الأدب الأصغر

نشر في 24-12-2017
آخر تحديث 24-12-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري في دراسات الأدب الأقلاني أو الأصغر يلتفت النقاد في الغالب إلى اللغة التي يستخدمها الروائي عادة في وسط لا يتكلم هذه اللغة. وفي دراسة لجيل دولوز وفيلكس غاتاري حول كافكا، الذي كان ينتمي إلى أقلية يهودية ويكتب بلغة ألمانية في محيط براغ التشيكي، حاول الباحثان ترسيخ المصطلح عبر تناول المفاهيم التي حوَّلت هذا الأدب إلى ثورة حقيقية وسط الأدب المؤسس.

ما أطرحه هنا، ويقدمه أيضا الباحثان، هو أن اللغة ليست بالضرورة هي المؤشر على مفهوم أدب الأقلاني أو الأصغر. قد يكتب الأقلية بذات اللغة التي يكتب بها الأدب المؤسس، وقد ينتمي إلى ذات المجتمع؛ تاريخا وديانة وانتماء، لكنها فئة تختلف عنه في الوضع السياسي كعلامة فارقة بين أديب الفئة الأكبر وأديب الفئة الأصغر.

يقدم كاتب الأقلية نفسه ككاتب ينتمي للمجموعة الأم، رغم رفضها له رسميا، وأحيانا شبه شعبيا، فهو ليس عضوا في مؤسساتها الرسمية التي تعنى بالأدب والكتابة، وهو ليس ضمن لوائح كتابها الذين لهم الحق في تمثيلها؛ محليا أو خارجيا. وهو كذلك غير مرحَّب به في الوسط الثقافي غير الرسمي، ويلجأ أحيانا إلى تكوين دائرة من أعضاء هذه الأقلية التي تقاسمه ظروفه السياسية، ويفشل غالبا وهو يواجه مؤسسة رسمية لا ترحب بأطروحاته الأدبية.

في الكويت تنقسم الحركة الثقافية إلى فئتين: الفئة الأكبر، وتضم الكُتاب الذين يحملون جنسية البلد، والفئة الأصغر، التي لا تحمل جنسية البلد. الفئتان هما نتاج اجتماعي وثقافي واحد، لكن المؤسسة الرسمية لا تعترف بالأقلية التي تتناول ذات الفعل الإبداعي؛ اجتماعيا وسياسيا. هذه الفئة الأصغر لا تقدمها المؤسسة الرسمية في المحافل الأدبية، ولا تعترف بها ككيان ينتمي، أدبيا وليس سياسيا، لها. ولا تعترف بها المؤسسة شبه الرسمية والمكونة من مجاميع أدبية شكلت كيانات أدبية تعنى بنشر ثقافة الوطن، محليا أو خارجيا. فحين اتفقت جهة أدبية، على سبيل المثال، تحت رعاية أحدهم بالاتفاق مع مجلة أجنبية لنشر أنثولوجيا قصصية ونقدية لكُتاب من الكويت، تم استثناء جميع القصاصين البدون من هذه الترجمة.

المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ أن الاهتمام بكتب الزملاء البدون يأتي دائما من الخليج والوطن العربي، وليس من كتاب الفئة الأكبر، عدا استثناءات تعد على الأصابع. هذا التجاهل الذي يلاحظه الجميع ليس مرده فقط رفض الفئة الأصغر لأن المؤسسة الرسمية ترفضها، إنما محاولة مساعدة الجهة الرسمية على هذا الإقصاء المجحف. ربما سأجد ردودا من بعض الزملاء لتقديم شهادات عن مشاركة الإخوة البدون كتاباتهم.

أصبحت الفئة الأصغر تعاني ظروفا تعليمية صعبة وحياة معيشية أصعب، والوفرة الكتابية في الثمانينيات كانت نتيجة المساواة في التعليم في العقود التي سبقتها. في تلك الفترة التي تفوقت فيها الفئة الأصغر شعريا تراجعت اليوم، وسط هذه الظروف المعيشية القاسية، والتي لا نستطيع من خلالها أن نخرج بأكثر من صوت هنا وصوت هناك.

ما يقدمه القارئ في الخليج والوطن العربي وبعض المتضامين من الفئة الأكبر لكتاب هذه الفئة هو دعم يستحقون عليه الثناء، وسط هذا التجاهل الكبير لأبناء الوطن قراءً وكتاباً. وأعرف أن الحقيقة مُرَّة وحامضة، لكن علينا أن نقولها ونعيدها علنا نواجه هذا الوضع العنصري البغيض.

التكامل الأدبي بين كُتاب البلد لا علاقة له بالوضع السياسي، ولا يخضع إلا للمعيار الأدبي والأخلاقي، إذا كنا فعلا نمتلك هذين المعيارين.

back to top