رسالة حب إلى عزيزتي الكويت

نشر في 11-12-2017
آخر تحديث 11-12-2017 | 00:08
 كريستيان نخلة أيها الأصدقاء الكويتيون الأعزاء، أو بالأحرى يجب أن أقول عزيزتي الكويت:

في الواقع أوجه كلمتي هذه إلى الكويت وإلى أصدقائي واللقاءات التي أجريتها معهم، وإلى العمل الذي أنجزناه سوياً خلال أربع سنوات وثلاثة أشهر، الأمر الذي سمح لي باكتشاف بلد خارج عن المألوف في العالم العربي الذي أعرفه جيداً.

لقد وصلت من باريس في 15 سبتمبر 2013، وحرفياً لم أكن أعرف أي شخص هنا، فقد سنحت لي حياتي الدبلوماسية سابقاً بالمصادفة فرصة المجيء إلى بلدكم مرة واحدة قبل نحو عشر سنوات، لكنها كانت زيارة قصيرة.

كنت طالباً في سنة 1990، وفوجئت مثل أي شخص آخر، بغزو دولة الكويت، وفرحت بعد سبعة أشهر بتحرير هذا البلد، وفي الدورات الدراسية التي التحقت بها لإعداد مسابقة وزارة الشؤون الخارجية، كثيراً ما تم ذكر مثال الكويت في الأعمال الإدارية التي كان علينا تحضيرها وتقديمها بشأن العلاقات الدولية وإنفاذ القانون.

وقد جاء إلى بلدكم بعد التحرير مباشرة صديق لي يعمل صحافيا، كان يعيش معي في القاهرة في ذلك الوقت، بدعوة من السلطات الكويتية، لكي يشهد على عمليات النهب والسرقة التي كانت قوات صدام حسين قد قامت بها، وقد عاد مع شهادة نابضة بالحياة احتفظت بها كل هذه السنوات بين أغراضي الشخصية دون أن أتخيل أبداً أنني بدوري، سأكون إلى جانبكم في فترة مهامي التي لم يتبق عليها إلا أيام قليلة.

إن رسالة الصداقة، بل رسالة الحب هذه، هي عبارة عن شهادة مني على السنوات التي أمضيتها معكم: رسالة حب لهؤلاء الأصدقاء الذين التقيت بهم، الشباب والكبار والنساء والرجال والطلاب والفنانين ورجال الأعمال والسياسيين والوزراء وأعضاء مجلس الأمة والمدافعين عن حقوق الإنسان. خلال إقامتي في بلدكم قدّرت للغاية روح النقاش التي تسوده، إن كان في الديوانيات أو في الصحافة أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

إن الديمقراطية في بلدكم ليست كلمة فارغة، إنها حقيقة واقعة، ودبلوماسيتكم هي دبلوماسية سلام، مثل دبلوماسية فرنسا، وإن الكويت تدين بذلك لقادتها، وفي الدرجة الأولى لصاحب السمو أمير البلاد، وهو نموذج حقيقي للحكمة بالنسبة إلى المنطقة بأسرها و"قائد إنساني" للعالم أجمع.

تسود هنا في الكويت روح الأسرة التي أحب أكثر من أي شيء آخر، إذ إن الجميع يعرفون بعضهم، ويقومون بزيارات متبادلة خلال مناسبات الفرح مثل حفلات الزفاف أو في أوقات الحزن مثل حالات الوفاة، وإن الكويت هي عائلة كبيرة في حد ذاتها، مع تراث تجاري مهم للغاية هو جزء من أساسيات البلاد، ولكن لديها أيضاً بعد ثقافي مع مصورين ورسامين وموسيقيين، كما أني تعلمت فن التصوير الفوتوغرافي الذاتي "السلفي"، ولفت نظري تميّز المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي والناشطين في عالم الموضة، وأن بلدكم من أكثر البلدان عصرية في العالم العربي، لا بل في العالم أجمع!

أنا لا أريد أن أذكر هنا العديد من الأصدقاء الذين أتركهم في الكويت، والذين أمضيت معهم أوقاتاً طيبة للغاية في الدردشة وتبادل الأحاديث والأمل في مستقبل أفضل للمنطقة وللسلام في العالم، وبالطبع، وكما هي الحال دائماً، كان سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، منذ اللحظة التي استقبلني فيها في قصر بيان لتسلم أوراق اعتمادي في 4 نوفمبر 2013، وأثناء التحدث باللغة العربية معي بطريقة لطيفة وودية، قد قال لي بلطف وبروح من الدعابة: مرحباً بكم في بلدكم الثاني!

وكان على حق! استغرق الأمر بضع ساعات بعد وصولي في مساء يوم 15 سبتمبر 2013 لأشعر فوراً أنني في المنزل، فكنت أعرف دول الخليج لأنني عملت قنصلاً عاماً في جدّة لسنوات عديدة، وكنت أعرف بالطبع أيضاً لبنان وسورية وفلسطين، كمعرفتي بإيران ولغتها، وكذلك اللغة العربية وتاريخ هذه المنطقة من العالم، لكني لم أكن أعرف أن كل ذلك مختلط هنا في خلاطة عالية السرعة، من شأنه أن يجعلني صديقاً للكثير من الكويتيين الذين وجدت عندهم كل المكونات المذكورة أعلاه.

هذا باستثناء اللغة: كان يجب علي أن أعتاد على اللهجة المحلية، وعلامة المؤنث والمذكر، حيث كنت أخطئ بها بانتظام، وهناك صديق كان يخاطبني في بداية إقامتي قائلاً "شلونيك"، اعتقدت أنه كان يخاطب السيدة التي كانت خلفي، وعندما اكتشفت أنه عند مخاطبته لها سيقول "شلونيتش" تبين لي أنه من الواضح أن لدي الكثير من العمل على هذا الموضوع حتى لا أبدو غبياً في حواري!

الآن وبعد أن أصبحنا أصدقاء أسمح لنفسي بكشف بعض الأسرار، وربما إسداء بعض النصائح، بروح من الدعابة بالطبع! أرجوكم أعزائي الكويتيين: قللوا من سفركم، لأنه يكاد من المستحيل أن أعرف ما إذا كنت أستطيع أن أراكم في نهاية الأسبوع إلا من خلال متابعة حساباتكم على الإنستغرام، وتوقفواعن النشر على "سناب شات" لأنني ما إن أكون على وشك فتح هذا التطبيق حتى تختفي "الستوري".

أيها الشباب: اقضوا وقتاً أقل في النادي الرياضي (أوكسيجين) ومزيداً من الوقت في المعهد الفرنسي للحصول على شهادة باللغة الفرنسية! ونصيحة من صديق بالنسبة إلى التأشيرات: لا تقدموا طلباتكم يوم الاثنين 12 وأنتم تودون السفر يوم الأحد 11!

وعليكم ابتكار علاج لـ"الواتساب": هذا "الوباء الوطني" مع الصور الشخصية "السلفي"، الذي أصابني أيضاً، إذ إني بيدي اليمنى أتابع رسائلي، وبيدي اليسرى أغمس الدرابيل في كوب من الحليب الساخن مع الزعفران، وبصراحة لا أستطيع أن أقوم بهما في الوقت نفسه دون أن ينتهي بي الأمر بغمس جهاز الآيفون الخاص بي في الحليب بدلاً من البسكويت!

كانت الكويت مدرسة بالنسبة إلي، مدرسة العمل مع مهنيين ممتازين على جميع المستويات، وبطبيعة الحال في الشؤون الخارجية والوزارات الأخرى والديوان الأميري، ولكن أيضاً في القطاع الخاص، فقد تعلمت منكم المثابرة والصبر واتخاذ الوقت الكافي للتفكير... ولكن أيضاً الصداقة في علاقات العمل والرغبة في المشاركة مع بلدي، فرنسا، الذي يحبكم في المقابل كثيراً.

في الأسابيع الأخيرة الماضية قمت بزيارة العديد من الديوانيات التي كنت قد ارتدتها خلال فترة إقامتي لأقول وداعاً لأصدقائي، والتقيت ببعضكم شخصياً لإلقاء التحية، كما أني بعثت برسائل من خلال "الواتساب"، وأجريت مكالمات هاتفية لكي أقول لكم وداعاً وإلى اللقاء عما قريب، دون شك.

وكما تقول ذلك ببراعة عزيزتنا الشاعرة الشيخة سعاد الصباح: "نحن باقون"، سأستمتع دائماً برؤيتكم مرة أخرى، وسوف ألبّي في المستقبل أي دعوة إلى طبق مجبوس يوم الثلاثاء، أو أن أشاطركم طبقا من سمك النقرور لأنه كما يقول المثل: "من أكل عين النقرور ما تعدى باب السور"! سأعود!

* سفير فرنسا لدى دولة الكويت

back to top