كاشف الأسرار

نشر في 27-11-2017
آخر تحديث 27-11-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم "كاشف الأسرار"، كتاب لم أجد له تصنيفا ينتمي إليه كعنوان يحدد محتواه كرواية أو قصة، للكاتبة هدى الشوا قدومي، التي تعد تجربتها الكتابية والمسرحية جديدة على المجتمع الكويتي، الذي باتت تكثر فيه التجارب الأدبية والفنية بانفتاح كبير، ومنها تجربة هدى الشوا في الكتابة للأطفال واليافعين، إلى جانب قيامها بتأسيس شركة لإعداد وتدريب الكوادر المسرحية، مثل إعداد الممثل، وبقية الاحتياجات التي يتطلبها العمل المسرحي، وعادة يقومون بتمثيل مسرحيات تكتبها لهم، وعرضت عملا مسرحيا ناجحا للأسف لم أحضره.

هدى الشوا وُلدت في إنكلترا لأم إنكليزية وأب فلسطيني، ولعل هذه الخلطة الجينية هي السبب لاختلاف إبداعها وتنوعه، وهو ما لاحظته عند قراءتي لمعظم كتاباتها الموجَّهة للفتيان، حيث يظهر واضحا حنين انتماء الدم الفلسطيني إلى أرضه وتاريخه وثقافته، ومن جهة أخرى يبدو واضحا تأثر روح المستشرق الغربي بحكايات وتاريخ المشرق العربي وتناولها، من خلال عين منبهرة بهذا الماضي الأسطوري الغرائبي الجميل.

إذن، هذه الخلطة الجينية ساعدت على تكوين روح إبداعية باحثة عن تدوير وإنتاج تركيبة ثقافية تقدم بنظرة جديدة وبطريقة مختلفة، وهذا ما قامت بعمله هدى الشوا، من خلال كتابة قصص مصورة للأطفال منها: "ماذا يحدث في حديقة البيارة"، "فيل في المدينة"، "جلنار أميرة البحار"، والقسم الثاني مخصص لقصص الفتيان، منها: "تنين بيت لحم"، "أبولو على شاطئ غزة"، "رحلة فيل"، "كاشف الأسرار".

الملحوظة الواضحة في جميع القصص، سواء كانت الموجهة للأطفال أو للفتيان، أنها تنطلق من مبحث تاريخ عربي مكتوب بشكل مخفف وسلس يسهل وصول المعلومة الثقافية بطريقة مشوقة ومحببة لعقلية الصغار، فهي كاتبة لديها مشروع كتابي ثقافي واضح، الهدف منه التوجه لمخاطبة عقل الأطفال والفتيان، وإيصال المعرفة الحضارية الثقافية العربية إليهم عن طريق القص السهل البسيط.

"كاشف الأسرار" يرصد حكايات عصر اندثر في أعماق تاريخ بغداد قبل غزو هولاكو المغولي لها، بكل تاريخ فنونها ووصفا لمدينة بغداد وعظمتها وتطورها الحضاري، من خلال خيال موظف بحقائق تاريخية تكشف للفتيان عمق وروعة تاريخ الحضارة العربية، بشكل حيوي ممتع ومحبب ومثير لخيالاتهم.

القصة تبدأ من خلال رحلة أو زيارة فتيان للمتحف البريطاني يتخلف واحد منهم داخل ردهاته ويتوه فيها، ومن هناك تبدأ رحلته عبر محطات الأزمنة العربية التاريخية، من خلال مشاهدة الوثائق والأدوات الموجودة، التي تنقله من حكايات بغداد إلى مصر خلال آخر أيام حكم شجرة الدر حتى لحظة موتها ضربا بالقباقيب.

كتاب يوضح ويقص لمحات مهمة من التاريخ العربي للشبيبة بشكل مشوق وممتع، وبمغامرات تناسب خيالهم، وتثير تفكيرهم بصور وقيمة الماضي الذي كان.

كتابتها لا تشبه كتابة جوان رولينغ، مؤلفة هاري بوتر، فهي لا تعتمد على الخيال السحري الأسطوري، بل تستمد مادتها من وقائع حقيقية أخذت معلوماتها من كتب التاريخ ووظفتها في الخيال المحبوك بقصة مؤلفة، فمثلا الصبي عمر بطل الحكاية يقابل العالم الفلكي المنجم "ختلخ بن محمد الموصلي" الذي يشرح له كل تفاصيل رحلتهم عبر الزمان والمكان والأشخاص مثل المخيال "ابن دنيال الموصلي"، هذا إلى جانب الاقتباسات المنقولة من أشعار أو وثائق تاريخية حقيقية.

وهذا مقتطف من القصة يبين كيفية صنع وتركيب الأحبار العربية: "نظرت إلى أفراد المجموعة وهم يعملون في صمت ووقار كأنهم يقدمون طقسا مقدسا. أكمامهم الفضفاضة تتحرك في انسياب وهم يخطون بأقلامهم، وعمائمهم البيضاء الناصعة ساكنة، فبدو كأنهم مجموعة من البجع الأبيض تسبح في بحيرة، ما عدا واحدا منهم اختلف عن البقية، كان بلا عمامة ولا أكمام فضفاضة. إنها خطاطة يا عمر، ومن أشهر الخطاطات في البلاط، كانت الفتاة منهمكة فيما يبدو، بمزج سوائل في قوارير وأوعية زجاجية صغيرة ومدورة، أجاب ختلخ سؤالي قبل أن أنطقه: إنها تعمل في تركيب وخلط أنواع المداد، الأصفر من مسحوق الزرنيخ، والأزرق من اللازورد، والذهبي من زرنيخ أصفر يُخلط بالزعفران المبتل. كل هذه المساحيق تُحسب بالمقادير المدروسة. والأمدة تُحضر بطرق مختلفة؛ طبخا ونقعا وعصرا، فالمطبوخ يصلح للورق، والمعصور للرق، ولابد من الالتزام بدقة المقادير والطريقة، وإلا فسد المداد".

قصص فتيان ممتعة حتى للكبار، حيث تعيد سرد تاريخ حضارتهم.

back to top