النوم... ما علاقته بتعزيز ذاكرتنا؟

نشر في 10-10-2017
آخر تحديث 10-10-2017 | 00:00
No Image Caption
يرتبط «المغزل النومي»، وهو نوع من نشاط الدماغ المسجّل خلال المرحلة الثانية من النوم، بتحسين مرونة الدماغ وتعزيز قوة الذاكرة. ويقترب العلماء من تفسير الآليّة وراء هذا التأثير.
من المعروف أن النوم أساسي لنشاطنا اليومي، وأن لقلّة النوم الليلي السليم تأثيراً خطيراً في الإدراك والراحة. أخيراً، وجدت دراسة رابطاً بين اضطرابات النوم وبين الإصابة بالخرف، كذلك تحقّقت دراسة أخرى من علاقة ضعف التركيز بفرط النشاط وانعدام النوم.

ومع ذلك، لا تزال آليّات كثيرة كامنة وراء تأثير أنماط النوم في الاضطرابات السلوكيّة والمعرفيّة مجهولة.

ينقسم النوم إلى فئتين: نوم حركة العين غير السريعة (NREM)، ونوم حركة العين السريعة (REM). كذلك يحدّد العلماء وجود أربع مراحل مختلفة للنوم، تتميّز كلّ منها بنوعٍ مختلفٍ لنشاط الدماغ.

• مرحلة حركة العين غير السريعة الأولى: هي الانتقال من حالة اليقظة إلى حالة النوم، يتباطأ خلالها نشاط الدماغ العادي. وهي أيضاً مرحلة النوم الخفيف التي يستطيع فيها المرء الاستيقاظ بسهولةٍ.

• مرحلة حركة العين غير السريعة الثانية: هي أيضاً مرحلة من النوم الخفيف، لكنّها أعمق بقليلٍ من المرحلة السابقة. تُعتبر هذه المرحلة انتقاليّة، لكن هذه المرّة من النوم الأوّلي الخفيف إلى النوم العميق. كذلك تتميّز برشقاتٍ صغيرةٍ من النشاط الكهربائي، بعضه يُعرف بمغزل النوم.

• مرحلة حركة العين غير السريعة الثالثة: حالة النوم العميق التي يتباطأ خلالها نشاط الدماغ أكثر. فيها تستريح العضلات إلى أقصى الحدود وتتباطأ دقّات القلب والتنفّس، وترتبط بشعور الانتعاش في الصباح التالي.

• مرحلة حركة العين السريعة: مرحلة الأحلام، فيما تختلط أنماط نشاط الدماغ وموجاته الكهربائيّة التي تصل أحياناً إلى ذروتها وأحياناً تتباطأ.

تغيّرات الدماغ التكيّفيّة

صدر بحث عن جامعات هومبولت شاريتيه الألمانيّة في برلين تطرَّق إلى الآليّة التي تسمح لمغزل النوم، كونه جزءاً من مرحلة حركة العين غير السريعة الثانية، بتحسين مرونة الدماغ أو قدرته على التكيّف وإعادة التنظيم من خلال اتّصالات عصبيّة جديدة.

وتقول الدكتورة جولي سيبت، الباحثة التي قادت الدراسة من جامعة سورّيه البريطانيّة: «يؤدّي النوم دوراً مهمّاً في تغيّرات الدماغ التكيّفيّة». وتضيف: «تشير دراستنا إلى أنّ نسبة كبيرة من هذه التغيّرات تحصل خلال موجات الدماغ القصيرة جدّاً والمتكرّرة التي تُعرف بالمغزل».

يُشار إلى أنّ الباحثين نشروا النتائج التي توصّلوا إليها في مجلّة Nature Communications (تواصل الطبيعة) العلميّة.

الخلايا المتغصّنة

أجرت الدكتورة سبيت وزملاؤها الدراسة أوّلاً على فئران عرّضوها لدوراتٍ من الضوء مدّتها 12 ساعة بالتناوب مع الظلمة، وأعطوها حرية الحصول على الطعام والماء، وثانياً على جرذانٍ تتصرّف بحرّيّة.

استخدم الباحثون فحص الرسم الكهربائي للدماغ لتسجيل مغزل النوم خلال المرحلة الثانية لحركة العين غير السريعة. بالإضافة إلى هذا، اختار الباحثون قياس ارتباط خلايا الكالسيوم المتغصّنة بتحسّن مرونة الدماغ بما أنّ دراسة سابقة تطرّقت إلى هذا الموضوع.

تسمح الخلايا المتغصّنة، وهي الطرف المتلقّي في الخلايا العصبيّة، للأخيرة «بالتقاط» الإشارات الكهربائيّة ومستويات الكالسيوم التي تُكتَشف على مستوى الخلايا كمؤشّرات للنشاط العصبي.

وجدت الدكتورة سبيت وفريقها أنّ تردّدات خلايا الكالسيوم المتغصّنة ترتفع في المرحلة الثانية من النوم، وأنّها تتعلّق بمغزل النوم الذي بدوره يرتبط بتشكيل الذاكرة والتعلّم.

لكنّ هذا النشاط لوحظ في قشرة الدماغ فحسب، أي الطبقة الخارجيّة منه. تشرح الدكتورة سبيت: «لفترة طويلة، ربط العلماء مغزل النوم بتشكيل الذاكرة لدى البشر من دون أن يعرف أحد ماذا يجري فعلاً في الدماغ. أمّا الآن، فنعلم أنّ مسارات محدّدة في الخلايا المتغصّنة تُنشّط خلال مغزل النوم، ما يسمح بتقوية ذاكرتنا خلال النوم».

وتأمل الباحثة بأن تساعد أخيراً هذه الأفكار الجديدة عن كيفيّة مساهمة النوم في تعزيز الذاكرة، العلماء في استنباط طرائق جديدة لمعالجة اضطرابات الذاكرة.

وتختم حديثها: «في المستقبل القريب، يمكن استخدام التقنيّات التي تسمح بتنشيط الدماغ لتحفيز الخلايا المتغصّنة على العمل بالوتيرة ذاتها كما هي الحال مع المغزل. بهذه الطريقة، قد نصل إلى تعزيز الوظائف المعرفيّة لدى من يعاني اضطرابات التعلّم والذاكرة، كالخرف».

النوم يؤدّي دوراً مهمّاً في تغيّرات الدماغ التكيّفيّة
back to top