الأغلبية الصامتة: لنزرعها قاتاً ورواية

نشر في 21-12-2017
آخر تحديث 21-12-2017 | 00:09
لقد فعلت آليات العرض والطلب دورها في تدمير الخريطة الزراعية والصحية لبلد تقاسم تجارة قريش مع بلاد الشام في رحلتي الشتاء والصيف، وذلك ما يحدث مع بنية المشهد الثقافي العربي وتوجهات جمهوره الذي بات أغلبه مدمنا على "تعاطي" الرواية، وكأنها الصنف الوحيد الذي يجب أن "يزرع" وحده في المكتبات ومعارض الكتب.
 إبراهيم المليفي من الذكريات التي لا أنساها من رحلتي إلى اليمن عام 2002، القصص والمشاهد المتعلقة بالقات الذي صبغ معظم الأماكن التي زرتها في صنعاء وعمران، والمناطق التي توقفنا فيها بين المحافظتين، أذكر منها على سبيل الخصوص الشرح المكثف لأسباب هيمنة زراعة القات على بقية الأصناف رغم سخاء الطبيعة في إنباتها وإنضاجها.

في رحلة بالباص بين جبال اليمن الشاهقة والغيوم تظلل قممها ومسطحاتها الخضراء، أوضح لي أحد المرافقين أن ما أراه في الخارج من شجيرات ليست سوى شجرة القات التي لا تقربها الآفات ولا تحتاج إلى الكثير من الماء، وهي بهذه المواصفات إضافة إلى العامل الأكبر، وهو شيوع الإدمان عليها من كل الأعمار وكلا الجنسين، تحولت إلى وسيلة سريعة وسهلة لجني الأرباح إذا ما قمنا بمقارنتها بمتطلبات زراعة الأشجار المثمرة والخضراوات من رعاية وعمالة وتسميد ورش مبيدات... إلخ، وأضاف مرافقي أن أسعار القات تزداد تصاعديا مع الأماكن العالية لجودة المخدر وليس لصعوبة المكان!! وتوجد هناك أصناف لا يشتريها غير الأغنياء لارتفاع أسعارها.

لقد فعلت آليات العرض والطلب دورها في تدمير الخريطة الزراعية والصحية لبلد تقاسم تجارة قريش مع بلاد الشام في رحلتي الشتاء والصيف، وفيه يضرب المثل الشائع في كل الدول العربية "لا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن"، فأين العنب؟ وأين البن؟ الله المستعان. لقد ذكرت كل ما سبق، وخصوصا أسباب هيمنة صنف على بقية الأصناف، لأتحدث عن بنية المشهد الثقافي العربي وتوجهات جمهوره الذي بات أغلبه مدمنا على "تعاطي" الرواية، وكأنها الصنف الوحيد الذي يجب أن "يزرع" وحده في المكتبات ومعارض الكتب. إن فعل "القراءة" في بيئة لا تحفز على القراءة أمر محمود بلا شك، ولكن ذلك لا ينفي وجود ظواهر غريبة نتجت عن آليات العرض والطلب، وأثرت في بنية سوق الكِتاب وبعض الكُتاب، من بينها جنوح بعض الكتاب الذين اشتهروا في مجالات غير الرواية إلى كتابة الرواية للدنو- كما يبدو– من أماكن الضوء ودفء الجمهور، الحالة الثانية وهي ظاهرة السنوات الأخيرة بلا منازع، وهي ظهور كتابات "فاست فود" منسوبة إلى جنس الرواية، يكتبها شباب لم يسبق لهم الكتابة في أي شيء، وأعمالهم تبدأ وتنتهي ضجتها مع نهاية حفل التوقيع بعد التقاط المئات من صور السيلفي.

الحالة الثالثة التي أعتبرها الأعقد هي أسبقية علاقة "التأثير أو التأثر"، مثلا هل الجمهور من صنع الطلب الذي أثر في وسائل الإعلام والمؤسسات التي تمنح الجوائز ودفع الكتاب وغير الكتاب لكتابة الرواية أم العكس؟ وهل نجاح بعض الروايات واحتفاء وسائل الإعلام بها والمؤسسات التي تمنح الجوائز وسخاء بعض دور النشر في الترويج لأقلامها الرابحة ونشاط دائرة العلاقات العامة و"الفزعة"، مهّد الطريق نحو توسيع قاعدة الطلب على "الرواية" أيا كان شكلها ومحتواها؟ الواضح لدي هو تشكل واقع جديد يريد زراعة "الرواية" في كل الحقول لأنها الأسهل والأكثر ربحية في السوق.

back to top