، اختارت الإدارة الأميركية على ما يبدو دعم هذه الحملة ضمنياً.
المعارك المحتدمة بين حليفيْن للولايات المتحدة في الشمال الشرقي لسورية ما هي إلا دليل ساطع على أنّ إدارة ترامب رغم كلامها المعسول ما زالت تفتقر الى الإرادة والعزم اللازمين لحلّ مسألة الأزمة السورية، أو حتى الدفاع عن المصالح الأميركية هناك.

وقد حدّد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مرحلة «ما بعد الدولة الإسلامية» في سورية، في خطابٍ ألقاه في كاليفورنيا قبل بضعة أسابيع، وأسهب تيلرسون في الحديث عن مواجهة الخطر الإرهابي المحدق والتمدّد الإيراني واعتداءات بشار الأسد العنيفة.

وبإعلانه أنّ القوات الأميركية ستبقى في سورية اعترف تيلرسون بأنّ النفوذ الميداني ضرورة قصوى لتحقيق الولايات المتحدة أهدافها، ويبدو أنّ النقاش حول سورية عاصفٌ إلى حدٍ بعيد داخل مفاصل الإدارة الأميركية، فعددٌ كبير من المسؤولين في طاقم ترامب ما زال يدافع عن فكرة التركيز على الدولة الإسلامية وحدها، وترك باقي الأمور في سورية على حالها، من دون أي تدخل يذكر مهما كانت النتائج والعواقب، وما زال عددٌ كبير من هؤلاء أيضاً يفضل مغادرة المنطقة بأسرها وعدم التورّط فيها.

ومع أنّ إدارة ترامب تؤكّد علنا أنّ للولايات المتحدة مصالح بعيدة المدى في سورية، إلا أنها لم تربط كلامها بأي خطة حقيقية ملموسة في المنطقة، فما هو واضح حتى الآن هو أنّ الالتزام الأميركي الحالي في سورية ليس كافياً، وفيما تستمرّ العمليات التركية ضدّ القوات الكردية على الحدود، اختارت الإدارة الأميركية على ما يبدو دعم هذه الحملة ضمنياً، ويرى البعض في الأمر خيانةً للأكراد الذين حاربوا إلى جانب الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» ويشاطرونها القيم والأهداف عينها.

ووفق البعض تخلّت إدارتا أوباما وترامب على السواء عن مسؤولياتهما في سورية، فأدى ذلك الى فراغ سارع الأتراك والروس والإيرانيون إلى سدّه، وهكذا تخلّت الولايات المتّحدة عن الأكراد العراقيين السنة الماضية، وها هي اليوم تقوم بالأمر نفسه مع أكراد سورية، ويعتبر المفكر الفرنسي بيرنار هنري ليفي أنّ «مصلحة الولايات المتحدة الأميركية تكمن في حماية الأكراد لأنّهم برهنوا على امتداد الزمن أنهم حلفاء يمكن الوثوق فيهم»، وأشار تيلرسون إلى أنّ الولايات المتحدة تسعى جاهدةً للحدّ من نطاق الهجوم التركي على الأكراد، ولكن ما من أمرٍ ملموس في هذا الاتجاه على أرض الواقع.

ويشدّد البعض على ضرورة احترام الولايات المتحدة للهواجس الأمنية التركية من دون المساس بالأكراد في الوقت عينه ولكن إحقاق التوازن المطلوب هنا ضربٌ من الاستحالة، وحتى لو نجح ترامب في ذلك، فإنّ الأمر لا يعني بالضرورة التوصّل الى معالجة أكيدة لشوائب الاستراتيجية الأميركية في سورية.

ويعلق وائل الزيات، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية، يدير اليوم منظمة غير ربحية تدعى «إمغيج» على الأمر قائلاً: «منذ اللحظات الأولى للحرب السورية نظرنا الى الأزمة نظرةً تكتيكية لم تكن متبصّرة بما يكفي، ما زاد من استفحال الأزمات الاستراتيجية، وأدى الى تأزيم العلاقة مع تركيا، وتفاقم النزاع في سورية وزيادة صعوبة مواجهة نفوذ ايران المتعاظم في المنطقة»، وما زال ترامب يكرّر أخطاء أوباما عينها، فالولايات المتحدة تعتمد على روسيا الى حدٍ بعيد لممارسة الضغوط على نظام الأسد، وتبيّن أنّ روسيا لم تكن ميّالةً أو راغبةً في أداء هذا الدور بتاتاً.

وما زالت الولايات المتحدة إلى اليوم تنادي بضرورة قيام عملية سلام ترعاها الأمم المتحدة ولكن كل جهودها باءت بفشلٍ ذريع في هذا المجال، كذلك فإنّ الجهود الحثيثة لمواجهة إيران في سورية ليست مدروسةً على أكمل وجه وبما يكفي، وما من ضغطٍ حقيقي يُمارَس على الأسد للكفّ عن الفظاعات التي يرتكبها، فما البدائل إذاً؟ فضلاً عن زيادة عديد القوات الأميركية، وهو حلّ لا ينادي به أحدٌ طبعاً، ثمة طرق كثيرة يمكن للولايات المتحدة أن تقوّي نفوذها في سورية عبرها. أولاً ينبغي ألا تتخلّى الولايات المتحدة عن الأكراد الذين عملت على تدريبهم، فذلك سيدفع بهؤلاء الى عقد اتفاقاتٍ مع النظام الأسدي أو روسيا وستكون نتائج ذلك وخيمة.

ثانياً، على الولايات المتحدة التنسيق والتحاور مع المجموعات العربية السنية التي تدافع عن المناطق السنية في سورية، وهذا يعني استئناف دعم المعارضة المعتدلة خصوصاً في محافظة إدلب، حيث يحقق النظام الاسدي وحلفاؤه تقدماً ملموساً، وهذا يعني في الوقت عينه دعم الحكم المحلّي في مناطق غير واقعة تحت سلطة الأسد.

ثالثاً، على إدارة ترامب زيادة الضغط على الأسد وروسيا وايران عبر تشديد العقوبات عليهم، والتهديد باستخدام القوة بشكل يرغم هذه الاطراف على احترام اتفاقاتٍ أبرموها بشأن الهدنة، أو التخفيف من العنف، والذهاب الى طاولة المفاوضات، وحتى اليوم لا يبدو أنّ ثمة نية لدى أيّ من الأطراف للجوء الى الحوار بديلاً عمّا يحصل في الميدان.

بعد عامٍ من ولاية الرئيس ترامب تؤكد إدارته أنّ للولايات المتحدة مصالح طويلة الأمد في سورية، والخطوة التالية هي أن يقرن الرئيس أقواله بالأفعال.

جوش روغن- واشنطن بوست

تيلرسون حدّد التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مرحلة «ما بعد داعش» في سورية
back to top