«سارونة»!

نشر في 06-01-2018
آخر تحديث 06-01-2018 | 00:00
 مجدي الطيب فاجأني، وأظنه فاجأ الكثيرين، المخرج الكويتي الشاب مساعد خالد، عندما علمت أن فيلمه القصير «سارونة» (الكويت/ 12 دقيقة)، الذي عُرض في مسابقة «المهر الخليجي القصير» بالدورة الرابعة عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، هو فيلمه القصير الرابع، وأنه ممثل قبل أن يكون صانع أفلام أنجز الكثير من الأفلام القصيرة والإعلانات التلفزيونية وبرامج التحريك. لكني، في المقابل، لم أستغرب هذه المعلومات بعدما انتهيت من مشاهدة فيلمه، الذي أنتجه وكتب له السيناريو واختار له عنوان «سارونة»، وأظنه تدليل اسم «سارة». فمن خلال الفيلم، الذي شهد المهرجان عرضه العالمي الأول، أظهر قدرة واضحة على قيادة طاقم العمل، من مصور (عبدالمحسن العبدالجادر) ومونتير (يوسف المجيم ومحمد المنيسي)، وتوظيف جيد للموسيقى (مشاري حمد)، وبراعة في إدارة الممثلين (غنيمة الشعيل وداود الشعيل وأحمد الحسيني)، خصوصاً أن بطلة الفيلم (الطفلة نور) تملك حضوراً وإطلالة، ونجحت بفضل إدارة المخرج، في الإمساك بتلابيب الشخصية، التي لا تخلو من مشاكل نفسانية، على رأسها الغيرة!

تدور أحداث فيلم «سارونة» حول الطفلة «سارة» ذات السنوات الست، التي كانت تحظى باهتمام العائلة، وعلى رأسها الأب «حمد» (داود الشعيل)، الذي لا يبخل عليها بهداياه التي تُدخل الفرحة إلى قلبها، كما فعل عندما ابتاع لها الدراجة التي كانت تحلم بها، والجدة التي يحلو لها أن تناديها «سارونة»، لكن مع اقتراب أمها من وضع طفل جديد يتولد لديها شعور أن عرشها ينهار، وأن البساط يكاد يُسحب من تحت قدميها، وهو الشعور الذي ينقلب إلى يقين، بالنسبة إليها، في اللحظة التي يُطالب والدها من مربيتها «الآسيوية»، اصطحابها إلى منزل جدها لأمها، كي يتفرغ لرفقة أمها (غنيمة الشعيل) إلى المستشفى لتضع مولودها الجديد.

تفشل «سارونة» في محو شعور الغيرة، الذي تملك منها، وإحساسها المُفرط بأنها صارت «مهمشة»، وأن خالها لديه أبحاثه التي استولت على اهتمامه، وتفكيره، ويتفاقم إحساسها بـ «التهميش» مع عودتها إلى المنزل، بعد عودة أمها وفي أحضانها الطفل «الذكر»، الذي يستولي على اهتمامها، ورعايتها، ولحظتها تحسم «سارونة» أمرها، وتمضي في تنفيذ خطتها الطفولية، إذ تحزم حقيبة مدرستها، وتضع فيها بعض ملابسها، ودميتها التي أحبتها، وتستقل دراجتها وتهرب من المنزل!

في الشارع يقدم المخرج/ كاتب السيناريو لمحة أخرى ذات مغزى ودلالة، عندما يستدعي لقطة سابقة لطفلين (أحمد مساعد وعصام الزامل) افترشا رصيف شارع رئيس في المدينة، ويمارسان شكلاً من الابتزاز، وقطع الطريق، على الأطفال، الذين لا يُسمح لهم بالمرور عبر الشارع إلا بعد أن يحصلا منهم على «إتاوة»، وعندما يتمادى أحدهما ويقترح على رفيقه الاستيلاء على دراجة «سارونة» يعنفه صديقه قائلاً: «لسنا لصوصاً»، رغم أنهما في طريقهما إلى أن يصبحا قاطعي طريق ولصوصاً، في غيبة اهتمام الأسرة، وإهمالها لهما، في تأكيد من المخرج على دور الأسرة، وخطورة تجاهلها الأبناء الصغار!

تمضي «سارونة» في طريقها، بعد أن تدفع «الإتاوة»، في شكل حلوى أطفال، لكن والدها، الذي تصادف مروره بسيارته في الشارع، يلمحها، ويُقنعها بركوب السيارة معه، ويدور بينهما حوار مهم، تبرر خلاله فعلتها، وتشكو همها الطفولي، وبروح مستنيرة يلتمس الأب لها العذر، ويحتويها ويأخذها في حضنه بدفء حقيقي، وينجح في إقناعها بأنها ما زالت «محبوبة» الأسرة، ويعود بها إلى المنزل.

فيلم عائلي يتبنى كثيراً من الرسائل، ويُرسي كثيراً من القيم، ويدق ناقوس الخطر حيال ما يعتمل في نفوس أطفالنا من مشاعر يمكن أن تأكلها الغيرة، في حال إذا لم يتدارك الكبار الأخطاء التي يقعون فيها، في غفلة، تترك أثاراً سلبية فادحة على الأطفال، مع إحساسهم بالإهمال والتجاهل، والدونية، وقرب غياب الحضن الدافئ، والحوار الذي يصحح المفاهيم والانطباعات الخاطئة.

لهذه الأسباب أدركت وزارة الدولة لشؤون الشباب في الكويت أهمية فيلم «سارونة»، رغم مدته القصيرة، وبادرت بالمشاركة في إنتاج الفيلم الذي يمكن النظر إليه بوصفه رسالة تربوية، ودعوة نبيلة، تغنيها، وتغنينا، عن مئات اللقاءات المتلفزة، والمحاضرات الفضائية، التي تقع في فخ الخطاب المباشر، والعظة المدرسية، والتلقين غير المستحب، وهي الثغرات التي ينجح العمل الفني في تجنبها، ويسبح بعيداً عنها، في حال وقف وراءه مخرج يعي أهمية ما يفعل.

back to top