«البوليميا»... هكذا يتصدّى لها التنويم المغناطيسي

نشر في 18-12-2017
آخر تحديث 18-12-2017 | 00:02
No Image Caption
كما هي الحال مع اضطرابات الأكل كافّة، يصعب الخروج من «البوليميا» من دون مساعدة، وهنا يأتي دور التنويم المغناطيسي: فهو حليف التحكّم بالحاجة القهريّة إلى الأكل.
إذا كانت أسباب البوليميا كثيرة، فالآليّة لا تزال ذاتها. تبدأ النوبات جرّاء شعورٍ بعدم الارتياح أو فائضٍ في التوتّر أو عاصفةٍ من العواطف، لا يهدّئها سوى التهام كمية كبيرة من الطعام الدهني والحلو عموماً، بطريقة وحشية وقهريّة.

يختصر الخبراء البوليميا بكونها جواباً سيّئاً عن سؤالٍ جيّد: «لا أشعر بأنّني في حالةٍ جيّدةٍ، ما العمل لأشعر بتحسّنٍ؟» والجواب اللجوء إلى الطعام، وهذا ما تؤكّده المصابات بالبوليميا. انطلاقاً من هنا، تفسح النوبات المجال إزاء الشعور بالذنب والعار لأنّ الأمور خرجت عن سيطرتهنّ مرّةً أخرى. ولكن لما كان هذا الجواب يقدّم متعة أيضاً، ولو على المدى القصير، فيصبح الانفصال عن هذه الآليّة صعباً.

هنا يأتي دور التنويم المغناطيسي ليقدّم العون الفعلي لهنّ. يُنصح باللجوء إلى هذا النهج بشكلٍ خاصّ لأنّه خلال النوبات، تجد المصابات بالبوليميا أنفسهنّ فعلاً في حالةٍ من «النشوة» المنوّمة. يأكلن ويدركن هذا لكنّهن شبه غائبات عن أجسادهنّ والحالة التي لا يملكن أيّة سيطرةٍ عليها. ينفصل الفكر عن الجسد، وهذا هو جوهر التنويم المغناطيسي، ما يزيد تفاعلهنّ مع الأخير.

الوصول إلى أساس المشكلة

لتنجح المريضة في التحرّر من البوليميا، تنصّ الخطوة الأولى على إيجاد السبب وراء هذه الحاجة القهريّة إلى الأكل لأنّها إذا لم تتصدّ للمشكلة، يصعب العلاج.

يساعد التنويم المغناطيسي في تحديد الأسباب حين لا تظهر بشكلٍ واضحٍ خلال استشارة المتخصّص. ويطلب الطبيب النفسي عموماً من المريضة تحت تأثير التنويم، العودة إلى آخر نوبةٍ أصابتها، وإلى آخر دقيقتين أو ثلاث دقائق منها. ثمّ عليها وصف المشاعر التي راودتها والصور التي جالت في بالها، بالإضافة إلى المخاوف والعواطف التي خالجتها وصولاً إلى الأسباب.

تسيطر الأحاسيس على العقل بما أنّ حالة التنويم تسمح بالاستسلام. بهذا، تستطيع المريضة تذكّر حوادث اعتبرتها غير مهمّة لدرجة تسبّبها في هذه الاضطرابات، أو التعبير عمّا تشعر به عن طريق المجازات، كالإحساس بوجود كتلٍ في البطن أو تخيّل أنّ جداراً يرتفع أمامها وهي قادرة على تمزيقه.

عيش النوبة مجدداً ولكن بهدوء

يبدأ العمل على استعادة السيطرة ما إن تحدّد المشكلة. عندما يتعلّق الأمر بصدمة نفسيّة، مهما كان سببها (اعتداء جنسي أو عبارة مسيئة كـ«لا قيمة لك!»)، يساعد التنويم المغناطيسي في المضي قدماً.

في الواقع، تحفّز الصدمات النفسيّة حالة من الذهول لدى من تجد نفسها جامدةً، وعاجزةً عن التفاعل. إلّا أنّ التنويم المغناطيسي يقدّم فرصةً لتغيير هذا السيناريو: يسأل المعالج النفسي المريضة عمّا كانت ترغب بالقيام به أو قوله، وما ستستطيع فعله تحت تأثير التنويم. بفضل الأخير، لا تخبر المريضة قصّةً فحسب، بل تعيش أحداثها أيضاً: إذاً هذه وسيلة فاعلة للتحرّر من المواقف التي عايشتها المريضة، كالصدمة النفسيّة، والتخلّص من الأحاسيس القويّة والقادرة على إشعال الحاجة إلى الامتلاء، فتعيد إحياء هذه الأحداث ولكن ضمن إطارٍ هادئٍ.

أمّا الوسيلة الأخرى فتكمن في تعلّم المريضة كيفيّة إدخال نفسها في حالةٍ من التنويم المغناطيسي. إنّ التمكّن من هذا الوضع التنويمي المشترك لنوبات البوليميا والقدرة على الغوص فيه لحظة تشاء، من ثم عدم الخضوع له فحسب، يساعد في استعادة السيطرة على الذات.

صحيح أنّ هذا الأمر يحتاج إلى كثيرٍ من التمرين، ولكن بعد ثلاث أو خمس جلسات يقلّ عدد النوبات بما أنّ المريضة أصبحت قادرة على التحكّم بها. هذا يعني أنّ العمل على البوليميا وأسبابها من الناحية النفسيّة أمر وارد.

تمارين بسيطة ومفيدة

إلى جانب هذا «العلاج الشامل»، يوفّر بعض التمارين الإضافيّة دعماً يعزّز استعادة السيطرة. بالتأكيد ثمّة تمرين فكري أيضاً يمكّن المريضة من إدراك وجود خيارٍ أمامها لقول «لا» تجاه هذا الاندفاع. تحت تأثير التنويم المغناطيسي، ستعيش مرحلة بدء النوبة وتتصدّى لها، ما يجنّبها الوقوع في الزلّات المستقبليّة.

كذلك يساعد تمرين آخر في إعادة إحياء العلاقة مع الأكل للمتعة وليس ذلك الذي يعطي شعوراً بالامتلاء. يصف الخبراء هذه الفكرة كما يلي: تحت تأثير التنويم المغناطيسي، تتذوّق المريضة من قالب الحلوى المفضّل لديها، قطعةً تلو الأخرى، مع أخذ الوقت الكافي لتتمتّع بنكهته. بهذه الطريقة تشعر بالرضا ولكن بكمّيّةٍ أقلّ. كذلك يمكن العمل على مفهوم الشبع، فيطلب طبيب النفس من المريضة أن تضغط على بطنها أو تضع كتاباً عليه، ما يساعدها في تلقّي إشارات الشبع بشكلٍ أفضل، خصوصاً أنّ المعدة تتوسّع ما إن تصل العلامات إليها.

في النهاية، يقول أطبّاء النفس إنّ عدد الجلسات يتراوح بين خمس و15 جلسة، بحسب تاريخ المريضة الشخصي واحتياجاتها، لكنّها سرعان ما تشعر بالمنافع.

كيف تجري الجلسة؟

تدوم كلّ جلسة تنويمٍ مغناطيسي نصف ساعةٍ تقريباً. تبدأ بالإجراءات التمهيديّة، من خلال تمارين الاسترخاء أو تصويب تركيز المريضة على غرضٍ في الغرفة، كالشبّاك أو تحفةٍ صغيرة. ثمّ يبدأ المعالج بطرح الأسئلة: «بماذا تشعرين في هذه الفترة التي وصفتها لي للتو؟»، أو يقترح عليها أموراً معيّنة، مثل: «ربّما تستطيعين العودة إلى هذه الذكرى والتصرّف بطريقةٍ أخرى». فالمهمّ هو التذكّر دائماً أنّ تحت تأثير التنويم، تحتفظ المريضة بحقّ اختيار ما تريد وتعلم أنّها قادرة في كلّ لحظةٍ على الخروج من هذه الحالة.

عندما تستيقظ المريضة بهدوءٍ في نهاية الجلسة، يلفت المعالج انتباهها إلى مراجع ملموسة على جسمها أو في أرجاء الغرفة، ثمّ يطلب منها فتح عينيها والتمدّد.

التنويم المغناطيسي وسيلة فاعلة للتحرّر من المواقف التي عايشتها المريضة
back to top