الحسيني والواقع المرّ

نشر في 07-01-2018
آخر تحديث 07-01-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري حين أكتب عن العمل الأول لأي روائي شاب أحاول دائما أن أتجنب دور الموجِّه أو الناصح. غالبا لا أتناول نصا أدبيا إلا إذا كان هذا النص مبشراً، سواء في موضوعه أو لغته، أو التقنية التي اتبعها الكاتب لبناء النص.

هناك الكثير من الأعمال الروائية تصدر حاليا دون أن نتمكن من مواكبتها والتقديم لها، وهو تقصير نعتذر عنه. أرسل لي الشاب عبدالله الحسيني نسخة إلكترونية من عمله الروائي (لو تغمض عينيك)، دون معرفة سابقة بيننا، وتعمَّدت أن أتعايش مع النص، دون أن أسأل عن الشاب. المهم بالنسبة لي هو النص بحيادية، وبعيدا عن صاحبه.

يمتلك عبدلله الحسيني القدرة على بناء رواية متماسكة الأحداث تسير بخط زمني مستقيم بعد الفصل الأول الذي تم في زمن بعيد نوعا ما عن زمان الرواية، واتسق مع الحدث الذي اختتم به الحسيني روايته.

تناولت الرواية بشكل مكشوف وواضح ودون مواربة الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية المرتبكة في الكويت. الكويت، هذا البلد الصغير، والذي يشكل شعبه خليطا من بلدان مجاورة، وجد نفسه، لأسباب كثيرة، شعبا متمايزا وطبقيا ومناطقيا.

فضَّل الروائي أن يختار ثلاث شرائح مهمة من المجتمع الكويتي تعيش هذا التباين وتورثه لأجيالها اللاحقة، باستثناء شخصية الجدة "روضة"، التي مثلت الكويت القديمة، وتعايشها اللاطبقي في الماضي. وكان اختيار هذه الشخصية، التي ساهمت قدر استطاعتها، بإذابة هذه الفوارق بين الطبقات الثلاث ذكياً، إلا أن العنصرية تفوقت على عجزها. فهي تنتمي للعائلة التي ترى نفسها الأكثر مالاً، وبالتالي نسباً، حتى إن كان ذلك يخالف الحقيقة. الفئة الثانية هي فئة البدو، وأهل الجهراء تحديدا، وهي الفئة التي تراها الأولى أقل نسبا ومكانة منها، وفي الوقت نفسه تنظر للفئة الثالثة من البدون كفئة ضائعة لا مستقبل لها، حتى إن اعترفت بأنها جزء منها وتنتمي لها.

تشكل مشاريع النسب مقياس التمايز الطبقي بين هذه الفئات الثلاث. لا تستطيع دلال ابنة الفئة الأولى استمرار الارتباط براكان ابن الفئة الثانية، وهو الارتباط الذي ساهمت "روضة" في إتمامه. تركت ابنتها "حياة" لدى والدها، وغادرت الجهراء، تحت ضغط الحياة البدوية التي لم تستطع التأقلم معها. في المقابل، يرفض راكان ارتباط ابنته حياة بخالد البدون ابن الفئة الثالثة.

ورغم أن الحالات التي تناولتها الرواية تم التطرق لها سابقا في أعمال متفرقة، لكنها إضافة مهمة لتفاصيلها الدقيقة، خصوصا في الحالة التي رسمها لحياة البدون الحالية في الجزء الأخير من الرواية.

ما لم ينتبه إليه الحسيني، هو ارتباك السرد، وهي حالة طبيعية لنص أول للكاتب، فقد راوح بين ثلاث تقنيات سردية استخدمها الراوي كمتكلم أول والانتقال بين المتكلم الثاني والثالث، وأحيانا في الفقرة ذاتها. هذا التراوح في عمل قصير يؤثر كثيرا على التلقي. الراوي في العمل هو الموصل الأساس للنص، وارتباكه في الإرسال يضعف المرسَل. والذي أعيبه على العمل أيضا، هو اختيار عناوين الفصول وتفريعاتها وابتعادها عن مضمون النص.

أخيرا، هذه بداية موفقة لكاتب شاب مبشر أتمنى أن يعتمد كثيرا على خياله، والابتعاد عن نقل الواقع كما هو، حتى إن كان مريرا. في أحيان كثيرة هذا الواقع المُرّ لا يصنع نصا بمذاق حلو.

back to top